غزة: مرضى السرطان شهداء مع وقف التنفيذ

01 نوفمبر 2023
المرضى والجرحى يعانون في مستشفيات القطاع (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
+ الخط -

يعيش مرضى السرطان العالقون في قطاع غزة أوضاعاً خطرة للغاية في ظل عدم توفر العلاج، فما من خيار غير الانتقال إلى مستشفيات الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتل لتلقي العلاج المناسب. هؤلاء يعانون الألم بسبب المرض ومواصلة الاحتلال القتل والتدمير، وانعدام الأمان، وإغلاق المعابر، وحرمانهم من التنقل وتلقي الخدمة المطلوبة للعلاج، علاوةً على تكدس المستشفيات بالجرحى ووضعهم على سلم الأولويات، ما دفع بعض المستشفيات إلى إفراغ الأسرة للأشخاص الأكثر حاجة. 
تقول ريما قشطة (29 عاماً)، وهي من مدينة غزة، لـ"العربي الجديد": "أعاني وضعاً خطيراً للغاية مع توقف وصول علاجي الخاص بسرطان الغدة الدرقية، بسبب إغلاق معبر بيت حانون الذي يصل بين الضفة المحتلة وشمال القطاع، ما زاد من تراجع وضعي الصحي والجسدي". تضيف قشطة: "كان من المفترض أن أتوجه إلى مستشفى المقاصد بالقدس المحتلة في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لإكمال العلاج الكيميائي، وذلك بعد إجراء عمليتين جراحيتين واستئصال الورم من رقبتي، لكن ظروف الحرب على غزة وتوقف التحويلات الطبية حالت بيني وبين خروجي وشفائي".
تتابع: "نعيش أوضاعاً سيئة للغاية. لا أستطيع الحركة أو الوقوف حتى بسبب تراجع صحتي وعدم توفر المسكنات اللازمة لحالتي، وخصوصاً أن طبيبي المعالج ترك المستشفى الألماني الذي كنت أتلقى فيه العلاج، وانتقل إلى مستشفى الشفاء المركزي لعلاج جرحى الحرب".
وتؤكد قشطة أن علاجها خاص ولا يتوفر في الصيدليات التي بالكاد أغلقت أبوابها في ظل الظروف القاسية التي تعيشها غزة، مع انعدام الأفق بتوفر حل قريب وانتهاء الحرب التي تستهدف الجميع. تقول: "أمام مشهد القتل والدمار، تعجز الكلمات عن وصف مشاعرنا كمرضى سرطان عانينا ما عانينا منه طوال فترة علاجنا وتنقلنا بين المستشفيات". وتشير إلى أنها معزولة عن أهلها وأطفالها استجابة لطلب الأطباء، ولا تستطيع التواصل مع أي منهم في ظل الظروف الصعبة التي تعصف بغزة. تضيف: "أشتاق لأطفالي وأهلي ولا أستطيع أن أكون إلى جانبهم في هذه الأيام الدموية. لا أعرف إن كنا سنلتقي بعدها أم سنرحل جميعاً كشهداء. لسنا أفضل ممن ارتقوا شهداء، فنحن جميعاً أبناء هذا الوطن الفلسطيني. كلنا مشاريع شهادة، وكل بيت فلسطيني قدم شهداء أو جرحى أو أسرى"، مناشدةً العالم النظر إلى غزة بعين الرحمة والضغط على الاحتلال لوقف الموت فيها، ووقف حرب الإبادة الجماعية التي طاولت عائلات كاملة.

وتلفت إلى أن المستشفى الألماني بحي تل الهوا غرب مدينة غزة تعرض كذلك لأضرار جسيمة خلال الحرب، ما أثر بالتأكيد على تقديم الخدمة للمرضى. وتسأل: "أين الضمائر الحية؟ أين حقوق الإنسان؟ أين الصليب الأحمر؟ أين العالم مما يجري في غزة؟". لكنها لا تجد إجابة لتساؤلاتها ووجعها الذي يتضاعف مع كل صاروخ يسقط على غزة.
أما المواطن حسن شفيق (62 عاماً) من بلدة جباليا شمال قطاع غزة، والمصاب بسرطان العظام، فقد نزح مع عائلته إلى أحد مراكز الإيواء في مدارس غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) وسط القطاع، ولا يختلف حاله عن حال قشطة، بل ربما يكون أكثر صعوبة، وخصوصاً أنه استأصل جزءاً من العصب وزرعه في مكان الورم قبل أيام قليلة من الحرب في مستشفيات الداخل، وعاد إلى القطاع على أن يراجع الطبيب بعد أسبوعين.

يواجه المرضى تحديات كبيرة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
يواجه المرضى تحديات كبيرة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)

يقول: "لم أكن أتوقع أن تصل بنا الأمور إلى هذه المرحلة من الخطورة وانعدام الاستقرار والأمان. تركنا بيوتنا ومنازلنا وكل ما نملك وجئنا إلى مركز الإيواء حفاظاً على حياة أبنائنا وأطفالنا"، مشيراً إلى أن بيته تعرض لدمار كبير نتيجة قصف محيطه الذي أصبح أشبه بمدينة أشباح.
يضيف شفيق الذي يجلس على كرسي متحرك في إحدى زوايا المدرسة، أنه حُرم من تلقي العلاج بالمستشفى التركي الخاص بمرضى السرطان بعد توقف المستشفى نهائياً عن العمل، بسبب تعرضه للقصف في الأيام الماضية. ويقول: "لا أخشى على حياتي. كأي مواطن من قطاع غزة، أصبحنا معرضين للقتل في أي لحظة. لكن ما أريده فقط هو توفير المسكن. ألم السرطان لا يُحتمل".

يتابع: "عُدت إلى القطاع قبل الحرب بيومين بعد إجرائي عملية خطرة للغاية، وبفضل الله تكللت بالنجاح. لكن اليوم، الأمر اختلف". ويؤكد أن مراكز الإيواء لا توفر لهم الطعام اللازم ولا الشراب ولا الفراش في ظل اشتداد الحرب وانقطاع التيار الكهربائي والمياه منذ اللحظة الأولى للحرب. ويشير إلى أن هذه الحرب "أتت على البشر والحجر والشجر". ترك بيته في شمال القطاع الذي وضع فيه كل ما يحتاج لتسهيل حركته مع قدرته على المشي والحركة. "اليوم الوضع تغير وتبدل فأنا هنا أرقد من دون توفر أي من مقومات الحياة والحركة".
ويدعو شفيق أصحاب الضمائر الحية لنجدة غزة وإغاثة ما تبقى من أهلها قبل فوات الأوان، كما يدعو أطباء العالم بالتوجه إلى غزة لرؤية المجازر البشعة التي نفذت بحق أبنائها، والمساعدة في علاج الجرحى والمصابين. هذا هو واقع مرضى السرطان بغزة، الذين استنزفهم الألم والقهر، وأصبحوا يعيشون حالة من اليقين بأنهم سيخسرون حياتهم مع اشتداد القتل ونزيف الدم في غزة.
ويبلغ عدد مرضى السرطان في قطاع غزة نحو 2000 مريض، يعيشون في ظروف صحية كارثية جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع ونزوح أعداد كبيرة من السكان.

المساهمون