فيضانات السودان.. كارثة صحية وأوبئة تهدّد السكان بالموت

09 أكتوبر 2020
الفيضانات جعلت التنقل شبه مستحيل (محمود حجاج/ الأناضول)
+ الخط -
في أوائل سبتمبر/ أيلول الماضي، شهد السودان فيضانات عُدّت الأكبر والأشد ضرراً، متجاوزة في دمارها فيضانات عامي 1946 و1988 التي كانت تعتبر الأسوأ. وارتفع منسوب مياه نهر النيل الأزرق، الذي يلتقي النيل الأبيض في الخرطوم، بشكل وصفه الخبراء والمسؤولون بالتاريخي، والذي "لم يشهده منذ بدء رصد مستوى المياه في النهر عام 1902".
ومنذ أيام، يعيش السودان كارثة طبيعية بسبب فيضان نهر النيل، ما أدى إلى أزمات إنسانية مع وفاة ما لا يقل عن 138 شخصاً وهدم أكثر من 98 ألف منزل جزئياً أو كلياً، وتضرر أكثر من نصف مليون شخص حتى الآن بحسب البلاغات الرسمية للحكومة، إضافة إلى آلاف الأراضي الزراعية والمرافق والمؤسسات الخدماتية والصحية.
وفي الوقت الحالي، يخيّم القلق على محلية مروي ومحلية الدبة (من محليات الولاية الشمالية)، بعد ظهور حمّيّات مجهولة أدت إلى مقتل عدد من الأشخاص، في مقابل تقصير حكومي كبير، كما يقول الأهالي.
ومع الانخفاض التدريجي لمعدلات الأمطار وزوال خطر الفيضانات، برزت مخاوف جديدة من الآثار البيئية والصحية. وأعربت وزارة الصحة، في بيان أصدرته خلال الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الماضي، عن قلقها، محذرة من كارثة صحية وتسجيل ارتفاع في نسبة الأمراض المعدية في ظل تلوّث المياه، مثل الملاريا والكوليرا والحمّيّات النزفية.
وتشكو الوزارة عجزاً مالياً يقدّر بـ 54 مليون دولار، ما يجعلها غير قادرة على مواجهة التداعيات الصحية، علماً أن النظام الصحي في البلاد منهك من جراء انتشار الأوبئة منذ العام الماضي، من بينها حمى الوادي المتصدع والكوليرا وأضيف إليها كورونا هذا العام. بالإضافة إلى ما سبق، تخشى الوزارة تقصيراً في توفير الدعم اللوجستي المتمثل بالوقود والمحركات الضرورية لإيصال المعونات، فضلاً عن شحّ التمويل للاستجابة اليومية.
كذلك، تشير الوزارة إلى وجود نقص في العمال لمعالجة التداعيات البيئية منها تلوث المياه، ومكافحة عدوى الأمراض، وزيادة الوعي في المجتمع، إضافة إلى نقص المبيدات، وعدم توافر التمويل اللازم لتغطية كلفة الأدوية والأدوات الطبية التي تقدَّر بنحو 12 مليون دولار.
ولم تمضِ أيام على تحذيرات وزارة الصحة، حتى بدأت المستشفيات في محلية مروي، التي تضررت مثل غيرها من المناطق من جراء الفيضانات، في استقبال عشرات حالات إصابة بحمّيّات عدة، أدت بداية إلى وفاة 8 أشخاص من بين 41 إصابة، بحسب ما ورد في تقرير رسمي لوزارة الصحة شمل الفترة ما بين الأول من سبتمبر حتى العشرين منه. واللافت أنّ الوزارة لم تصدر بعده بياناً يتضمن أرقاماً جديدة، على الرغم من وعودها بالتقصي عن طبيعة هذه الحمّيّات، من خلال إجراء كل الاختبارات المجهرية والتشخيص. ولم تعلن نتائج الفحوصات في وقت تسجَّل فيه حالات إصابة ووفيات.
المياه التي خلفتها الفيضانات سبّبت انتشاراً كبيراً للبعوض والأمراض المعدية
 
ومن بين من أصيبوا بتلك الحميات الحاج عثمان، الذي تعرض لإجهاد وحمى يوم الجمعة الماضية، فذهب إلى أقرب مستتشفى، وفيه صرفت له بعض العلاجات، فعاد إلى منزله إلا أنه بنهاية اليوم تعرض لنزف، فأُعيد مرة أخرى إلى المستشفى قبل أن يتوفى في صبيحة اليوم التالي. ويشير أحد أقاربه لـ"العربي الجديد" إلى أنه حتى ساعة الوفاة لم يعرف بعد مرضه، لكن الجميع يُرجح واحداً من أمراض ما بعد الخريف التي حذرت منها وزارة الصحة.
أما الحاج السر محمد (90 عاماً)، وهو من قرية مساوي، فأصيب بنزف، وسرعان ما نُقل إلى المستشفى. ويوضح حفيده هاني علي الباشا، لـ "العربي الجديد" أنه "بعد نقله إلى المستشفى، لم يُفحص أو يعالج، إلى أن فارق الحياة"، محمّلاً وزارة الصحة المركزية، والتابعة للولاية الشمالية، بعدم الاهتمام والاستعداد لفصل الخريف وما يليه من أمراض، إلا بعد ظهورها.
فيضانات السودان (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
 
ويوضح عبد الحميد كاشف، الناطق الرسمي باسم تنسيقية 6 التطوعية، التي أنشأها أبناء المنطقة في محاولة للمساعدة، أن الوضع الصحي متدهور بصورة مخيفة، والمياه التي خلفتها الفيضانات بعد دمار القرى سبّبت انتشاراً كبيراً للبعوض والأمراض المعدية. ويضيف لـ"العربي الجديد" أنّ المياه تلوثت تماماً، وانتشرت الحمّيّات بشكل كبير، مشيراً إلى أن النزف الذي أصاب بعض السكان أبرز الحاجة إلى أجهزة تساعد في نقل الدم إلى المرضى، علماً أنها غيرمتوافرة في المستشفيات، ما اضطرهم إلى تنظيم حملات للتبرع بالدم في العاصمة الخرطوم، ثم تجهيزها في المعامل ونقلها بعد ذلك إلى هناك، على الرغم مما في ذلك من مخاطر.
ويُشير إلى أن العدد الرسمي للوفيات الذي أعلنته وزارة الصحة المركزية شهد ارتفاعاً خلال الأسابيع الماضية، فضلاً عن ارتفاع أعداد المصابين في المستشفيات. وسط هذا الواقع المتردي، والنقص الحاد في الأدوية المنقذة للحياة، بما في ذلك الأمصال، يشدّد على أهمية تأهيل المستشفيات حتى تتمكن من تقديم الخدمات للمرضى، ولا سيما بعد اتساع رقعة الأمراض في مناطق أخرى، مع زيادة عدد الكوادر الطبية.
وكانت حكومة الولاية الشمالية قد أعلنت حالة الطوارئ الصحية في محلية مروي، بعد ظهور إصابات بحمّيّات في مناطق متفرقة أدت إلى حالات وفاة من دون إضافة أية معلومات.
وتوجّه وزير الصحة المكلّف أسامة أحمد عبد الرحيم إلى الولاية الشمالية، وتعهد خلال الزيارة بدعم الولاية بكل احتياجاتها الطبية التي تساهم في مكافحة مسببات الأمراض وتوفير النواقص في المستشفيات والمراكز الصحية، فضلاً عن توفير أدوية ومعدات الرش، والكوادر الطبية والصحية، وتدريبها، وتطوير مراكز الرعاية الصحية.
تشير الوزارة إلى وجود نقص في العمال لمعالجة التداعيات البيئية 
 
لكن الصحافي محجوب عثمان، وهو أحد أبناء محلية مروي، فيوضح لـ"العربي الجديد" أن تحرك وزارة الصحة جاء متأخراً. كذلك جاءت زيارة الوزير بعد نحو شهر من بدء تدهور الوضع الصحي. ويقول إن الشكوك تحوم حول الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة، مبيّناً أنهم رصدوا نحو 90 حالة وفاة بسبب الحمّيّات، منهم من توفي بعد نقله إلى مستشفيات الخرطوم.
يضيف عثمان أن المرضى ما زالوا في حاجة ماسة إلى تأمين الأدوية ورش المناطق المتأثرة بالفيضانات ودعم المستشفيات وتوفير أجهزة لنقل الدم، مشيداً بالجهود التطوعية خلال الكارثة، وقد جمعت تبرعات تصل إلى 50 مليون جنيه سوداني (نحو 100 ألف دولار بحسب سعر الصرف الرسمي). أما الطيب هيثم محمد السيد، فينتقد بشدة عدم شفافية وزارة الصحة في إدارة ما يحدث في الولاية الشمالية، مشيراً إلى أن الوزارة قبل أكثر من أسبوعين تعهدت بالكشف عن النتائج المخبرية (للحمّيّات)، لكنها تلكأت. يضيف أن بعض أمراض الخريف قابلة للانتشار في أجزاء أخرى من البلاد إذا لم يحصل التدخل كما يجب، بما في ذلك كشف الحقائق وتوعية الأهل على المخاطر وإرشادهم للوقاية ووضع بروتوكولات طبية واضحة لحماية المواطنين والكادر الطبي.
المساهمون