غابات تونس الخضراء في خطر

25 يوليو 2023
سرعة الرياح تسببت في امتداد النيران (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

لم تُتِح الحرائق المشتعلة لرجال الإطفاء في تونس استعادة أنفاسهم. ولا تكاد فرق الدفاع المدني تعلن عن السيطرة على حرائق حتى تشتعل أخرى في مناطق مختلفة من البلاد. ويعد الشريط الغربي ذو الغطاء الغابي الكثيف أكثر المناطق التونسية تضرراً من الحرائق هذا العام. 
وعلى مدى أيام، قاومت أجهزة الدفاع المدني براً وجواً الحرائق المشتعلة في جبال منطقة ملولة على الحدود الجزائرية. وبعدما خمدت، عادت لتشتعل مجدداً وبحدة أكبر يوم الاثنين الماضي، الأمر الذي استوجب الإخلاء الشامل للمنطقة من كل سكانها. وتضم قرية ملولة التابعة إدارياً لمحافظة جندوبة في الشمال الغربي التونسي أكثر من 1500 مقيم تم إجلاؤهم بالكامل نحو مراكز إيواء مؤقتة في المدن المجاورة التي طاولت النيران بعضاً من أجزائها، بعدما وصلت إلى غابات عين الصبح ووشتاتة، التي تشكل امتداداً لسلسلة جبال خمير في الشمال الغربي للبلاد. 
وقالت وزارة الدفاع التونسية إن "الوحدات العسكرية بمختلف تشكيلاتها البرية والبحرية والجوية تدخلت الاثنين لنجدة وإنقاذ أهالي منطقة ملولة بعد اشتعال النيران بالمنطقة من جديد". وأكدت في بيان أن "المروحيات العسكرية واصلت طلعاتها الجوية بالمنطقة وتدخلت بمنطقة بوترفس على مستوى المستشفى الجهوي وبالقرب من مطار طبرقة في 8 مناسبات. ومع تواصل اشتعال النيران، تم استعمال الطائرة العسكرية C130 المجهزة بمواد سائلة خاصّة يتم رشّها لإطفاء النيران ومحاصرتها والحدّ من تقدّمها". وأكدت أن "زوارق التدخل السريع التابعة لجيش البحر تدخلت لإجلاء المواطنين عبر البحر".
يقول المتحدث باسم الدفاع المدني معز تريعة إن "سرعة الرياح في المنطقة تسببت في امتداد نيران الحرائق الغابية إلى مناطق شاسعة، وسجل فجر الثلاثاء الماضي نشوب حرائق جديدة بكل من جبال عين الصبح ووشتاتة القريبتين من غابات ملولة". ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن "نيران الحرائق طاولت أيضاً مناطق غابية في كل من جبل الطويلة من معتمدية تيبار التابعة لمحافظة باجة وأخرى في جبال السعد من محافظة سليانة". يضيف: "كل هذه الحرائق اندلعت خلال ليلة الاثنين الثلاثاء، ولا تزال الجهود جارية لإخمادها، لكن الثابت أن النيران أتلفت مساحات شاسعة من الغطاء الغابي في المناطق المتضررة". 

ويشير تريعة إلى أن "حصر المساحات المتضررة من الحرائق يتم بعد السيطرة التامة على الحرائق"، مؤكداً أن "الأولوية المطلقة كانت لإنقاذ الأرواح البشرية والممتلكات في مرحلة ثانية". يتابع: "لم تسجل خسائر بشرية بين أهالي المناطق المتضررة من الحرائق أو رجال الإطفاء". 
من جهتها، أعلنت السلطات الصحية في محافظة جندوبة أن المستشفى الجهوي بطبرقة استقبل بعد ظهر الاثنين أكثر من 150 متضرراً من الحرائق التي اندلعت في عدد من مناطق طبرقة، وتم تقديم الإسعافات اللازمة لهم وإجلاء أكثر من 100 مواطن من ساكني المنطقة المتضررة. وعمدت السلطات الجهوية والمحلية إلى إيواء أكثر من 100 مواطن في مراكز إيواء إثر إجلائهم، بعدما التهمت النيران منازلهم جزئياً أو كلياً، وفق تصريحات إعلامية للمعتمد الأول الطيب الدريدي. 

يتفقد المكان بعد إخماد الحرائق (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
يتفقد المكان بعد إخماد الحرائق (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وتحوّلت أشهر الصيف في تونس إلى كابوس لدى سكان المناطق الغابية الذين باتوا في مرمى نيران الحرائق سنوياً، ما يكبدهم خسائر كبيرة في الممتلكات وقطعان الماشية، فضلاً عن تضرر الغطاء النباتي والرعوي الذي يمثل مصدر رزقهم الأساسي. 
وتقول الناشطة المدنية رانية المشرقي إن "المواطنين في مدينة ملولة والمدن القريبة منها قضوا ليلة صعبة بعد الحرائق في مراكز الإيواء واستفاقوا على مشهد قاسٍ وقاتم، بعدما كسا سواد الحرائق غابات المنطقة الأكثر إخضراراً في تونس". وتؤكد لـ "العربي الجديد" أن "المناطق الغابية لا تزال في مرمى النيران"، مشيرة إلى أن "هذا السيناريو المتكرر سنوياً بات كابوساً لسكان المناطق المهددة بالحرائق والمصنفة ضمن المعتمديات الأكثر فقراً في البلاد". 
وتوضح أن "لجنة مجابهة الكوارث في المنطقة لم تتمكن بعد من حصر عدد التجمعات السكنية المتضررة في جبال ملولة وبالتالي الخسائر، إلا أن بعض المواطنين قرروا بعد هدوء النيران مغادرة مراكز الإيواء المؤقتة والعودة إلى بيوتهم التي لم تتضرر من الحرائق". 
وظهر الاثنين، أعلنت رئاسة الحكومة تركيز خلية أزمة إثر اندلاع النيران في منطقة ملولة من ولاية جندوبة. وقالت في بيان على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" إن "خلية الأزمة ستتولى تنسيق جهود مختلف الأطراف المتدخلة للسيطرة على هذه النيران وإخمادها، وحماية المواطنين وممتلكاتهم، على أن تظل في حالة انعقاد دائم إلى حين السيطرة على هذه الحرائق". 

واقتربت الحرارة في تونس يومي الاثنين والثلاثاء من 50 درجة حتى في شمال البلاد، بزيادة تتراوح بين ستّ وعشر درجات عن المعدل الموسمي، ما تسبب في انقطاع الكهرباء تزامناً مع اندلاع الحرائق التي أججتها ووسعت رقعتها رياح الشهيلي الجنوبية. 
بالإضافة إلى الحرائق في المناطق الغابية، تسبب الحر كذلك في اندلاع حرائق محاذية لخطوط نقل الكهرباء في تونس. وأثرت هذه العوامل الإسثنائية على مستوى توزيع الكهرباء، واضطرت الأجهزة المعنية إلى اللجوء الاضطراري والاستثنائي إلى القطع الجزئي للأحمال للحفاظ على سلامة شبكة الكهرباء. 
وقالت الشركة التونسية للكهرباء والغاز الحكومية في بيان إنها "تسخر كافة إمكانياتها اللوجستية وفرقها الفنية في كل فروعها بكامل تراب الجمهورية، من أجل التدخل السريع كلما اقتضت الحاجة لذلك لضمان الحد الأقصى من استمرارية هذا المرفق العام".
كذلك، أعلنت سلطات تونس نهاية الأسبوع الماضي اضطرارها إلى تقسيط الكهرباء تفادياً لأعطاب كبيرة، نتيجة موجة الحر العالية التي تمر بها البلاد، وتسجيل أرقام قياسية جديدة في الطلب على الطاقة الكهربائية بلغت 4825 ميغاواطاً. كما نقلت مواقع التواصل الاجتماعي تذمر الكثير من التونسيين من القيظ وشبهوا البلاد بالفرن الكبير، الأمر الذي أثر على سير كل المرافق العامة وجعل الشوارع شبه فارغة من المواطنين الذين التزموا بيوتهم لتوقي ضربات الشمس. 

المساهمون