غزيون يبيعون المساعدات الغذائية

24 يونيو 2021
كثر تلقّوا "أكياساً زرقاء" من أكثر من جهة (محمد الحجار)
+ الخط -

 

يتلقّى أهالي غزة مساعدات إنسانية عاجلة على خلفية العدوان الإسرائيلي الذي استهدف القطاع المحاصر في خلال الشهر الماضي. وتلك المساعدات توزّعت ما بين غذائية وعلاجية أو مالية مخصصة لأصحاب البيوت التي هُدمت بالكامل. وثمّة غزيّون حصلوا على أكثر من دفعة من المساعدات الغذائية، ففاضت بالتالي، الأمر الذي دفعهم إلى بيع بعض منها من أجل تأمين احتياجات أخرى.

ولم يعد الأمر يُخفى على أحد، إذ بات واضحاً توجّه عدد كبير من الغزيين إلى بيع تلك المساعدات، على الرغم من أنّ بعضهم في حاجة إليها. لكنّ ثمّة حاجات أكثر إلحاحاً، من قبيل مستلزمات منزلية وأدوية لا توفّرها وزارة الصحة ولا عيادات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وغير ذلك. يُذكر أنّ النسبة الكبرى من المساعدات العاجلة التي وصلت إلى غزة بعد العدوان كانت غذائية.

وكانت منظمات أممية ودولية عدّة وجمعيات محلية قد عمدت إلى توزيع مساعدات إغاثية للأسر، لكنّ كثيرين من الفئات المستهدفة عبّروا عن انزعاجهم من تكرار تلك المساعدات الغذائية والعلاجية. سمير النجار واحد منهم، وقد تعرّض منزله إلى أضرار جزئية من جرّاء العدوان الأخير، علماً أنّه عاطل من العمل منذ أعوام. يخبر أنّه تلقّى أربع دفعات من المساعدات الغذائية التي تضمّ الأصناف نفسها، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أنّه اضطر إلى "بيع اثنتَين من تلك المساعدات، لحاجتي إلى أدوية مسكنة. فأنا مصاب بانزلاق غضروفي في ظهري، والأدوية اللازمة غير متوفّرة في العيادات الحكومية". يضيف النجار أنّه ينتظر شهر أغسطس/ آب المقبل ليخضع لجراحة في ظهره، في حين أنّ ظروفه المادية صعبة وعائلته مؤلفة من ستة أفراد يعيشون في المنزل المتضرر في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة. ويؤكد النجار: "لا نستطيع رفض المساعدات الغذائية التي تقدّمها لنا الجمعيات، علماً أنّها لا تسأل عن حاجتنا عندما تسجّل بيانات المتضررين. فقد وصلت إلي أكياس زرقاء كبيرة تحتوي أرزّاً وعدساً وفولاً ومعلبات ودقيقاً من أكثر من جهة" مضيفاً: "وأنا كنت قد أخبرت كثيرين بحاجتي الماسة إلى دواء". وفي النهاية استجابت واحدة من تلك الجمعيات لطلب النجار، وأحضر أحد الناشطين فيها مساعدة منه شخصياً لصرف وصفة طبية.

الصورة
مساعدات غذائية للبيع في غزة 2 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

والنجار ليس المتذمّر الوحيد الذي عبّر عن امتعاضه إزاء عدم التطلّع إلى احتياجات الغزيين المختلفة. جميلة محمد، على سبيل المثال، اضطرت بدورها إلى بيع مساعدات غذائية وصلت إليها من أجل شراء فرن يعمل على الغاز لتممكن من الطهي وإعداد الخبز المنزلي في ظل انقطاع التيار الكهربائي. وكانت محمد قد حصلت على مساعدات غذائية ضمّت خضراوات وأطعمة معلبة ومواد أخرى بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي مباشرة، نظراً إلى أنّ منزل عائلتها تعرّض إلى ضرر كبير في شرق حيّ الشجاعية.

وتخبر محمد "العربي الجديد": "أعيش مع أبنائي في الطبقة السفلى في منزلنا لأنّ الطبقتَين العلويّتَين تضرّرتا بشكل كبير من القصف"، مضيفة "لم أتمكّن من حفظ بعض من المواد الغذائية المقدّمة في الثلاجة نظراً إلى انقطاع الكهرباء. لذا، عمدت إلى بيعها إلى جانب مواد أخرى، إذ إنّ سلالاً غذائية عدّة أتت متشابهة". ولا تخفي محمد أنّ "سكان الحيّ الذي أعيش فيه بمعظمهم باعوا المساعدات الغذائية. نحن لا نريد ما نأكله ثمّ عندما ينتهي نعود لنفكر ماذا نأكل"، متسائلة: "لماذا لا تُقدَّم المساعدات في شكل مشاريع صغيرة أو لتمويل مثل تلك المشاريع، فيستفيد منها أبنائي الأربعة العاطلين من العمل؟ ولماذا لا نُسأل عمّا هي احتياجاتنا بعد العدوان بدلاً من إحضار سلال غذائية متشابهة كأنّها من عند التجّار أنفسهم".

الصورة
مساعدات غذائية للبيع في غزة 3 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

وبيع المساعدات الغذائية ليس أمراً جديداً على أهل القطاع، فثمّة محال تجارية كثيرة بالقرب من مراكز توزيع المساعدات الغذائية التابعة لوكالة أونروا تبيع وتشتري تلك المساعدات، وهي معروفة منذ عشرات السنين في غزة. وهو أمر غير خفيّ كذلك على مسؤولي الوكالة الذين يلحظون ذلك في خلال زياراتهم التفقدية لمراكز التوزيع. الأمر نفسه يُسجّل في ما يتعلق بالمساعدات التي تقدّمها وزارة الشؤون الاجتماعية وجمعيات أخرى. فثمّة مستفيدون كثر يبيعونها، علماً أنّ بعض المواد فيها تحمل شارات وكالة أونروا أو الدول المانحة. ولا يتردد تجار في شرائها، علماً أنّ ثمّة منهم من يستغلّون الأشخاص المستفيدين من المساعدات، إذ يجدون فيها فرصة لفرض أسعار متدنية عليهم تقلّ عن نصف السعر الحقيقي لتلك المواد الغذائية.

الصورة
مساعدات غذائية للبيع في غزة 5 (محمد الحجار)

في سياق متصل، يخبر أحمد حمام أنّه اضطر إلى بيع كلّ المساعدات الغذائية التي حصل عليها بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، من أجل تأمين حليب خاص لطفله الذي يبلغ من العمر ستّة أشهر وكذلك أدوية لوالدته التي تعيش معه. ويقول لـ"العربي الجديد": "طفلي يعاني من مشاكل صحية منذ ولادته ويتناول حليباً خاصاً، في حين لا ألقى أيّ استجابة من المؤسسات عند طلبه. وقد أفدت إحدى المؤسسات بحاجتي الماسة إليه لكنّه لم يؤمَّن لي، غير أنّني حصلت على مساعدات غذائية على خلفية تضرّر منزلي في حيّ التفاح شرقي مدينة غزة نتيجة استهداف منزل الجيران".

قضايا وناس
التحديثات الحية

نبيل الشريف واحد من الباعة الذين يشترون المواد الغذائية التي تأتي على شكل مساعدات، عند مدخل سوق الشجاعية. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ ثمّة مواد من بينها الأطعمة المعلّبة، يمكن حفظها في المخازن لوقت طويل، فيما بعضها ليس بالجودة المطلوبة"، مضيفاً أنّ "أكياس الدقيق تأتي كبيرة ويتراوح وزنها ما بين 25 و50 كيلوغراماً. عند شرائها، يُمكن بيعها سريعاً للأفراد وبعض المخابز. وهذا هو الصنف الوحيد المعروف سعره بين التجّار". ويتابع الشريف أنّ "ثمّة مواد تموينية تُتداول في الأسواق، من قبيل الأرزّ من الحبّة الطويلة وبعض البقوليات"، مشيراً إلى أنّ "ثمّة مواد لا يمكن للتاجر شراؤها بسعر معقول، في حين أنّ أخرى تُتداول بصورة أسرع". ويتابع أنّ "في بعض الأوقات، يطلب الناس أيّ مبلغ كان في مقابل ما حصلوا عليه من مساعدات غذائية نظراً إلى حاجتهم الماسة إلى المال".

المساهمون