فيروس تنفسي يعطل مدارس في ليبيا

04 يناير 2023
مطالبة تلاميذ المدارس بالالتزام بالكمامات (ندى حارب/Getty)
+ الخط -

قررت عدة بلديات ليبية تعليق الدراسة خشية تفشي الإصابة بالفيروس المخلوي بين أطفال المدارس، وآخرها بلدية بنغازي، والتي أعلنت، الخميس الماضي، "تعليق الدراسة لمدة أسبوعين للطلبة من رياض الأطفال وحتى الصف الخامس الابتدائي"، في ظلّ "ارتفاع عدد المصابين، وشراسة الفيروس، ونشاطه بين الفئة العمرية الأقل من 10 سنوات".
وسبق أن علقت بلديات عدة الدراسة، من بينها بلديات غريان، وسبها، وطبرق، وأجدابيا، والقلعة، خصوصاً في المراحل الابتدائية، في حين اشتكت أغلب مستشفيات البلاد من اكتظاظها بالمصابين.
وتفشى الفيروس في مناطق سبها والكفرة، جنوبي البلاد، قبل نحو أسبوعين، مع عدم قدرة بعض مستشفيات المنطقتين على اكتشافه، واختلاف البعض الآخر في تصنيفه، ففي حين أكد مستشفى سبها أنه التهاب السحايا، قال مستشفى الكفرة إنه مرض مجهول، وسط تجاهل حكومي لانتشار المرض.
ونفى رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض (حكومي)، حيدر السائح، وجود أي مرض مجهول في البلاد، وأكد في تدوينة أن "المرض المنتشر في سبها والكفرة هو الفيروس المخلوي التنفسي"، ما جعل سلطات المنطقتين تتراجع عن تصنيفها للمرض باعتباره مجهولاً، وحذفت كلّ المناشير التي سبق نشرها عبر صفحات المستشفيات الرسمية على موقع "فيسبوك"، ما زاد من حجم الارتباك والمخاوف في أوساط المواطنين.
ولا يزال مسؤولو قطاع الصحة يقللون من خطر انتشار الفيروس ويؤكدون على أنه من الفيروسات المتكرر انتشارها سنوياً في فصل الشتاء. في الوقت نفسه، تأخر المركز الوطني لمكافحة الأمراض عن إصدار تعليمات أو نصائح حول الإجراءات الوقائية، قبل أن يصدر تعميماً حول الأوضاع المتعلقة بالفيروسات التنفسية الشتوية، وما يجب على المؤسسات التعليمية اتخاذه حيالها.
وطالب التعميم بـ"تكثيف جهود التوعية بالإجراءات الوقائية الشخصية، ومنها الالتزام بالكمامات، وغسل اليدين، وتجنب المصافحة، والتوقف عن الالتصاق الوثيق بمن لديهم أعراض أمراض تنفسية أو حرارة مرتفعة"، كما حث المركز الطلاب على عدم تبادل أو استعارة الأدوات المدرسية، ونبه إلى ضرورة بقاء أي طالب تظهر عليه أعراض مرضية في منزله، ودعم الكوادر الصحية المدرسية لتنفيذ أنشطة توعوية في المدارس، وأن يوفر أولياء الأمور الكمامات لأطفالهم.
وخلال الأسبوع الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نشر مركز مكافحة الأمراض توضيحاً أكد فيه أنه يراقب عن كثب الوضع الوبائي لنزلات البرد والحمى الشتوية، مضيفاً أنه أجرى منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اختبارات للحالات المشتبه بها، وبينت النتائج أن مسببات العدوى محددة بثلاثة فيروسات، وهي كوفيد 19، وفيروس الأنفلونزا الموسمية، وفيروس المخلوي التنفسي، وأن الإصابات بالفيروس الأخير تراوح بين 5 و10 في المائة من إجمالي العينات، وكان متوسط الأعمار 16 سنة، فيما كانت نسبة الإصابة بفيروس الأنفلونزا تراوح بين 75 و88 في المائة من إجمالي العينات، ومتوسط الأعمار 18 سنة، والنسبة الأقل للإصابة بفيروس كورونا، وراوحت بين 3 و7  في المائة، ومتوسط الأعمار 43 سنة.

أوضاع مستشفيات ليبيا متدهورة (موكاهيت أوديمير/الأناضول)
أوضاع مستشفيات ليبيا متدهورة (موكاهيت أوديمير/الأناضول)

وتتباين ردات الفعل الشعبية تجاه هذا الوضع، إذ يرى طبيب الأطفال مراد عبد العاطي أن موقف السلطات الصحية يبدو منطلقاً من رؤيتها الخاصة بضرورة تخفيف المخاوف السائدة بين المواطنين، وأن "عدم إعلانها عن الموقف مبكراً لا يعني تجاهلها للوضع".
في المقابل، يستنكر يونس أبو القاسم، من غريان، ما يصفه بـ"الإهمال الحكومي"، قائلا لـ"العربي الجديد": "ماذا يفيد نشر النصائح للاحتراز من الفيروس بعدما تفشى وأصيب به كثير من الناس، ومن بينهم أعداد كبيرة من الأطفال؟ أليس من الضروري تكثيف تصريحات المسؤولين للحديث عن الفيروس لتخفيف وطأة المخاوف بدلا من مواجهته بالسكوت؟ الصمت فاقم مخاوفنا". ويشير أبو القاسم إلى أنّ "تزايد الإصابات تزامن مع بدء طلاب المدارس الابتدائية أداء الامتحانات النصفية للعام الدراسي الحالي، ولا نعرف لمن يتم توجيه هذا التعميم، للمواطن أم للمدارس؟ أغلب من أعرفهم لا يتحدثون عن معاناة أطفالهم من أي أعراض مرضية تنفسية، وما أصيب به الأطفال أصبحنا نسميه (البردة)، لكن بعدما عشنا لفترة وسط شكوك وشائعات تقول إن الفيروس طفرة جديدة من فيروس كورونا".
وواجهت المرافق الصحية في ليبيا أزمة كبيرة من جراء النقص الحاد في إمكانياتها وعدم قدرتها على استقبال أعداد كبيرة من المصابين بالفيروس، كما أن الأرقام التي أعلنتها لا تتوافق مع الإحصاء المنشور من قبل المركز الوطني لمكافحة الأمراض. فوفقاً لتصريحات متداولة للمسؤولة عن قسم الأطفال بمستشفى بنغازي، فإن حالات إيواء الأطفال المصابين بفيروس الالتهاب الرئوي المخلوي خلال الفترة بين الخامس والعاشر من ديسمبر الماضي، بلغت 2026 حالة، وبمتوسط من 800 إلى 1000 حالة يومياً.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويقول نائب مدير مستشفى الأطفال في بنغازي صلاح العمروني: "اضطررنا إلى إيواء عدد كبير من المرضى في ممرات المستشفى، وهذا يشكل خطراً ويهدد بانتقال العدوى. معظم الأطفال كانوا يعانون من أعراض تنفسية مثل الكحه وارتفاع درجة الحرارة، والمستشفى هو الوحيد للأطفال في المدينة، ولم يشهد أي أعمال تطوير منذ نحو عشرين عاماً".
وأعلنت غرفة الطوارئ الصحية في بلدية الكفرة تسجيل 6870 مصاباً بالفيروس المخلوي التنفسي تراوح أعمارهم بين سنة و18 سنة، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ويؤكد العمروني أن الفيروس "معروف وليس جديداً، والأعداد المعلنة تبدو كبيرة، لكن لو رجعنا إلى إحصاءات الأعوام الماضية، لوجدناها قريبة من الأعداد الجديدة، ونسبة المصابين من تعداد السكان تبين أن الوضع الوبائي ليس خطيراً، لكن الشائعات زادت مخاوف الناس من خطر الفيروس، وجعلتهم يقبلون على مراجعة المستشفيات رغم حاجة غالبية الحالات إلى العلاج المنزلي، وكونها لا تستدعي التدخل الطبي".

المساهمون