فلنعِدْ تعريف بيروت

24 سبتمبر 2020
آثار الدمار بعد انفجار المرفأ (سام تارلينغ/ Getty)
+ الخط -

لا نعرف ما إذا كان يتوجب علينا أن نقول شيئاً بعد مرور أكثر من شهر ونصف على الانفجار في مرفأ بيروت. ربّما ثمّة وجهان في داخلنا: أوّل على يقين من المحاسبة والتغيير بعد مجزرة يتحمّل مسؤوليتها الطاقم السياسي في لبنان - وهنا لا يحتاج اللبنانيون أي اثباتات، وثانٍ يُدرك أن التغيير، أي تغيير في لبنان، لعبة حظّ خاسرة، كأولئك الذين يراهنون على أن تبتسم لهم أوراق الحظّ يوماً ما.
لم ينجح اللبنانيون في مراكمة الرغبة في التغيير. وبدلاً من ذلك، وجدوا أنفسهم يزيلون ركاماً هبط فوق رؤوسهم خلال ثوانٍ فقط. 
ما حملناه من ركام خلق فجوةً بيننا وبين المدينة. كأنّنا في حاجة إلى صياغة تعريف جديد. هل من تاريخ أو رقم لهذه المدينة؟ أو إرث؟ ورثت المدينة مآسي وجثثاً تفيض على السطح بين الحين والآخر، حتى باتت الأزمات السياسية أشبه بكوارث طبيعية. كما نقول إن المدينة تقع على خط زلازل، وما يلي ذلك من أمور لا يمكن التحكّم بها. وتكاد هذه الفكرة تصير جزءا من قناعة نرفض الاعتراف بها، قبل أن نغوص في صراع البقاء والأمل والرغبة في التغيير والثقة بالشباب والإيمان بقدراتهم. 
من هي بيروت؟ تذكارات يأخذها السياح إلى بلدانهم ترافق ما رأوه وتذوقوه في مدينة متوسطية مشمسة، تعلّق على الجدران أو تحفظ في أدراج أو ترمى. اليوم، لا يحتاج أحد إلى أخذ صورٍ أو تحف أو ما شابه بعدما طُعنت المدينة أكثر من مرة. 

موقف
التحديثات الحية

حتّى نحن، الذين كنّا نتحدث عن مدينتنا برفاهية، وكأنها تتفوّق علينا، بتنا نخافها. ماذا تخبئ لنا في باطنها بعد؟ لا نلومها بقدر ما نعتقد أنها باتت ضعيفة إلى درجة تسمح لأيّ كان بالعبث فيها. نخشى ذلك التواطؤ حتى لو كنا على يقين بأنها بريئة. سنخبر أطفالنا أن المدن تموت أيضاً، مهما رممت. هيكلها ما زال صامداً على الأرض بعدما صعدت روحها إلى السماء.
بيروت لم تكن يوماً كائناً واحداً، ولم تحمل روحاً واحدة. صور أحيائها وبيوتها القديمة وحاناتها وأكلاتها هي النسخة "الأدبية" عن المدينة التي باتت تعيش بين الجثث والأرواح التعبة وتُصدّر كل هذا الحزن والقلق إلى الخارج.
لا ورقة نعوة توثّق أصل هذه المدينة. كأنّها وجدت بالصدفة واختفت بالصدفة، وظلمت كثيرين معها. ولا خيار بالنسبة للبعض غير العيش مع جسم لم يعد قادراً على التقاط أنفاسه، ينتظر إعلان الموت. 
ربّما نخشى أن تتحوّل بيروت إلى شبحٍ في المستقبل، يطاردنا أينما كنّا. يوماً ما، حلمنا كثيراً قبل أن نكتشف أننا خدعنا. لكنه الأمل... أمل البقاء في المدينة التي تغيرت كثيراً.
  

المساهمون