فوضى التعليم العالي في الشمال السوري

16 مارس 2023
خارج جامعة حلب (بكر القاسم/ فرانس برس)
+ الخط -

لم تنجُ مؤسسات التعليم العالي من التدمير والأضرار التي أصابت تركيا والشمال السوري عموماً، مع فارق جوهري مع تركيا يتمثل بوجود سلطة مركزية قادرة على التخطيط لإعادة البناء، أو ترميم ما يمكن ترميمه، بينما نجد في الشمال السوري البعيد تعددية سلطات تحول دون القيام بمهمة لا تستطيعها سوى دولة فعلية مع كل مؤسساتها وأجهزتها وهياكلها.
وحتى تاريخه، يصعب العثور على مصدر موثوق يقدر طبيعة الأضرار التي لحقت بهذه المؤسسات، سواء أكانت في العاصمة الثانية حلب، أو في باقي المحافظات. مع ذلك، يمكن الجزم بأن دمار البناء العمراني وتزعزعه يستكمل ما سبقه من تطورات جعلت من المنطقة بمثابة ساحة فوضى أكاديمية كاملة. وهو أمر سببه الموزاييك السياسي المتنافر، وسعي كل فريق إلى حجز حصة له في مؤسسات التعليم العالي مع زيادة الطلب من جرّاء النزوح إلى المنطقة من باقي المناطق. وضعٌ جرت محاولة علاجه عبر إنشاء مجلس للتعليم العالي يشرف على التراخيص التي خضعت بدورها للهيمنة السياسية عبر جناحها الأكاديمي. 
لكن صورة الوضع تشي بأن ما تحقق ليس سوى وضع قبعة أكاديمية على هيكل من المتناقضات التي من شأنها أن تقود إلى تعليم عال فاقد للنوعية والجودة المطلوبة. ومع تفرد هيئة تحرير الشام بالسيطرة على محافظة إدلب، تأسس المجلس الذي يفرض مجموعة من الشروط والمعايير على الجامعات الخاصة العاملة في الشمال السوري لضمها إليه، وأعطى فترة سماح مدتها ستة أشهر لتسوية أوضاعها. وفي حال لم تتمكن من تنفيذ الشروط تقفل. 
وتُعتبر جامعة حلب في المناطق المحررة، ومقرّها في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، واحدة من أكبر الجامعات السورية، وفيها الكثير من الأقسام والمعاهد والكليات: الطب البشري، وطب الأسنان، والصيدلة، والعلوم الصحية والهندسة والعلوم، والآداب والعلوم الإنسانية، والتربية، والاقتصاد، والحقوق، والعلوم السياسية، والإعلام، وكلية الشريعة. وهناك المعهد التقاني الطبي، والمعهد التقاني للحاسوب، والمعهد التقاني لإدارة الأعمال، والمعهد التقاني للإعلام.

على أي حال، يفوق عدد الجامعات غير المرخصة تلك التي حصلت على ترخيص أو تمديد للترخيص من مجلس التعليم العالي. والجامعات غير المرخصة هي جامعة الإنقاذ الدولية، وجامعة الريان العالمية، وجامعة آرام للعلوم، والجامعة السورية الطبية، وجامعة شمس القلوب، وكلية الإمام الشاطبي، وجامعة مينيسوتا الإسلامية، وكلية الدراسات والعلوم التطبيقية، والجامعة السورية في الدير الشرقي، وجامعة سمعان في دارة عزة، وجامعة أهل الصفة.
أما الجامعات المرخصة، فهي جامعة أوكسفورد سورية، وجامعة روما، وجامعة ماري في سراقب، والجامعة العثمانية، وجامعة الزهراء، وجامعة الحياة، وجامعة العلوم الصحية، وأكاديمية الطاقة البديلة في منطقة دير حسان، وغيرها.
وكانت تركيا قد افتتحت جامعة العلوم الصحية في مدينة الراعي بريف حلب الشمالي عام 2021، بعد إصدار قرار رئاسي حمل توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يهدف إلى افتتاح كلية طب ومعهد عالٍ للعلوم الصحية في هذه المدينة السورية.
وتعدّ الجامعة فرعاً رئيسياً لجامعة العلوم الصحية التركية (Sağlık bilimleri) الواقعة في ولاية إسطنبول، وتدرّس مناهجها باللغة التركية بعد عام تمهيدي لتدريس اللغة. وفي مدينة الباب جامعة حران، وهي جامعة تركية أيضاً تُدار بإشراف وزارة التربية التركية. ويوجد في مدينة أعزاز جامعة المعالي الخاصة وجامعة النهضة الخاصة، وهما جامعتان سوريتان مرخصتان من المجلس في الحكومة السورية المؤقتة.
وتشترك جامعات المحافظات كافة في كون الشهادات التي تمنحها غير معترف بها، وتسمح لحاملها بإيجاد وظيفة في نطاق المنطقة فقط. باختصار، أضاف الزلزال بُعداً مؤلماً للمأزق الذي يعانيه التعليم العالي في سورية عموماً، وفي شماله خصوصاً.
(باحث وأكاديمي)

المساهمون