فلسطينيو سورية... واقع مجتمع اللجوء بعد سقوط نظام الأسد

31 ديسمبر 2024
دمار وفقر في مخيم اليرموك، 14 ديسمبر 2024 (آريس ميسينيس/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني اللاجئون الفلسطينيون في سوريا من أزمات معيشية خانقة، حيث تدهورت أوضاعهم بعد عام 2011 بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية، مما أدى إلى تراجع فرص العمل والتعليم وهجرة النخب، مؤثراً سلباً على المجتمع الفلسطيني.

- تراجعت أعداد اللاجئين إلى حوالي 320 ألفاً، مع تزايد التهميش والفقر، وتعرض مخيمات مثل اليرموك لتدمير ممنهج، مما أدى إلى تشرد السكان وزيادة الهجرة، حيث غادر نحو 250 ألف لاجئ سوريا.

- تفاقمت الأوضاع بسبب التسريح التعسفي وتفشي التسرب من التعليم، رغم جهود "أونروا" في افتتاح مدارس بديلة. تعيق الأوضاع الكارثية عودة النازحين، وتقدر كلفة إعادة إعمار مخيم اليرموك بنحو 250 مليون دولار.

يعاني غالبية اللاجئين الفلسطينيين في سورية من أزمات معيشية خانقة، وفق معطيات جهات مختلفة، مثل وكالة "أونروا"، والهيئة العامة للاجئين في سورية، ومنظمة التحرير الفلسطينية.

يعيش اللاجئون الفلسطينيون في سورية داخل عدد من المخيمات، وهي اليرموك، والسبينة، وخان الشيح، وجرمانا، وقبر الست، والحسينية قرب دمشق، والنيرب وحندرات قرب حلب، ومخيم العائدين في مدينة حماة، ومخيم الرمل في اللاذقية، ومخيم درعا في الجنوب السوري.
كما يعيش فلسطينيون في بعض التجمعات السكنية خارج مخيمات دمشق وريفها، مثل مناطق ركن الدين، ودمر، والمزة، وبرزة، والقابون، وقدسيا وضاحيتها، وصحنايا وغيرها، وفي عدة مناطق بالغوطة، خاصة دوما، وفي نحو 12 قرية وبلدة في محافظة درعا.
وتعرض المجتمع الفلسطيني في سورية بعد عام 2011، للعديد من الأزمات التي باتت تشكل مصاعب كبيرة في ظل تراجع مختلف الظروف الإيجابية التي رافقت حياتهم وأوضاعهم خلال العقود الماضية من اللجوء.
في بداية محنة اللجوء إلى سورية، كانت أعداد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين نحو 540 ألفاً ممن تنطبق عليهم قوانين "المساواة مع المواطن السوري" وفق المرسوم 260 الصادر بتاريخ 12 يوليو/ تموز 1956، يضاف إليهم عشرات الآلاف من الفلسطينيين الآخرين الذين لا يحملون وثائق سورية، والمسجلين أصلاً في الأردن أو في قطاع غزة، أو الضفة الغربية، والذين وصلوا إلى سورية في أوقات مختلفة، خاصة في عام 1970، بعد الصدامات بين الفصائل الفلسطينية والجيش الأردني، وهؤلاء لم يحظوا بالحقوق ذاتها التي تمتع بها الفلسطينيين اللاجئون منذ عام 1948.

تجاهل "مرسوم المساواة في الحقوق"

ولا تتجاوز الأعداد الفعلية للاجئين الفلسطينيين في سورية حالياً، ورغم احتساب الولادات الجديدة، 320 ألفاً، وفق كشوف المساعدات التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأممية (أونروا).
والواقع أن "مرسوم المساواة في الحقوق" كانت تتجاوزه مؤسسات النظام السوري السابق في كثير من الأحيان، خاصة في عهد بشار الأسد، من خلال تعليمات شفهية من دون إعلان، كان آخرها حرمان فلسطينيي سورية من حق التملك.
في مقدمة الأزمات تبرز ظاهرة التهميش بكل مستوياتها وأبعادها، وتراجع الفرص بما فيها فرص العمل، خصوصاً العمل المهني العالي، في مقابل تزايد أعداد حاملي شهادات التعليم العالي الذين اضطر معظمهم إلى هجرة سورية، وهو ما كانت له عواقب وخيمة على بنية مجتمع اللجوء الفلسطيني، إضافة إلى تفاقم ظاهرة غياب النُخب بسبب الهجرة القسرية لعددٍ كبير منهم، وعدم مساهمة من تبقى منهم في العمل المجتمعي العام، وقد تعزز هذا مع تقلص أدوار مختلف القوى والمؤسسات الفلسطينية على الأراضي السورية لأسباب مختلفة.
يقول الكاتب الفلسطيني نبيل السهلي، والذي كان يقيم في مخيم اليرموك، لـ"العربي الجديد": "غادر أغلب المثقفين والشريحة المتعلمة من الفلسطينيين سورية، باستثناء كبار السن، الذين تخف فاعليتهم بطبيعة الحال مع التقدم في العمر، ما أفقد الوجود الفلسطيني في سورية رافعة أساسية، وقلص حراك المجتمع الفلسطيني وقدرته على التعبير عن نفسه، لأن من بقي من المثقفين وقادة الرأي قلة يفتقدون التواصل في ما بينهم ومع بقية المجتمع الفلسطيني أو الأطراف المعنية بالوضع الفلسطيني في سورية وخارجها".

يلعبون بين أنقاض مخيم اليرموك. 23 ديسمبر 2024 (كريس مكجارث/Getty)
يلعبون بين الأنقاض، 23 ديسمبر 2024 (كريس مكجارث/Getty)

من بين الظواهر البارزة أيضاً تراجع مستويات الحياة، وفي تجمع سكاني مثل مخيم اليرموك الذي يتميّز بكونه مُجتمعاً فتياً، ترتفع فيه نسبة من هم دون السادسة عشرة إلى نحو 65%، فقد تعرض المخيم لتدمير ممنهج أعقب سنوات من الحصار من قبل النظام السابق وبعض حلفائه، ما دفع سكانه إلى التشرد داخل سورية وخارجها، ليتراجع عدد الفلسطينيين في المخيم الذي كان يعتبر أكبر تجمع للفلسطينيين خارج أرض فلسطين التاريخية من 165 ألفاً قبل عام 2011، إلى بضعة آلاف، في حين تقدر أعداد من عادوا إلى المخيم بنحو 1200 عائلة متوسط عدد أفرادها أربعة أشخاص للعائلة الواحدة، وفق تقديرات وكالة "أونروا".
ويضاف إلى ذلك، بروز ظاهرة التمزُّق الاجتماعي الناتج عن حالة التهميش المتزايدة، وتزايد الفقر والعوز، مع تشتت الناس، وبحثهم عن الخلاص الفردي والأسري عبر بوابات الهجرة في ظل قلة الخيارات. إذ تزايدت موجات الهجرة في فترات معينة، حتى بات نحو نصف عدد لاجئي فلسطين في سورية مغتربون في غربي أوروبا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، وتشير المعطيات إلى أن نحو 250 ألف لاجئ فلسطيني غادروا سورية خلال السنوات الماضية.
تقول الحاجة أم محمود اليافاوي، والتي تقيم في مدينة قدسيا بريف دمشق منذ غادرت مخيم خان الشيح قبل عشر سنوات، إن أولادها مشتتون بين سبع دول، ما بين أوروبا والأردن والخليج العربي، معربة عن أملها في أن تتمكن من الاجتماع بهم قبل وفاتها.
تضيف السيدة السبعينية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها بالكاد تتمكن مع ابنتها المطلقة وأولادها من تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة منذ اضطرت لمغادرة المخيم نتيجة المعارك بين المعارضة وقوات النظام، وأنها تعيش مع ابنتها وأحفادها على ما يرسله أولادها من تحويلات بين الفينة والأخرى.

ينظفن أحد شوارع مخيم اليرموك. 20 ديسمبر 2024 (أناجا سوباش/،الأناضول)
ينظفن أحد شوارع مخيم اليرموك، 20 ديسمبر 2024 (أناجا سوباش/،الأناضول)

ثمة مسألة أخرى فاقمت الأوضاع السيئة، وهي أن معظم الفصائل الفلسطينية في سورية عمدت إلى التسريح التعسفي لأعداد كبيرة من العاملين في القطاع العسكري من اللاجئين، بسبب تراجع المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي، وتغير الظروف الإقليمية، ما ترك هؤلاء بلا عمل، ومن دون ضمانات اجتماعية أو اقتصادية.
يضاف إلى ذلك تفشي ظاهرة التسرب من التعليم، بما في ذلك المرحلة الابتدائية، رغم أنه كانت الأُميّة شبه معدومة في المجتمع الفلسطيني في سورية، وزادت تلك الظاهرة بعد الشتات الجديد، وذلك رغم قيام وكالة "أونروا" بافتتاح عشرات المدارس البديلة للاجئين الفلسطينيين الذين اضطروا إلى الخروج من المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية التي طاولتها المواجهات. على سبيل المثال هناك 34 مدرسة للوكالة بنظام الدوامين طاولها الدمار، معظمها في مخيم اليرموك. بينما افتتحت الوكالة مدرستين في المخيم لاستيعاب التلاميذ في العام الدراسي الحالي.
ورغم سقوط نظام الأسد الذي كان يصطنع الكثير من العراقيل أمام عودة الفلسطينيين إلى مخيماتهم، وإلى العديد من المناطق السورية الأخرى في إطار مساعيه للتغيير الديمغرافي، فلا تزال الأوضاع كارثية في هذه المخيمات والمناطق، وهي تحول دون عودة النازحين منها.
رغم ذلك، قرر كثيرون العودة وترميم ما يمكنهم ترميمه، وأوكل بعض من يقيمون في الخارج إلى أحد أقاربهم تفقد بيته، ومحاولة ترميمه، أو على الأقل وضع باب خارجي للحد من عمليات السرقة.

وتقدر بلدية اليرموك كلفة إعادة إعمار المخيم بنحو 250 مليون دولار، مشيرة إلى أن نسبة الدمار بين كلي وجزئي تصل إلى 80% من منازل ومرافق المخيم الذي كان يقطنه قبل عام 2011، نحو 650 ألف شخص، من بينهم 165 ألف لاجئ فلسطيني. ويقول المهندس أحمد الباشا، من بلدية اليرموك، إن "معدل كلفة ترميم المنزل الواحد تقدر بنصف مليار ليرة سورية (3000 دولار)، وهذه الأموال غير متاحة لمعظم اللاجئين الذين استنزفت مواردهم خلال السنوات الماضية نتيجة توقف أعمالهم، واضطرارهم لاستئجار منازل".
بدوره، يؤكد أبو نضال مشهراوي الذي عاد إلى مخيم اليرموك أخيراً، أنه تجري بين الفينة والأخرى عمليات تنظيف ورفع للأنقاض بمبادرات محلية، أو من جانب بعض الفصائل الفلسطينية، لكن الإمكانات ضعيفة، ولا يوجد تعاون يذكر من محافظة دمشق التي يتبع لها المخيم. يضيف، في حديث لـ"العربي الجديد": "تقدم وجبات غذائية للعائلات المحتاجة يومياً في فترة الغداء في مخيم اليرموك ومخيم درعا ومخيم حندرات في حلب، إضافة إلى وجود مستوصف مجاني يتبع أحد الفصائل الفلسطينية في اليرموك يقدم خدمات الصحة العامة. بعض الفصائل تقدم أيضاً مبالغ صغيرة بين الحين والآخر لبعض العائلات المحتاجة، بواقع 300 ألف ليرة سورية (نحو 20 دولارا) للعائلة، فضلا عن المساعدات المالية المحدودة أيضاً التي تقدمها وكالة أونروا كل ثلاثة أشهر".
يقيم اللاجئ أبو علي عماير حالياً في منطقة المعضمية بريف دمشق، وهو يؤكد أن "الكثير من العائلات فضلت التريث في العودة على أمل تحسن الأوضاع خلال الفترة المقبلة، فالأوضاع المادية للناس في الحضيض، ومساعدات أونروا لا تكفيهم".

المساهمون