- الاستخدام المكثف للحطب يؤثر سلبًا على الصحة، خاصةً الأطفال والنساء، حيث يزيد من مخاطر التهابات القصبة الهوائية، الربو، ومشاكل صحية خطيرة أخرى بسبب التعرض للدخان والغازات السامة.
- الخبراء يحذرون من تفاقم الأزمة الصحية في غزة بسبب الاعتماد على الحطب في الطهي والخبز، مشددين على الحاجة الملحة لحلول عاجلة لتوفير بدائل آمنة للطهي وتحسين الظروف المعيشية للسكان.
يضطر الفلسطينيون في قطاع غزة إلى الاعتماد على إشعال نار الحطب بدلاً من غاز الطبخ، ما يتسبب في أمراض صدرية، في ظل الازدحام الشديد وغير ذلك.
تسبّب الاعتماد شبه الكامل على إشعال نار الحطب بفعل الأزمة الكبيرة في غاز الطهي، في تسجيل مئات الإصابات بأمراض الجهاز التنفسي، الأمر الذي يُفاقم معاناة الفلسطينيين، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي للشهر السابع على التوالي. وبدأت أزمة غاز الطهي مُنذ بدء العدوان الإسرائيلي، والذي انطلقت شرارته في السابع من أكتوبر/تشربن الأول الماضي، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي ومنع دخول مختلف المواد الأساسية، وفي مقدمتها الماء والغذاء والدواء والمستهلكات الطبية والكهرباء والمساعدات الإنسانية ومشتقات البترول.
ويعتمد أهالي قطاع غزة منذ 198 يوماً على إشعال النار لصنع الخبز وطهي الطعام، جراء الأزمة الخانقة في غاز الطهي وانعدام البدائل، تزامناً مع حالة النزوح القسري لمئات آلاف العائلات الفلسطينية، التي تركت بيوتها في محافظتي غزة والشمال، وبعض المناطق الجنوبية بما فيها من مستلزمات معيشية، والتوجه جنوباً نحو المناطق التي يدّعي الاحتلال بأنها آمنة.
ووفق التحديث الأخير للدفاع المدني الفلسطيني، فقد أعلِن عن تسجيل مئات حالات الإصابة بالأمراض المُختلفة التي تصيب الجهاز التنفسي داخل مستشفيات القطاع، نظراً لاعتماد المواطنين على إشعال النار بسبب أزمة غاز الطهي وانعدام البدائل، بالإضافة إلى الاكتظاظ الشديد في الخيام والمراكز والمدارس التي لجأ إليها الناس. وتقول الستينية الفلسطينية نعيمة ديب، التي أُجبِرت على ترك منزلها في منطقة التوام شمالي مدينة غزة، والتوجه نحو مدينة دير البلح وسط القطاع، إنها تُعاني من ضيق شديد في التنفس مُنذ بداية العام، بسبب رائحة الدخان المُنبعث من النار المشتعلة طوال الوقت داخل المدرسة التي تؤويها مع أسرتها.
وتلفِت ديب في حديثها لـ "العربي الجديد" إلى أنها توجهت إلى النقطة الطبية داخل المدرسة لتلقي العِلاج اللازم، وقد نُصِحت بالتوجه إلى المستشفى لإجراء الفحوصات، لتكتشف إصابتها بمرض الربو. وتقول: "طلب مني الأطباء الابتعاد قدر الإمكان عن مصادر الدخان والروائح النفاذة، إلا أنني لم أتمكن من ذلك بفعل الدخان الذي يحيط بنا على مدار الساعة".
وتُشير ديب إلى أن أزمة إشعال النار لطهي الطعام لا تقتصر على مدارس ومراكز اللجوء فحسب، وإنما داخل البيوت المُستأجرة والطرقات، بسبب الأزمة العامة لغاز الطهي وانعدام أي بديل يُمكن أن يحل محله. تضيف: "يلاحقنا الدخان وتأثيراته الكارثية أينما ذهبنا".
أما النازحة الفلسطينية سومة الحاج أحمد، فتقول إن طفلها كرم (12 عاماً) لا يعرف النوم منذ أيام بسبب السعال الشديد والمتواصل، ما استدعى نقله إلى طبيب متخصص بالأمراض الصدرية. وتقول: "اتضح أن طفلي مُصاب بالتهابات في القصبة الهوائية بسبب الاستنشاق الدائم لدُخان النار". وتلفت في حديثها لـ "العربي الجديد" إلى أن زوجها يُشعل النار بشكل يومي أمام خيمة النزوح لمُساعدتها في طهي الطعام، في ظل شُح الغاز وانعدام البدائل والتهجير القسري.
تضيف أن إشعال النار ليس رفاهية، بل أساس من أساسيات حياة التهجير، على الرغم من الإرهاق الشديد وارتفاع درجات الحرارة والنقص الشديد في المياه. تضيف: "نشعل النار كي نجهز قوتنا وقوت أطفالنا. ندرك أضرار إشعال النار لكننا أمام خيارين أحلاهما مُر، فإما أن نُصاب بالأمراض الصدرية أو نموت من الجوع".
إلى ذلك، يقول الطبيب المتخصص في الأمراض الصدرية بسام أبو ناصر، إن إشعال نار الحطب في الوضع الطبيعي لا يُمكن أن يضر إذا ما تم إشعاله في أماكن مفتوحة وبعيدة عن أصحاب الأمراض الصدرية والقلبية المزمنة. يضيف أن "الأمر يتنافى مع الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون بفعل حالة الاكتظاظ التي تسببت فيه الحرب الإسرائيلية". ويُبين أبو ناصر في حديثه لـ"العربي الجديد" أن إشعال نار الحطب في الوقت الحالي يتم بين الخيام المكتظة بالنازحين، وبين البيوت والمباني السكنية، ما يُفاقم من خطورة الوضع الصحي ويؤدي إلى انتشار الأمراض الصدرية والسرطان، في ظل الاستعانة بالبلاستيك غير المُكرر في عملية الإشعال، والذي يُصدر غاز الميثان السام.
ويلفت إلى أن المواد البلاستيكية التي يستعين بها النازحون لإشعال نار الطهي تعتبر ملوثة بالأساس؛ إذ تجمع من القمامة والشوارع حيث مياه الصرف الصحي، والتي تحتوي على نسبة عالية من البكتيريا والفيروسات، كما يتم إحراقها بين الخيام التي تغيب عنها التهوية الصحيحة، فيما يُعاني أصحابها من سوء تغذية وجفاف وضعف المناعة، الأمر الذي يُضاعف من نسب الخطورة.
ويوضح أبو ناصر أن تجمع تلك العوامل يزيد من فرص انتشار الأمراض الصدرية والعوامل المُسرطِنة، مُحذراً من تفاقم الأزمة وزيادة نسبة الإصابة بالأمراض خلال الأشهر المقبلة. ويقول: "أصبح الهواء ملوثا بأمراض الجهاز التنفسي وأمراض الدم والكبد والعِظام". ويُبين أن التأثيرات الآنية لإشعال النار، وانتشار الغازات السامة في الهواء، أديا إلى انتشار مجموعة من الأمراض التنفسية، وفي مقدمتها التليف الرئوي (مرَض في الرئة يحدُث عندما تتلَف أنسجة الرئة وتندب)، والالتهابات الحادة في القصبة الهوائية التي تتحول إلى التهابات مُزمنة بعد ثلاثة أسابيع، وداء الحويصلات الهوائية البروتيني.
ويوضح أن المعضلة الكبرى تتمثل في الأمراض التي تصيب الأطفال الرضع، والتي قد تتحول إلى مرض الربو، علاوة على إجهاض النساء الحوامل نتيجة التشبع بأول أكسيد الكربون بفعل ضيق التنفس. ويتمثل الخطر الأكبر في وضع أجِنة مشوهة بسبب استنشاق الهواء المسرطن، مُحذراً من زيادة عُمق الأزمة بفعل الأزمة الصحية وغياب أساليب الوقاية والعِلاج، ما يُنذر بإمكانية زيادة نِسب الوفيات.
ويزيد الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي ومنع دخول الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة من عُمق وحِدة الأزمة، إذ كانت تعتمد شريحة كبيرة من المواطنين على الطهي بواسطة الأفران، والأجهزة الكهربائية، فيما باتوا يعتمدون بشكل شبه كامل على النار في عمليات الخبيز وإنضاج الطعام.