- تطبيق القرار الجديد يقتصر على صرف دواء واحد مجاناً، مما يضع المرضى أمام تحديات مالية جديدة، ويدفع العديد من الأسر، مثل عائلة عايدة، إلى مغادرة المستشفى دون تلقي الرعاية اللازمة.
- هناك مطالبات بإعادة النظر في القرارات وزيادة التمويل للقطاع الصحي، مع توسيع نطاق التأمين الصحي الشامل، بينما يوضح المتحدث باسم وزارة الصحة أن القرار لا ينطبق على أصحاب الأمراض المزمنة وحالات الطوارئ، مشيراً إلى توفير الدواء الأساسي مجاناً والأدوية المُكملة بسعر مخفض.
يشكو المصريون، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، من القرار الوزاري الجديد برفع كلفة العلاج والأدوية التي كانت تقدم بالمجان، الأمر الذي يزيد من مأساتهم وسط الأزمة الاقتصادية الحادة.
كانت الغرفة المكتظة بالأطفال المرضى في مستشفى الأنفوشي للأطفال بالإسكندرية، شمالي مصر، تعكس حالة من القلق والتوتر. تحتضن الأمهات أطفالهن بقلق شديد في زوايا القاعة في انتظار الكشف الطبي والعلاج المجاني. وسط هذا المشهد، كانت السيدة النحيلة عايدة تحتضن أطفالها الثلاثة بين ذراعيها، وتنتظر أن يخبرها موظف المستشفى الآتي من بعيد بالخبر اليقين في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. لكنه قال: "القرار يُنفذ من اليوم. وبناء عليه، ارتفع سعر الكشف من جنيه إلى 10 جنيهات قابلة للزيادة 5 أضعاف، ويُلغى صرف الأدوية مجاناً. يحصل كل مريض على دواء واحد فقط مجاناً والباقي يدفع ثمنه". وما إن انتهى الموظف من إعلان البيان، حتى علّق لافتة كبيرة بنص القرار الوزاري، مفاده: "أصدر وزير الصحة القرار رقم 93 لسنة 2024، وذلك بأن يُقْتَصَر على صرف دواء واحد فقط مجاناً بالعيادات الخارجية بالمنشآت الطبية التابعة للوحدات المحلية، مثل المستشفيات العامة والمركزية والمراكز والوحدات الصحية".
ويعاني المرضى، خصوصاً محدودي الدخل، من القرار الجديد، إذ كانوا يعتمدون بشكل كبير على تلك الأدوية المجانية للحصول على العلاج اللازم، وتزداد معاناتهم اليوم مع ارتفاع أسعار تلك الأدوية في السوق، ما يجعلها غير متاحة للفئات الأفقر. وتعكس وجوه الأطفال المليئة بالحزن والتعب معاناة الأسرة الفقيرة. كان طفل عايدة الرضيع ينتفض على يدي والدته بشدة، وعيناه محمرتان من شدة الحرارة، في حين بكى الآخران بصوت عالٍ في محاولة لجذب انتباه الأم.
حاولت عايدة البحث عن أية أموال تُمكنها من تأمين كلفة علاج أطفالها من دون أن تجد شيئاً، وجلست على الأرض تراقب الخدمات الطبية المقدمة للمرضى القادرين على الدفع، وتسمع أصوات جدال المرضى الرافضين قرار الوزير.
وعندما تيقنت من استحالة تراجع الإدارة عن تنفيذ القرار، طلبت استثناءها ولو لمرة واحدة، فأمرها أفراد الأمن بمغادرة المستشفى لإتاحة الفرصة لغيرها من القادرين على الدفع. فخرجت من المستشفى، وهي التي كانت تعتمد بشكل كبير على تلك الأدوية المجانية لعلاج أطفالها، كونها عاجزة عن تحمّل تكاليف الأدوية الباهظة في السوق.
سلمى ليست حالة فريدة. إذ يقف مرضى كثيرون ساعات طويلة لحجز دور في المستشفى الذي كان مجاناً قبل القرارات الأخيرة، بل يراقب كل منهم بعجز وحسرة بكاء الأطفال الذين اشتد بهم الألم.
من جهته، يقول عمر زاهر الذي كان يقف في الطابور أمام المستشفى منذ الصباح حتى الظهيرة لمعاينة حفيده (4 سنوات): "نواجه صعوبة في تلبية الاحتياجات الأساسية بسبب الغلاء المعيشي وارتفاع الأسعار بشكل جنوني يوماً بعد يوم. والقرارات الجديدة تجعل حياتنا أكثر صعوبة وقسوة". يضيف: "ولدي متوفى، وأتولى الإنفاق على أبنائه، علماً أن الراتب بالكاد يكفي لتأمين الطعام. كنا نعتمد على المستشفى للمعاينة والحصول على الأدوية في مقابل مبالغ زهيدة. لكن بعد القرارات الجديدة، بتنا نشعر بالعجز والخوف من عدم القدرة على تحمل تكاليف العلاج الباهظة".
من جهتها، تسأل الحاجة عبلة شوقي التي كانت تقف في الطابور: "هل أصبحت الرعاية الصحية حكراً على القادرين أو الأثرياء فقط؟ لا نطلب العلاج المجاني للمتعة، بل نحن في حاجة إليه للبقاء على قيد الحياة".
من جهته، يري مدير مركز الحق في العلاج محمد فؤاد، أن قرار الوزارة الأخير سيتسبب في إضافة أعباء جديدة على غير القادرين الذين يتلقون العلاج في المنشآت الصحية العامة، في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد. ويقول لـ "العربي الجديد" إن نحو 39 في المائة من المصريين ليس لديهم تأمين صحي، ويحالون إلى المستشفيات والوحدات التابعة لوزارة الصحة للحصول على الخدمات الصحية، التي عمدت إلى زيادة أسعار الاستشارة الطبية وغير ذلك، ما سيؤثر في غير القادرين منهم، ويزيد الأعباء المعيشية على الأسر محدودة الدخل.
من جهته، يقول طبيب الأمراض الباطنية، محمد محروس، إن "هذه القرارات والزيادات تؤثر كثيراً في البسطاء، ولن تسد العجز في موارد وزارة الصحة التي تعاني أصلاً بسبب عدم توفر المستلزمات الطبية، وينبغي دراسة الآثار السلبية المحتملة لهذا القرار على فئات المرضى من ذوي الدخل المحدود والقاطنين في المناطق النائية، ويجب أن يكون هناك توازن بين ضمان توفر الرعاية الصحية الأساسية والتحكم في تكاليف الصحة". يضيف: "يجب أن يستمع المسؤولون إلى معاناة المرضى ومخاوفهم، ويعملوا على إيجاد حلول عاجلة وفعالة لتلبية احتياجاتهم، ويمكن أن تشمل هذه الحلول زيادة التمويل للقطاع الصحي، وتوسيع نطاق التأمين الصحي الشامل، وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص لتخفيض أسعار الأدوية".
وتقدمت عضو مجلس النواب النائبة آمال عبد الحميد، بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار، بشأن القرارين الصادرين عن وزارة الصحة رقمي 92 و93 لسنة 2024 اللذين ينصان على رفع أسعار تلقي العلاج داخل المستشفيات والوحدات الصحية، ورفع أسعار الإقامة داخل المستشفيات، بالإضافة إلى صرف نوع واحد من العلاج للمريض مجاناً. وقالت إن وزير الصحة قرر زيادة رسوم العيادات الخارجية من جنيه إلى عشرة جنيهات، وزيادة تذكرة العيادة الخارجية بالوحدات الصحية إلى خمسة جنيهات بدلاً من جنيه، مؤكدة أن هذا القرار اتخذ بشكل عاجل من قبل الوزير من دون دراسة لتداعياته، إذ لم يراع ظروف المواطنين المعيشية التي تأثرت كثيراً نتيجة انعكاس الأزمات العالمية على الاقتصاد المصري، وما صاحب ذلك من ارتفاع في الأسعار طال جميع المستلزمات، لافتة إلى أن شريحة كبيرة من مرتادي هذه المستشفيات اليومية من محدودي الدخل.
وأضافت أن المستشفيات الحكومية تتحمل ما يقدر من 60 إلى 70 في المائة من حجم الخدمة الطبية في مصر، وتقوم بدور مهم في تقديم الخدمات الصحية لملايين المواطنين المصريين. وعلى الرغم من محدودية الإمكانيات المتاحة لهذا القطاع، فإنه يتحمل مسؤولية تقديم جزء كبير من الخدمة الصحية، ويعتبر إحدى الركائز الأساسية للمنظومة الصحية، ويستقبل سنوياً نحو 20 مليون مريض. وتشير إلى أن هناك فجوة تمويلية سنوية بقيمة 9 مليارات و304 ملايين جنيه يعانيها قطاع الصحة، لأنّ المتاح من الموازنة العامة للدولة لمستشفيات الوزارة سنوياً هو 3 مليارات و511 مليون جنيه لبنود محددة.
ووصف استشاري المسالك البولية، إيهاب الطاهر، القرار بالخاطئ، وكتب عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "للأسف، هذا القرار سيتسبب في إضافة معاناة جديدة على كاهل المواطن غير القادر الذي يُعالج في المنشآت الصحية العامة، لأنه سيضطر إلى شراء بقية الأدوية على نفقته، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها الجميع، هذا فضلاً عما قد يسببه من مشاحنات عديدة بالمنشآت الصحية"، داعياً وزير الصحة إلى إلغاء القرار رأفة بالمواطن غير القادر.
من جهته، كشف المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان حسام عبد الغفار، عن تفاصيل القرار، وقال إن قرار الوزير لا ينطبق على أصحاب الأمراض المزمنة، سواء الذين يحصلون على أدويتهم عبر التأمين الصحي، أو العلاج على نفقة الدولة، إذ سيحصلون على أدويتهم كالمعتاد، لافتاً إلى أن القرار كذلك لا يُطبق على حالات الطوارئ. وأشار إلى أن القرار ينطبق فقط على المترددين على العيادات الخارجية في المستشفيات والمراكز الطبية التابعة للوزارة، وسيصرفون الدواء الأساسي الذي كتبه الطبيب مجاناً، في حين سيحصلون على بقية الأدوية من صيدلية المستشفى بخصم 15 في المائة من سعر الدواء الرسمي. وأضاف: "المريض يكون له علاج أساسي واحد يكون له الحق في صرفه مجاناً. أما الأدوية المُكملة فسيحصل عليها بسعر أقل من الموجود في الصيدليات العامة". وشدد على أن القرار يضع قواعد بإلزام المستشفيات بصرف الأدوية الأساسية للمرضى، وبالتالي يأتي لتعظيم استفادة المريض من الدواء".