عمران ورغد فلسطينيان تركا القاعات الفارهة، واختارا أن يعقدا قرانهما، اليوم الخميس، على التلة المقابلة لـ"جبل صبيح" في بلدة بيتا جنوب مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، في رسالة دعم وتأييد للمقاومة الشعبية التي يقودها الأهالي هناك منذ أكثر من مائة يوم، رفضاً لإقامة بؤرة استيطانية على قمة الجبل.
وبدلاً من أن تزيّن الورود المكان، كان العلم الفلسطيني وصور الشهداء حاضرة، وسط مباركة من "حراس الجبل"، وثوار بيتا، وفصائلها السياسية، الذين كانوا شهوداً على ارتباط الشاب عمران الشوبكي (23 عاماً) بالشابة رغد شطاوي (18 عاماً) اللذين ارتديا الزي الفلسطيني القديم، في إشارة إلى تمسّكهما بثقافتهما والعادات والتقاليد الفلسطينية.
أراد الشوبكي، من خلال اختياره لجبل صبيح كمكان لعقد قرانه، أن يشاركه أهالي بيتا فرحته، وهو يقول لـ"العربي الجديد": "أصبحت بيتا ونضالها ومقاومتها أيقونة لفلسطين وليس لمحافظة نابلس وحدها، وجزءاً من ثقافتنا كفلسطينيين ورمزاً للمقاومة نفخر به، كما أنّ اسم (جبل صبيح) بات يقترن بمواقع أخرى مثل حي الشيخ جراح وسلوان بمدينة القدس، وغيرها من المواقع التي أعادت لنا أمجادنا، وأكّدت أنّ الشعب الفلسطيني حي ولا يقبل الذلّ والاستسلام".
ورغم انشغالهما بالترتيبات خلال الأسابيع الأخيرة، إلاّ أنّ عمران وخطيبته رغد، وهما من مخيم عسكر القديم في مدينة نابلس، كانا يتابعان أحداث جبل صبيح وبلدة بيتا أولاً بأول، حيث يقول عمران: "عندما شاهد أحد أقاربي مدى تعلقنا بأحداث الجبل، اقترح علينا أن نعقد قراننا هناك، فوافقنا فوراً".
أما رغد شطاوي، فقد عبّرت عن فخرها بأن يُعقد قرانها في "جبل صبيح"، وتقول لـ"العربي الجديد": "هذا مكان يعبق بدماء الشهداء الذين ارتقوا وهم يدافعون عنه، كما أنه شهد مواجهات عنيفة سجّل فيها (حراس الجبل) تفوقهم على العدو، أريد أن يفخر أبنائي عندما يعلمون أنّ ارتباطي بوالدهم كان على قمة هذا الجبل".
ولم تتردّد رغد للحظة، بقبول مقترح أن يكون "عقد القِران" في منطقة تشهد مواجهات دائمة مع الاحتلال، رغم أنّ بعض أقاربها كانوا متخوّفين من تنغيص جنود الاحتلال الذين يتواجدون دوماً بالقرب من الجبل، عليهم فرحتهم.
المأذون الشرعي، ثائر أبو خرمة، أشار في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّها المرة الأولى التي يعقد فيها قراناً في مكان وصفه بأنه "غير اعتيادي". وقال: "نعقد عادة في القاعات أو في البيوت، لكن لم يسبق أن قمنا بعملنا في مكان يقاوم فيه الأهالي ضد المحتلّ ومستوطنيه، لذلك فهذا العقد مميز، وليس كباقي عقود الزواج، بل في المكان الذي تصعد فيه أرواح الشهداء الطاهرة إلى السماء، وتنزف أجساد الجرحى".
وأكّد أبو خرمة أنّه "عقد القران" من أجل أن "يعلم العدو بأن الفلسطينيين يحبون الحياة، لكن ليس أي حياة، بل الحياة الكريمة، لذا نحن نزف العرسان من هذا الجبل، كما نزف منه الشهداء، وهذه رمزية عظيمة، تؤكد أحقيتنا في هذه الأرض، وأنّ الجبل هو جزء من فلسطين التي هي ملك لكل الفلسطينيين، ولا مكان للاحتلال فيها".
ولا تنفك قوات الاحتلال عن استهداف جبل صبيح، حيث كانت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، شرعت صباح اليوم الخميس، بأعمال تجريف قرب الجبل، وتحديداً على تلة "كرم النمر" المقابلة له، كما أغلقت طرقاً زراعية تؤدي إلى الجبل بمكعبات إسمنتية.
في المقابل، فإنّ أهالي بيتا يواصلون تصديهم لإقامة البؤرة الاستيطانية بكافة الطرق والوسائل وما يتخللها من فعاليات تؤكّد أحقيتهم بالجبل، وفعاليات أخرى تعزّز صمودهم في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه. وأحيت "بيتا" الأسبوع الماضي، مئوية الفعاليات الشعبية المناهضة لإقامة البؤرة الاستيطانية، التي تشمل سلسلة من الأعمال المقاومة تحت مسمى "الإرباك الليلي".
ومنذ انطلاق فعاليات المقاومة الشعبية ضد البؤرة الاستيطانية المقامة على قمة جبل صبيح التي أطلق عليها الاحتلال اسم "إفيتار" وحتى الآن، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي سبعة شبان، ستة منهم من أبناء بلدة بيتا، إضافة لأكثر من 700 جريح وبعضهم فقد أحد أطرافه، وكذلك شنّ الاحتلال حملة اعتقالات في صفوف الناشطين طاولت خمسة وأربعين فلسطينياً.