فلورنتينو وفرمينا

31 يناير 2021
الحياة خلال جائحة كورونا (ارتور ويداك/ GETTY)
+ الخط -

عَلِقَت في ذاكراتنا قصة الحب التي جمعت فلورنتينو وفرمينا في رواية "الحب في زمن الكوليرا" للروائي الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز، ذلك لأن العلاقة العاطفية التي جمعت بطلي الرواية كانت أقوى من كل المأساة التي شهدتها هذه الحقبة، أو لأنّ هذا ما نريده في حياتنا. بقي الكوليرا جزءاً من الذاكرة البعيدة، حتى لنظنّ أن ما شهده العالم في ذلك الوقت هو جزء من مخيلة الكاتب. وبقي الحب.
ندرك أن الكوليرا الذي ظهر خلال القرن التاسع عشر في جميع أنحاء العالم انطلاقاً من دلتا نهر الغانج في الهند، كان قد حصد أرواح ملايين البشر عبر القارات كلها. لكننا أبقيناه في التاريخ. واليوم، ورغم توفر لقاح، تشير تقديرات الباحثين إلى أن عدد الإصابات يتراوح ما بين 1.3 و4 ملايين إصابة سنوياً، فيما يتراوح عدد الوفيات ما بين 21 ألفا و143 ألف وفاة.
وبالنظر إلى الأرقام، يبدو جيل كورونا أوفر حظاً من جيل الكوليرا، إذ أن عدد الوفيات لم يتجاوز المليونين، وقد توصّل العالم إلى لقاح خلال عام واحد. وهذا لا يعني أي استخفاف بعدد الضحايا، وإن كان البعض قد يعترض على هذه المقارنة، لأنه يفترض للتطور العلمي في القرن الواحد العشرين أن يوفّر لنا حصانة أكبر.

موقف
التحديثات الحية


لكن السؤال ليس عن الجيل الأوفر حظاً، بل القدرة على متابعة الحياة، أو استرجاعها ما بعد الوباء. تحوّلنا، شئنا أم أبينا، إلى مخلوقات معزولة تسعى إلى الاحتيال على العزلة في مساحات ضيقة. ووجد الفيروس الجديد لنفسه حيزاً في أدمغتنا ولم يعد يفارقنا أبداً. وحتى في اللحظات التي نبتعد فيها عن اليوميات التي فرضها علينا، نراه حاضراً. نحن الجيل الذي توقعنا أن الأوبئة لا تظهر إلا في التاريخ، نعيش واقعاً غريباً. الحياة خارج أبوابنا ونوافذنا إلا أنها محظورة علينا، بعدما قرّر الوباء احتلال الكوكب. لم يترك أمامنا أي خيار، وإن كان البعض قد قرّر تحديه غير آبه بالمخاطر.
نسأل عن حياتنا التي كانت وقد نسينا بعضاً من تفاصيلها. في بعض اللحظات أو الأيام، نعود إليها انتقاماً مما جعلنا نعيشه، وليس بالضرورة استعادة لحياتنا. نسينا أين كنا، وقد توقف الزمن عاماً كاملاً. نشتري الثياب لنثبت لأنفسنا أن دورة الحياة التي اعتدناها تستمر، ثم نفتح خزائننا لنرى فيها الكثير.
هذا ما فعله وباؤنا، في وقت فعل الكوليرا ما هو أكثر فظاعة. لكننا نسينا كل شيء وتذكرنا ذلك الحب، ذلك الذي نريد أن نهرب إليه في زمن كورونا. ثم نقول: "لقد عاشا معاً ما يكفي ليعرفا أن الحب هو أن نحب في أي وقت وفي أي مكان، وأن الحب يكون أكثر زخماً كلما كان أقرب إلى الموت".

المساهمون