يتحدث سكان غزة بغصة عن الدمار الذي حلّ بمنازلهم خلال العدوان الإسرائيلي الأخير. كثيرون لم يستطيعوا جلب أغراض يعتبرونها عزيزة عليهم وتحمل ذكريات جميلة لهم ولأطفالهم، فالتحذير الإسرائيلي بالقصف صدمهم، ولم يمنحهم أحياناً أي وقت من أجل إخلاء أماكن إقامتهم. أفراد كثيرون غادروا وفي أيديهم أوراق رسمية أو مال أو مصاغ نسائي. كلّ منهم حمل في اللحظة ذاتها غرضاً مهماً بالنسبة إليه، فيما بحث آخرون تحت الأنقاض بعد القصف عن أغراض ذات معنى علّهم يعثرون عليها.
من تحت الأنقاض، انتشل بعض الأطفال كتبهم المدرسية وشهادات تقدير حصلوا عليها، وآخرون حاولوا إنقاذ طيورهم ومقتنياتهم الصغيرة أو ملابس يحبونها. وانتشلت نساء أغراضاً منزلية بسيطة، وشبان صوراً لهم حين كانوا صغاراً، أو أشياء خاصة من داخل غرفهم.
"لقيتها... لم تنكسر"
حضر أطفال إلى ركام منازلهم للبحث عن ألعابهم، دمى ودب وعروس وأخرى مصنوعة من إسفنج وقماش في حال كانت حالتها لا تزال جيدة وتحتاج إلى نفض الغبار وأثار القصف عنها. أما الألعاب البلاستيكية فنادراً ما كانت في حالة جيدة، لكنّ كريم نمر (7 أعوام) عثر على عربته البلاستيك الصغيرة، وصرخ فرحاً وسط المبنى المدمر في حي الرمال: "لقيتها (العربة) لم تنكسر" ما جعل والده وسكان المبنى يعتقدون أنّه عثر على شيء مهم، ثم ساد الصمت عندما شاهدوا فرحته بالعثور على ما يحبه.
الوالد مصطفى نمر (33 عاماً) يروي لـ "العربي الجديد": "كنت أبحث عن بقايا أيّ شيء داخل شقتي المدمّرة، حيث تركت أغراضاً مهمة كثيرة. أما كريم فكان يبحث مع شقيقته منى (11 عاماً) عن أغراضهما، وفرح كريم بما عثر عليه، أما منى فكانت حزينة لأن فستانها الزهري كان ممزقاً. السكان جميعهم بحثوا عن ذكريات تحت الركام، وأشياء قد تخفف عن ألمهم".
قرب الدمار في شارع الوحدة بحي الرمال، أخرج تامر الحداد (8 سنوات) الدب البني الذي أهداه إياه والده حين كان في الثالثة من العمر، بينما عثرت شقيقته يمنى (5 سنوات) تحت الأنقاض على دميتها من ماركة "باربي" الشهيرة، والتي أهدتها لها خالتها حين زارت العائلة بعدما قدمت من السعودية قبل نحو عام. شعرت يمنى بسعادة كبيرة وسط المنزل المدمّر بالكامل، وواصلت مع شقيقها البحث عن مزيد من المقتنيات، قبل أن تبعدهم أطقم إزالة الركام عن المكان حفاظاً على سلامتهم.
هدية "الانتصار" صامدة
من جهتها، شعرت نعيمة البرعي (50 عاماً) بسعادة كبيرة عندما أخرجت تحفة صغيرة أهداها إياها أبناؤها قبل ثلاثة أعوام، خلال احتفالهم بانتصارها على مرض سرطان الثدي، علماً أن منزلها الذي يقع في تلة المنطار، شرق مدينة غزة، تعرض لتدمير جزئي شمل نحو نصف مساحته، في حين بقيت إحدى غرفه سليمة على غرار الصالون. وقد دمرت غرفتها وكذلك تلك الخاصة بابنتها التي عاشت معها بعدما توفي زوجها قبل خمس سنوات.
واضطرت البرعي وأفراد من عائلتها إلى المكوث في القسم غير المدمّر من المنزل بعد إزالة الركام، في انتظار إعادة إعماره. وهم يواجهون ظروفاً اقتصادية صعبة في ظل تضرر أجزاء من المنزل والتمديدات، وفقدان أغراض منزلية كثيرة وأثاث ضروري يستخدم في الحياة اليومية.
تقول البرعي لـ "العربي الجديد": واجهت عقبات كثيرة في حياتي بينها مرض سرطان الثدي الذي جعلني أواجه ألف معاناة، في مجتمع يعاني من تدني مستوى الطبابة وضعف التجهيزات الصحية. ساندني أبنائي بعد وفاة زوجي، وأهدوني في ذكرى انتصاري على المرض التحفة الصغيرة التي عثرت عليها. لولا وجودهم وتشجيعهم لكنت استسلمت للمرض، لذا اعتبر هذه أعظم هدية لي. ورغم أنني بكيت على الخسائر في منزلي، لكنني ابتسمت بعدما وجدتها".
رغم الصدمة
أحمد السلطان، أحد رجال الدفاع المدني الذي أنقذ غزيين وساعد في إخلاء منازل خلال العدوان، ثم في البحث عن أحياء تحت الأنقاض، يقول لـ "العربي الجديد" إن "العدوان الأخير ترك صدمة كبيرة بعدما دمّر عدداً كبيراً من المباني من دون توجيه أية تحذيرات مسبقة". ويشير إلى أنّه لاحظ خلال معايشته المشاهد الميدانية الصادمة، أن الغزيين وأصحاب الممتلكات المدمرة كانوا يبحثون عن تفاصيل صغيرة تهمهم "فسمحت لبعضهم بفعل ذلك لكن مع توخي الحذر".
يضيف: "أخرج طفل دراجته من تحت الأنقاض، وشابة جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها، وبحث آخرون عن أي شيء خاص بهم. بعضهم صرخ فرحاً وآخرون أخرجوا مقتنياتهم من ملابس وفرشات مع حسرة كبيرة على تضررها، علماً أنّ حصة المقتنيات الكبرى التي أخرجت قبل القصف كانت من نصيب الأطفال عبر الألعاب والدمى. لكنّ بعضهم اضطروا إلى انتظار انتهاء القصف كي ينقلوا ألعابهم. أحببت مشاهد عثور الأطفال على ألعابهم، وحاولت بعيداً من أنظار الضابط المشرف، التفتيش معهم ومساعدتهم".