استمع إلى الملخص
- قصص النازحين: تعكس قصص مثل صابرين طشطاش وسناء المطوع وإبراهيم شومر حجم المعاناة، حيث يضطرون للتنقل تحت نيران القصف ويواجهون صعوبات في الحصول على الاحتياجات الأساسية.
- الوضع الإنساني المتدهور: أدى النزوح إلى اكتظاظ المناطق الغربية، مما زاد من صعوبة الحصول على الموارد الأساسية في ظل الحصار الإسرائيلي، مع غياب الدعم الكافي.
دفعت العملية العسكرية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على شمالي قطاع غزة الأهالي إلى النزوح نحو غربي القطاع، حيث يعيشون مأساة أخرى في ظل انعدام كل شيء، لكنه يظل طوق نجاة.
يفصل أقلّ من متر مربع بين الخيام في ساحة مدرسة شهداء الشيخ رضوان الواقعة في حي الشيخ رضوان غربي مدينة غزة، وقد نصبها نازحون غادروا شمالي القطاع من جراء العملية العسكرية الإسرائيلية الثالثة التي تستهدف المنطقة منذ الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
لم يكترث هؤلاء النازحون لحال المدرسة المتهالك، والتي تهاوت جدرانها وأصبحت أجزاء كبيرة منها عبارة عن أكوام من الحجارة من جراء القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له مرّات عدة خلال الحرب المستمرة على القطاع، كما اختلطت حدودها مع ثلاث مدارس أخرى مجاورة تعرضت للقصف أيضاً.
ويشنّ جيش الاحتلال منذ نحو شهرين، عملية عسكرية على شمال قطاع غزة، وخصوصاً مخيم جباليا، وبلدة بيت لاهيا ومشروعها، وبيت حانون، ارتكب خلالها مجازر بشعة بحق عائلات فلسطينية بأكملها، مع نسف عشرات المنازل والمباني، ما دفع آلاف العائلات مجبرين إلى النزوح إلى مناطق غربي مدينة غزة.
أسفرت العملية العسكرية حتى الآن عن استشهاد أكثر من 2300 فلسطيني، ولا تزال بعض الجثامين ملقاة في الشوارع لصعوبة وصول الطواقم الطبية لانتشالها، بالإضافة إلى إصابة آلاف المواطنين، وفق وزارة الصحة في قطاع غزة.
يتكرر نزوح سكان شمالي قطاع غزة من مكان إلى آخر
تقف الفلسطينية صابرين طشطاش خارج الخيمة التي نصبتها في ساحة المدرسة بحي الشيخ رضوان، إلى جانب جاراتها من النساء، تظهر عيناها تفاصيل شهور من القهر والوجع، وأزمات الواقع الأليم الذي فرضته حياة النزوح عليها وعلى عائلتها التي تضم أشقائها الثلاثة من ذوي الإعاقة، والذين تراقب تحركاتهم بينما يتجولون بين خيام النازحين غير مكترثين لما آلت إليه أوضاعهم بعد رحلة مليئة بالمخاوف والمشقة، وصفتها بأنها "كانت رحلة عذاب".
تقول طشطاش، وهي أم لأربعة أطفال، لـ "العربي الجديد": "نزحنا من مخيم جباليا شمالي القطاع تحت نيران القصف الشديد والقذائف التي كانت تنهال علينا، حتى أصبحنا لا ندري ما يجري من حولنا من هول المشهد. حين بدأ العدوان الثالث على شمالي القطاع، كنا نحتمي في جمعية لتأهيل الأشخاص المعوقين في المخيم، وبقينا محاصرين لمدة أربعة أيام. مرّت أيام الحصار الأربعة أثقل من الجبال على قلوبنا، ثم انتقلنا إلى مدرسة أبو حسين في المخيم، إلى أن جاءت طائرات مسيرة (كواد كابتر)، وطالبت جميع النازحين بالإخلاء الفوري والتوجه إلى غرب مدينة غزة".
حزمت صابرين وعائلتها أمتعتهم البسيطة وتوجهوا نحو الحاجز الذي نصبه جيش الاحتلال قرب المستشفى الإندونيسي في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع، ومن هناك بدأت رحلة العذاب الثانية، إذ طلب منهم جنود الاحتلال ترك كل ما في جعبتهم من ملابس وأغراض، والتوجه إلى غربي غزة سيراً على الأقدام.
انتهى المطاف بصابرين وعائلتها داخل خيمة في ساحة المدرسة، حيث يمكثون حتى الآن منذ ما يزيد عن 50 يوماً، ويعيشون فصولاً من المعاناة والتعب للحصول على أي قدر من المياه والطعام، ويفتقرون إلى الأغطية اللازمة للوقاية من الأجواء الباردة والأمطار. تقول: "نشعر بأننا نعيش في الشارع، فليس هناك أي خصوصية، فضلاً عن تسرب مياه الأمطار إلى الخيمة، ما أدى إلى غرقها ثلاث مرات. أقف يومياً، رفقة أطفالي في طابور للحصول على كميات من مياه الشرب والطعام من التكيات الخيرية داخل المدرسة".
بدورها، تتقاسم سناء المطوع (45 سنة) بقية النازحين الوجع، لا سيما أنها ذاقت ويلات النزوح والتشرد تحت نيران القصف في بداية العملية العسكرية الإسرائيلية الحالية التي تستهدف مناطق الشمال. إذ عاشت ليلة دامية تحت الحصار المشدد في جباليا بعد أن دهمت آليات الاحتلال الإسرائيلي المنطقة من دون سابق إنذار، لتجد نفسها مجبرة على النزوح مع أفراد عائلتها للمرة العاشرة.
تقول سناء: "غادرت رفقة أولادي الستة المنزل الذي كان يؤوينا، وتوجهنا مع آخرين إلى الحاجز الذي نصبه جيش الاحتلال قرب المستشفى الإندونيسي، ومن هناك عانينا طوال الطريق إلى أن وصلنا إلى مدرسة الرافدين في حي الشيخ رضوان. نعيش منذ أكثر من 52 يوماً داخل أحد فصول المدرسة، والذي لا تتجاوز مساحته أربعة أمتار، وهو ذو جدران متهالكة وسقف متصدع تتوسطه تشققات وفتحات صغيرة وأخرى كبيرة، تتسرب من خلالها مياه الأمطار عند كل هطول. في كل صباح، أخرج رفقة أولادي بحثاً عن الطعام، ونجمع القليل من الأخشاب لإشعال النار للتدفئة وتسخين المياه".
ويذكر أبو محمد، وهو أحد القائمين على إدارة المدرسة أن مهام توفير الطعام والمياه وغيرها من المستلزمات الملقاة على عاتقهم زادت بعد نزوح المئات إلى حي الشيخ رضوان والمناطق الغربية من مدينة غزة، مشيراً إلى أنهم يتولون إدارة أربعة مدارس متجاورة.
ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "المدارس الأربعة تضم نحو 270 عائلة نازحة من مختلف مناطق شمالي القطاع، وجميعهم عاشوا ظروفاً قاسية خلال فترة الحصار المطبق، وحالياً يتعرضون إلى التهديدات الدائمة بتكرار النزوح، وقد زادت الأمطار الأخيرة من معاناتهم".
في مدرسة الهدى المجاورة، تتكرر المشاهد ذاتها، ويقول النازح الفلسطيني إبراهيم شومر (52 سنة) الذي يعيش داخل خيمة في ساحة المدرسة، إنه يتواجد داخل هذه الخيمة منذ أكثر من 50 يوماً رفقة عائلته المكونة من سبعة أفراد، ويعيشون حياة صعبة في ظل تردي الأوضاع والتجويع والخوف والبرد والقلق الدائم.
ويصف شومر الذي نزح من القرية البدوية القريبة من الحدود مع الأراضي المحتلة شمالاً حياة النزوح في الخيمة بأنها "مريرة وقاسية، خصوصاً مع قدوم فصل الشتاء، وهطول الأمطار خلال الأيام الماضية. نحصل على كميات قليلة من الطعام من خلال التكيات الخيرية، ونأكل عادة العدس أو المعكرونة، وهذا نمط حياتنا اليومي، كما أصطف رفقة أولادي يومياً في طوابير تعبئة مياه الشرب".
وحي الشيخ رضوان هو أحد أكبر أحياء مدينة غزة، واجتاحه الجيش الإسرائيلي في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لمدة مائة يوم متواصلة، ما أدى إلى تدمير حاراته وأسواقه ومدارسه ومساجده، إضافة إلى تشريد الكثير من سكانه الذين نزوح الآلاف منهم إلى مناطق أخرى.
وفي أعقاب حالة النزوح الكبيرة من شمالي القطاع، شهد حي الشيخ رضوان وبقية المناطق الغربية من مدينة غزة التي تضم أحياء النصر والشاطئ والميناء، اكتظاظاً كبيراً مع توافد النازحين، مع استمرار حالة التجويع التي تفرضها سلطات الاحتلال على محافظتي غزة وشمال القطاع منذ أكثر من عام.
لم يكن الحال أفضل في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، فقد شهد المخيم اكتظاظاً كبيراً مع توافد النازحين هرباً من قذائف الموت خلال العدوان الإسرائيلي.
وأنشئ مخيم الشاطئ في عام 1949 بعد النكبة الفلسطينية مباشرة، على مساحة لا تزيد على نصف كيلومتر مربع لإيواء 23 ألف لاجئ هجروا من مدن وقرى الساحل الفلسطيني، لكن هذا العدد تضاعف لاحقاً مع توافد مزيد من المهجرين.
يعيش الفلسطيني أحمد سمحان داخل محل بابه مكسور بفعل قصف إسرائيلي سابق طاول مخيم الشاطئ، وقد وضع بدلاً من الباب قطعة من شادر في محاولة لحماية أطفاله الأربعة من برد الشتاء والأمطار. يقول سمحان الذي نزح من مخيم جباليا لـ "العربي الجديد": "نقطع مسافات طويلة يومياً من أجل الحصول على بعض غالونات من المياه، خصوصاً في ظل الاكتظاظ الشديد الذي يشهده المخيم. المحل الذي لا تتجاوز مساحته خمسة أمتار، وهو يؤوي أكثر من 20 فرداً من النازحين من مخيم جباليا، والذين انتقولا معنا أولاً إلى الصفطاوي في الشمال، وصولاً إلى مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة".
ويوضح سمحان أنّ "تعجّ أسواق ومدارس وشوارع المخيم بالنازحين من شمالي القطاع، الأمر الذي يزيد من صعوبات الحصول على الطعام والمياه وغيرها من مقومات الحياة الأساسية، وذلكفي ظل غياب الدعم الإنساني، وإصرار إسرائيلي واضح على تهجير السكان من محافظتي غزة والشمال إلى الوسط والجنوب".