فيضانات باكستان... السلطة تُفاجأ بما هو متوقَّع

25 يوليو 2022
بحيرات صغيرة تتشكّل فور هطول الأمطار (عارف علي/ فرانس برس)
+ الخط -

يلحق فقدان البنى التحتية خسائر كبيرة بالشعب الباكستاني لدى هطول الأمطار الموسمية، لكنه ملف منسي غالباً إلا في حال حصول كوارث كبيرة، أو خلال تنظيم الأحزاب حملاتها الانتخابية.

ما بين 7 و12 يوليو/ تموز الجاري، شهدت مناطق مختلفة في إقليمي السند وبلوشستان، جنوبي باكستان، أمطاراً غزيرة أدت إلى مقتل 149 شخصاً على الأقل، ونفوق مئات من المواشي والحيوانات، وتدمير مئات من منازل المدنيين. لكن السبب الرئيس لم يكن الفيضانات فقط، بل ترسب كميات كبيرة من مياه الأمطار بسبب فقدان البنى التحتية المناسبة لنظام الصرف الصحي، واجتياحها منازل الناس، وملئها الأماكن العامة والشوارع.

والحقيقة أن فقدان نظام الصرف الصحي في باكستان يجلب معاناة كبيرة للشعب عموماً وسكان الجنوب خصوصاً، لكنه ملف منسي لدى السلطات التي تتحرك فقط في حال ألحقت الأمطار الغزيرة أضراراً كبيرة بالمواطنين، أو في فترات الحملات الانتخابية، قبل أن يعود مجدداً إلى النسيان، ويستمر الباكستانيون في دفع الثمن بأشكال مختلفة.

بين المتضررين في كراتشي، عاصمة إقليم السند، والعاصمة الاقتصادية لباكستان، نتيجة ركود المياه في الشارع ودخولها إلى منزله، سخي محمد، الذي يقول لـ"العربي الجديد": "خسرت كراتشي أرواحاً وممتلكات كثيرة بسبب عدم كفاءة الحكومة التي عجزت عن فعل شيء حين تحوّلت الشوارع إلى بحيرات صغيرة جعلتنا نرى السيارات عائمة فوق المياه. وعكس ذلك واقع أن بلدية كراتشي أصبحت أشبه بمشروع تجاري للحزب الحاكم والحكومة المحلية بإقليم السند، ولا تعمل لمعالجة المشاكل وخدمة مصالح الناس".

يضيف محمد: "خسر مواطنون حياتهم، وآخرون الكثير من الأموال والممتلكات، واكتفى المسؤولون بإطلاق تصريحات براقة ووعود لا طائل منها والتي تتكرر منذ القدم في ظل سعي كل حزب سياسي إلى الحصول على أصوات المواطنين في الحملات الانتخابية، وتستخدم قضايا المواطنين، وعلى رأسها قضية نظام الصرف الصحي، من أجل الحصول على أصوات. وعندما يحصل ذلك، يعود الملف إلى أدراج النسيان، وكأن شيئاً لم يحدث".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويقول محمد إعجاز، الذي توفي ابن عمه محمد رمضان بانهيار جدار منزله تحت ضغط المياه التي تجمعت بارتفاع عالٍ في الشارع، لـ"العربي الجديد": "نحن في أمسّ الحاجة في كراتشي لهطول الأمطار، خصوصاً أنها على غرار باقي مناطق إقليم السند تعاني من شحّ في المياه بسبب الجفاف الحاد الذي شمل الآبار أيضاً. والناس يطلقون دعوات كي تهطل الأمطار، لكن عدم كفاءة الحكومات المتعاقبة جعل هذه الأمطار الغزيرة نقمة تحصد أرواحنا وتدمر ممتلكاتنا ومنازلنا بسبب عدم وجود نظام صرف صحي منظم وفعّال".

ويتحدث إعجاز أن ابن عمه كان موجوداً داخل منزله عندما اجتاحت المياه الحي بكامله، "نزلت المياه من سقف إحدى الغرف، فأخرج أولاده منها وطلب منهم الذهاب إلى غرفة ثانية، وهو ما فعلوه، فيما حاول هو نفسه إخراج المياه المتجمعة داخل المنزل فسقط أحد الجدران، وأصبح هو داخل الركام. صرخ الأولاد ونادوا الناس الذين قدموا لمساعدته وإخراجه من تحت الركام، لكنه لقي حتفه قبل إخراجه".

الصورة
يتسبب فقدان نظام الصرف الصحي في كوارث (باناراس خان/ فرانس برس)
يتسبب فقدان نظام الصرف الصحي في كوارث (باناراس خان/ فرانس برس)

وفي كويتا، عاصمة إقليم بلوشستان، توفي 40 شخصاً، في حين كانت الخسائر المادية والممتلكات أكبر منها في كراتشي وإقليم السند، إذ دمرت مئات من المنازل نتيجة الفيضانات، ونفقت مئات من المواشي التي كان التجار قد جلبوها من أفغانستان من أجل أضاحي العيد.

ويقول عبد الستار خان، وهو تاجر يقيم في مدينة كويتا، لـ"العربي الجديد": "ليست هذه الكارثة الأولى التي تلحق بنا وتتسبب في أضرار كبيرة، فهي تتكرر سنوياً عندما تهطل الأمطار الغزيرة التي نحن في أمس الحاجة إليها. وأنا شخصياً أعتقد بأن الحكومة لا تتحمل وحدها مسؤولية الكارثة، بل يتحمل المواطنون المسؤولية أيضاً الذين يقفون وراء ظاهرة تشييد مبان سكنية وتجارية مع عدم توفير مجاري مياه مناسبة لها، والتي يتعمدون تضييقها من أجل الحصول على مساحات عمرانية أكبر، كما أنهم لا يراعون مستلزمات تصريف مياه الأمطار وتلك المخصصة للصرف الصحي، وبالتالي يجلب هطول الأمطار مشاكل، وتغمر المياه والفيضانات المنازل، وتلحق خسائر بشرية ومادية كبيرة".

علوم وآثار
التحديثات الحية

وعن موقف الحكومات المحلية والمركزية فهي تؤكد أن فرقها تعمل بشكل دائم ودؤوب لمعالجة المشاكل. وقال رئيس الحكومة المحلية بإقليم السند سيد مراد علي شاه، في مؤتمر صحافي عقده في 10 يوليو/ تموز الجاري، إن "كميات الأمطار غير المسبوقة التي هطلت غمرت غالبية قنوات التصريف، فتعطل نظام التعامل مع الكارثة ما أدى لمشاكل كبيرة، لكن الحكومة تعمل لعدم تكرار المشكلة في المستقبل". كما أكد رئيس الوزراء شهباز شريف، في بيان أصدره في اليوم ذاته، أن "الحكومة المركزية تتواصل دائماً مع الحكومات المحلية لحلّ المشكلات الأساسية، لكن حل مشكلة فقدان أنظمة الصرف الصحي الجاهزية المطلوبة لمواجهة الكوارث سيستغرق بعض الوقت". أما رئيس الوزراء السابق المعارض للحكومة الحالية عمران خان، فصبّ جام غضبه على الحكومات المركزية والمحلية، وقال في بيان أصدره في 13 يوليو/ تموز الجاري إن "الحكومة فاشلة تماماً في مواجهة الملفات الداخلية والخارجية".

المساهمون