الفقر واضح في شوارع سورية (دليل سليمان/ فرانس برس)
26 مايو 2024
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الفقر في سوريا بلغ مستويات مروعة، حيث يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر وأكثر من 16 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مع تأثير شديد على الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.
- تغيرت عادات الأكل بشكل جذري بسبب الفقر، حيث اضطر السكان لاستبدال الأطعمة التقليدية بأخرى بسيطة واللجوء إلى شراء مخلفات الطعام وإعادة استخدام أوراق الشاي، مما يعكس اليأس والنضال من أجل البقاء.
- الوضع في الأرياف يزداد سوءًا بسبب نقص فرص العمل والإنتاج، مع اعتماد العائلات على الأعشاب البرية والحبوب البسيطة كمصادر غذائية، وصعوبات جمة تواجه المرضى الفقراء في الحصول على العلاج، مما يسلط الضوء على الحاجة الماسة لتدخل أكبر لمساعدة السوريين.

أوصل الفقر السوريين إلى مراحل صعبة لا يمكن أن توضح أرقامها الحقيقية التقارير التي تصدرها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وتشير تقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن 90 في المائة من السوريين تحت خط الفقر، بينما تؤكد تقارير الأمم المتحدة أن أكثر من 16 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فيما يعاني أكثر من 650 ألف طفل من سوء التغذية.
في العاصمة دمشق، أصبح منظر الفتيان الذين يعيشون في الشوارع مألوفاً. يقول عبد الباري خضر لـ"العربي الجديد": "يحتمي هؤلاء الفتيان ببطانيات ممزقة من برد الصباح. أخرج من المنزل إلى عملي في الصباح، وأشاهد مثل الجميع الفقر والجوع بوضوح. أناس يرتدون ثياباً رثة مهترئة للغاية، ووجوه شاحبة. يمكن لأي شخص أن يميّز من يعانون من سوء التغذية. كان الناس يشترون مخلفات الدجاج، مثل الأرجل والرقاب والرؤوس، للحيوانات، أما اليوم فأصبحوا يستهلكونها بسبب عدم القدرة على شراء اللحم". 
يتابع: "تقصد عائلات كثيرة محلات الخضار والفواكه لشراء أنواع يريد الباعة أن يتخلصوا منها. أنا لا أقارن نفسي بغيري. قد تكون حالي أفضل، أعيش مع عائلتي المؤلفة من أربعة أفراد على وجبتين في اليوم. يساعدني أحد أفراد عائلتي في الخارج، وأستطيع تأمين الحدّ الأدنى من الطعام للعيش من معكرونة وأرز وبرغل للوجبات الأساسية طوال الأسبوع. وبسبب الفقر بات من الشائع تجفيف أوراق الشاي واستخدامها من جديد. كان الله في عوننا، ونسأل إلى أي حدّ ستسوء الأحوال".

أصبح منظر الفتيان الذين يعيشون في الشوارع مألوفاً في دمشق

واستبدل معظم السوريين في مناطق النظام أكلاتهم المعروفة التي أخذت شهرة عالمية بأخرى بسيطة تعتمد على الحبوب والخضار الموسمية بشكل أساسي، فيما استغنت الشريحة الكبرى عن أنواع اللحوم التي بات الحصول عليها حلماً لكثير من الأسر.
تقول شهدة عزيز المتحدرة من مدينة جرمانا في ريف دمشق لـ"العربي الجديد": "لم أتوقع أن أطعم عائلتي يوماً أرجل الدجاج بالكزبرة والثوم مع الأرز، علماً أنني أصاب بآلام في المعدة حين أطهو هذا الطبق لهم. تغيّر كل شيء في هذا البلد، فنحن نُبدع حالياً في إعداد وتنويع الأكلات البسيطة، ونبدع في الكذب على أطفالنا بإخبارهم عن فوائدها. بتنا نتسابق على شراء عظم الخروف أو العجل وحجزه عند الجزار كي نطبخه مع القمح. نحن عاجزون عن شراء اللحوم، والأطفال يرونها معلقة في المحلات، ويشتمّون الرائحة فقط". تضيف: "إذا أردت أن ترى الأطفال الفقراء، يجب أن تراقبهم يحملون أوعية البلاستك أمام كل دار عزاء في جرمانا، إذ قد يكون لهم نصيب في الحصول على طعام يحضّره أحد أقرباء عائلة الميت".

يجمع القمامة للعيش في حلب (توناهان تورهان/ Getty)
يجمع القمامة للعيش في حلب (توناهان تورهان/Getty)

ويزيد الفقر المدقع في الأرياف نتيجة نقص فرص العمل والإنتاج. تقول فاطمة العيسمي من أهالي درعا لـ"العربي الجديد": "باتت عائلات كثيرة تنتظر موسم الربيع الذي تطلق عليه اسم موسم الحشائش بسبب ما تثمره الأرض من أعشاب قابلة للطبخ يمكن الحصول عليها من دون مقابل أو بأسعار مناسبة، إذ أصبحت ربة المنزل تطعم العائلة بما هو أرخص. ما إن ينتهي موسم الحشائش حتى يبدأ موسم الفول والبازلاء اللذين لم تبقَ أي طريقة لطهيهما إلا الشوي. أصبحت الأطباق الرئيسية في مطبخنا تضم البرغل والعدس والأرز إلى جانب أنواع من الخضار الرخيصة. حتى البندورة التي كانت ترافق كثيراً من المأكولات أصبح حضورها عبئاً كبيراً على المائدة".
بدوره، يقول المتخصص الاجتماعي ساري الحمد لـ"العربي الجديد": "بات واضحاً عمل الأطفال في الورش والمناطق الصناعية، وتركهم المدارس، وأيضاً انتشار النباشين في مجمعات القمامة. ويطرق عدد كبير من المحتاجين الأبواب بحثاً عن طعام. ويطلق ناشطون في العمل الإنساني نداءات استغاثة يومياً، ويتحدثون عن عائلات كانت متوسطة الحال في الماضي، ووقعت في المحظور".

يزيد الفقر المدقع في الأرياف نتيجة نقص فرص العمل والإنتاج

ويخبر عيسى العليوي الذي يتحدر من ريف حمص "العربي الجديد" أنه لم يشتر أي ملابس جديدة منذ أكثر من خمسة أعوام، ويرتدي في الشتاء معطفاً جلدياً يملكه منذ أكثر من عشرة أعوام. ويقول لـ"العربي الجديد": "أشتري في أحسن الأحوال ملابس من البالة (المستعمَل) لي ولأولادي. قد يتطلب أن أعمل عاماً كاملاً لشراء معطف أو ملابس جديدة. توفير الطعام هو الأزمة حالياً، وأي شيء يكون في المتناول يصبح وجبة رئيسة. نأكل البطاطا والكوسا في موسمهما. نعيش في الوقت الحالي على الزيت والزعتر، وأنا لا أملك أرضاً في الريف كي أزرعها وأعيش فيها".
إلى ذلك، وصل بعض المرضى الفقراء في محافظة السويداء إلى طرق مسدودة في البحث عن علاج لأمراضهم المستعصية والمزمنة، بعدما تركتهم حكومة النظام بالكامل، وتخلّت عن دعم القطاع الصحي، وتركت الأمر للمغتربين والمجتمع المحلي. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ووقع المرضى الفقراء المصابون بالسرطان في مشكلة كبيرة تتمثل بتأمين الجرعات والمتممات التي تحتاج إلى ملايين الليرات لكل مريض، خاصة أن جمعية أصدقاء مرضى السرطان وقعت بدورها في حاجة رغم الدعم الذي تتلقاه، لأنه لا يكفي لعدد المرضى الذي يناهز 3000. ويناشد رئيس هذه الجمعية يومياً توفير مساعدات.
ويموّل المغتربون "الفزعة" لإجراء العمليات الجراحية المستعجلة للمرضى الفقراء، بينما تغطي مبادرات المجتمع المحلي تكاليف تأمين الدواء. لكن كل ذلك لا يغطي احتياجات المرضى، علماً أن أشخاصاً مقتدرين ومسؤولين في جمعيات وقعوا بدورهم في فخ الفقر والاحتياجات الملحّة للعائلات التي تضم أيتاماً وأرامل كانوا يعتمدون في السابق على السلل الغذائية الأساسية لدرء الجوع. ومع الانهيار زاد الوضع سوءاً. ويقول الدكتور عاطف عامر لـ"العربي الجديد": "لولا المغتربون لوصل الجوع إلى غالبية منازل السكان".

المساهمون