غزية تواصل الدراسة بعد انقطاع استمر 25 سنة

27 مارس 2022
تهوى القراءة والكتابة (محمد الحجار)
+ الخط -

تبحث الأم الغزية أسماء المبيض (42 عاماً) عن الكتب التي تستهويها في مكتبة الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في قطاع غزة، والتي شكلت دافعاً لها للعودة إلى الدراسة بعد انقطاع دام 25 عاماً. تدرس مع زميلات يصغرنها سناً، وقد لفتت الأنظار كونها تدرس وابنتها في الكلية نفسها. 
تزوجت المبيض حين كانت في السادسة عشرة من عمرها، وتوقفت عن الدراسة وانغمست في تربية أبنائها وإدارة شؤون المنزل. إلا أن حاجتها للتعليم كانت تزيد خلال متابعة واجباتهم المدرسية من خلالهم.

لدى المبيض خمسة أبناء، وهم نصر (24 عاماً) وهو طالب في كلية القانون، وإيمان (21 عاماً) وتتخصص في اللغة الإنكليزية وكانت زميلة لوالدتها بدءاً من الثانوية العامة النهائية عام 2021، وآية (18 عاماً) التي تدرس الإدارة التكنولوجية، وإياد (17 عاماً) وهي في الصف الثاني الثانوي، ومحمد (14 عاماً) وهي في الثالث إعدادي.

الصورة
أسماء المبيض (محمد الحجار)
استشارتها نساء للحصول على دعمها (محمد الحجار)

دورات متعددة
وحتى خلال الفترة التي ركزت فيها على تربية أبنائها، حصلت على دورات في التطريز وحياكة الكروشيه وأحكام القرآن الكريم والتجويد. وفي عام 2015 أرادت إتمام الثانوية العامة إلا أن ظروفاً صحية ألمت بها على مدى خمس سنوات حالت دون ذلك. في هذا الوقت، كرست وقتها للقراءة.
وتقول لـ"العربي الجديد": "قبل قرار خوض الاختبارات الثانوية العامة بثلاثة أعوام، قرأت نحو 150 رواية محلية وعربية وعالمية، منحتني مفردات ومصطلحات ومعاني عظيمة جداً، وبدأت بكتابة النثر والقصة القصيرة، وصرت أنشر ما أكتب على صفحتي على فيسبوك وملتقى إيوان الأدبي". وبدأت تصل إليها استفسارات عن الجامعة التي تخرجت منها ومؤهلاتها وهو ما جعلها تشعر بالإحراج، فقررت متابعة تحصيلها العلمي.  

الصورة
أسماء المبيض (محمد الحجار)
حصلت على منحة من الكلية الجامعة نتيجة تفوقها (محمد الحجار)

في البداية، رفض زوجها وأبناؤها التحاقها بالدراسة مجدداً. في المقابل، حصلت على دعم كبير من صديقاتها وأشقائها ثم نجحت في إقناع زوجها. فقررت مرافقة ابنتها إيمان والدراسة معها. وجاء يوم إعلان النتائج لتحصل على معدل 95 في المائة في الثانوية العامة، في وقت حصلت ابنتها إيمان على معدل 91 في المائة. وتقول لـ "العربي الجديد": "كان صعباً بالنسبة لها التوفيق بين الدراسة ومتطلبات المنزل والأبناء والحياة الاجتماعية. كانت ابنتي تتوقع الحصول على معدل أعلى مني على عكس آخرين الذين لاحظوا إقبالي الشديد على الدراسة. ونتيجة حبي لعالم الكتابة والإنتاج المعرفي والفكري والأفلام، قررت التخصص في الإعلام وتكنولوجيا الاتصال في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في غزة".
انتشرت قصة المبيض بين الغزيين بشكل كبير، وقد شجعها كثيرون، خصوصاً بعد تفوقها في شهادة الثانوية العامة. إثر ذلك، حذت حذوها عدد من النساء اللواتي لجأن إليها لاستشارتها والحصول على دعمها وقد شجعتهن على استكمال الدراسة من دون إعطاء اهتمام لتقدمهن في العمر. 

الصورة
أسماء المبيض (محمد الحجار)
تنوي إتمام دراستها الجامعية (محمد الحجار)

شخصية ملهمة 
حصلت المبيض على منحة من الكلية الجامعة نتيجة تفوقها واعتبارها شخصية ملهمة غزية هي التي حصلت على معدل ممتاز على الرغم من انقطاعها عن الدراسة لمدة 25 عاماً. أكثر من ذلك، نافست ابنتها في الحصول على المنحة، من دون أن تنكر الصعوبة التي واجهتها في بعض الأحيان للتوفيق بين الأعمال المنزلية والدراسية والذهاب إلى الكلية. وترى أن مجال الإعلام والسرد والكتابة هو شغفها، وخصوصاً أنها تجد نفسها منغمسة في مشكلات المجتمع الفلسطيني وهموم النساء في قطاع غزة. 
ما سبق لا يلغي نظرة البعض السلبية حيال خياراتها، إذ يرى هؤلاء أن المكان الأفضل لامرأة في سنها هو البقاء في المنزل والاستعداد لأن تكون جدة بعدما تزوج أحد أبنائها. في المقابل، لم تتوقف إدارة الكلية والأصدقاء عن دعمها.  

المرأة
التحديثات الحية

تتطلع لأن تكون شخصية ملهمة للكثير من النساء، وخصوصاً اللواتي حرمن من التعليم. وترى أنه يجب على هؤلاء تحقيق الحلم والعودة إلى الدراسة من دون الاكتراث للعمر الذي لا يشكل عائقاً على الإطلاق، بدليل تجربتها الناجحة. وتختم حديثها قائلة: "لا شيء يقف أمامي طموحي، وأؤمن أن التعليم لا يرتبط بعمر معين. منحتني المطالعة سعادة وسط حياة مظلمة يراها الناس في مجتمع يعاني من حروب ودمار وأزمة اقتصادية وحصار والكثير من المشكلات الأخرى".
لدى المبيض الكثير من الأحلام التي تسعى إلى تحقيقها. وتشعر بالسعادة لنجاحها على الرغم من كل المسؤوليات التي تتحملها في المنزل وخارجه.

المساهمون