يواجه رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس تحدياً فريداً، إذ يتوجّب عليه إدارة أزمة إنسانية في إقليم تيغراي الإثيوبي يكون مصير عائلته فيها على المحكّ. وغيبريسوس، البالغ من العمر 57 عاماً، يتحدّر من إقليم تيغراي الواقع شمالي إثيوبيا والمحاصر منذ عامَين من قبل القوات الفيدرالية وحلفائها.
وقد وقّع طرفا النزاع، الحكومة الإثيوبية ومتمرّدو تيغراي، اتفاقية هدنة في الأسبوع الماضي، الأمر الذي ولّد آملاً بأن تُرسَل المساعدات الإنسانية بطريقة أسرع إلى سكان الإقليم. وفي تغريدة له على موقع "تويتر" بعد الإعلان عن الاتفاقية، كتب غيبريسوس في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري أنّ "الأكثر شجاعة يختارون السلام"، مضيفاً في تدوينة لاحقة: "أعطوا السلام فرصة!".
وعُرف غيبريسوس على الساحة الدولية في سعيه إلى مكافحة تفشّي فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، فيما صار يستخدم منصبه ومنبره لتسليط الضوء على مسقط رأسه الإثيوبي الذي يضمّ ستة ملايين نسمة، ويعاني من انقطاع الاتصالات في معظم فترة النزاع، ويفتقر إلى أدنى الخدمات، ويواجه نقصاً حاداً في السلع الغذائية والوقود والأدوية.
وفي 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أكّد غيبريسوس بتأثّر شديد في مؤتمر صحافي: "نعم، أنا من تيغراي، ونعم هذا يمسّني شخصياً، ولا أدّعي غير ذلك. أقاربي بمعظمهم موجودون في المناطق الأكثر تأثّراً، أكثر من 90 في المائة منهم"، وأضاف: "لكنّ عملي يقضي بلفت انتباه المجتمع الدولي إلى الأزمات التي تهدّد صحة الناس أينما وُجدوا".
The most courageous choose peace.
— Tedros Adhanom Ghebreyesus (@DrTedros) November 5, 2022
حرب كلامية
ويُعَدّ إقليم تيغراي محروماً من المساعدات الإنسانية منذ عامَين، فيما يتوجّب على وكالات الأمم المتحدة التعامل مع السلطات، مهما كانت، لتتمكنّ من العمل في أيّ بلد. وأمام غيبريسوس مهمة صعبة تكمن في تحقيق توازن دقيق بين تطرّقه إلى الأزمة في تيغراي وعدم تخطّي الصلاحيات الموكلة إليه.
وتتهم الحكومة الإثيوبية المدير العام لمنظمة الصحة العالمية بالتحيّز وباستغلال منصبه كمنبر للتعبير عن آرائه السياسية. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، قال سفير إثيوبيا لدى الأمم المتحدة زينيبي كيبيدي كورشو إنّه "استخدم منصبه لكي يبدّي مصلحته السياسية الشخصية على مصلحة إثيوبيا". ووجّهت الحكومة الإثيوبية "مذكّرة شفهية" دبلوماسية طالبت فيها منظمة الصحة العالمية بفتح تحقيق بحق غيبريسوس بتهمة "سوء السلوك وانتهاك مسؤوليته المهنية والقانونية". لكنّ هذه الاتهامات لم تمنعه من الفوز بولاية ثانية في مايو/ أيار الماضي.
غيبريسوس و"جبهة تحرير شعب تيغراي"
بدأ الصراع في إقليم تيغراي قبل عامَين، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عندما أرسل رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد القوات الحكومية إلى إقليم تيغراي بعد اتّهام "جبهة تحرير شعب تيغراي" بمهاجمة معسكرات للجيش الفيدرالي. وكانت "جبهة تحرير شعب تيغراي" هي القوة المهيمنة في تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي الذي سيطر على السياسة الإثيوبية منذ عام 1991، على مدى ثلاثة عقود.
وكان غيبريسوس حينها عضواً في اللجنة التنفيذية المؤلفة من تسعة أعضاء في "جبهة تحرير شعب تيغراي" حتى استلامه منصبه على رأس منظمة الصحة العالمية في جنيف في عام 2017. وكان قد أدار أيضاً المكتب الإقليمي للصحة في تيغراي قبل أن يصير وزيراً للصحة في إثيوبيا من عام 2005 حتى عام 2012. وحين توفي رئيس الحكومة ميليس زيناوي في عام 2012، عُدّ غيبريسوس خلفاً محتملاً لرئاسة "جبهة تحرير شعب تيغراي"، وبالتالي لرئاسة إثيوبيا. لكنّه بدلاً من ذلك، صار وزيراً للخارجية الإثيوبية حتى عام 2016، قبل انتقاله في العام التالي إلى منظمة الصحة العالمية.
ولدى وصول أبي أحمد إلى السلطة في عام 2018، بعد سنوات من التظاهرات المناهضة للحكومة، حلّ تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي وأسّس "حزب الرخاء". وقد رفضت حينها جبهة تحرير شعب تيغراي الالتحاق بهذه الحركة.
طفولته في تيغراي
في خلال منتدى للشباب في عام 2020، تحدّث غيبريسوس عن أنّه شهد، وهو في السابعة من عمره، وفاة شقيقه الأصغر بسبب الحصبة على الأرجح، وقال: "لم أتقبّل الوضع حينها.. وما زلت لا أتقبّله حتى الآن.. لقد أثّر ذلك عليّ كثيراً".
ويدلي غيبريسوس تقليدياً بملاحظات افتتاحية في المؤتمرات الصحافية الأسبوعية لمنظمة الصحة العالمية، ويترك مهمّة الإجابة عن الأسئلة عادة لفريقه. لكنّه حين يتعلّق الأمر بالنزاع في تيغراي، يتولّى بنفسه الحديث عن الموضوع من خلال إثارة المشاعر. وكان قد قال في أغسطس/ آب الماضي، مشيراً إلى مصير عائلته في تيغراي: "أريد إرسال المال لهم، لكنّني أعجز عن ذلك. هم يموتون جوعاً، أعلم ذلك، ولا أستطيع مساعدتهم. لا أعلم حتى من توفّي منهم ومن هو على قيد الحياة".
وفي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان غيبريسوس المسؤول الأممي الوحيد الذي حذّر من خطر "إبادة" في إقليم تيغراي. وقد يوفّر اتفاق وقف إطلاق النار فرصة لإنهاء إراقة الدماء. وتتّجه الأنظار مرّة أخرى إلى ما سوف يقوله ابن إقليم تيغراي في هذا الشأن.
(فرانس برس)