عيد مصر: شراء اللحم أولوية واهتمام بالفُسَح

09 يوليو 2022
تنصبّ استعدادات المصريين على تدبير اللحوم (فضل داود/ Getty)
+ الخط -

يحيي المصريون عيد الأضحى من خلال عادات جلب اللحوم بالدرجة الأولى، وليس الملابس الجديدة، والحرص على الخروج للتنزه. وهنا يسأل ميكانيكي يعمل في ورشة بمنطقة العمرانية بالجيزة، ويدعى صبحي صابر: "إذا كان الإقبال الأكبر على تدبير اللحوم، فمن يشكو فعلياً من الفقر والعوز؟". يرد عليه أحد زبائنه سامح رشيد، وهو مدرس: "تضررت فئات من الأزمة، واستفادت أخرى منها، ما غيّر بعض وجوه من يقف أمام أبواب الجزارات استعداداً للعيد، أما العدد الوسطي فيظل ثابتاً".
يقول صبحي، وهو رب أسرة أربعيني، لـ"العربي الجديد"، إنه يشعر مثل باقي المصريين بأسى شديد من ارتفاع الأسعار وتراجع المداخيل، مشيراً إلى أن عدد السيارات الذي كانت تستقبله الورشة التي يعمل فيها انخفض من أكثر من عشر سيارات إلى سيارتين يومياً، ويعلّق: "بات أصحاب السيارات يفضلون ركنها واستخدام المواصلات العامة مع ارتفاع سعر البنزين. والذين يضطرون لاستخدامها، لا يقصدون الميكانيكي إلا إذا عجزت تماماً عن السير".
يؤكد صبحي أنه يخفّض نفقاته الشخصية، ومنها تلك الخاصة بعيد الأضحى، ويشرح: "بتّ أخيّر أفراد أسرتي بين اللحوم والملابس، أو الخروج للتنزه في أيام العيد، في حين كنت أحاول في السنوات السابقة التوفيق بين قليل من نفقات الملابس والطعام والخروج إلى الحدائق العامة التي باتت مكلفة أيضاً اليوم". ومن بين استعدادات العيد التي شرع في تنفيذها أيمن فتحي، وهو مدرس في الثلاثينيات من العمر، مشاركة سبعة من زملائه في المدرسة في شراء أضحية بقيمة 50 ألف جنيه (2500 دولار)، حيث يحصل كل منهم على نصيبه من الأضحية بالتساوي.
ويقول أيمن لـ"العربي الجديد": "جرى ترتيب الخروج هذا العام عبر نزهة على متن مركب نيلي تنضم إليها عائلات تلاميذ ومدرسين. اقترح الفكرة عدد من التلاميذ ووافق الجميع عليها. سيهتم البعض بالترتيبات، ونحن سندفع التكاليف وننضم إلى الرحلة". ويرى أيمن أن هذه الفسحة ستكافئ الزوجات تحديداً بعدما أمضين أياماً من التعب للاستعداد للعيد، إذ ينهمكن طوال الأيام السابقة للعيد في تنظيف السجاد والشقق.

من جهته، يكشف أمجد الصيرفي، الطالب في كلية الطب بجامعة خاصة بالقاهرة، أن استعداداته لعيد الأضحى تشمل كيفية ترتيب نوع من العطلة في منتجع بالساحل الشمالي كي يلتقي مع الأقارب بعيداً من ضغوط العمل والمشاغل اليومية. ويقول لـ"العربي الجديد": "ليلة العيد هي العيد الحقيقي الذي ينقضي ببهجة مساعدة عمال المنطقة في الاستعداد للمراسم". أما المشكلة بالنسبة إليه وإلى أصدقائه فتتمثل في أنهم لا يهنأون بارتداء الملابس الجديدة التي اشتروها قبل أيام بسبب نومهم طوال يوم العيد بعد السهر خلال ليلة حلوله، ثم يبدأ سيناريو جديد يتكرر في كل عيد عبر عودة الأسرة للشاليه عقب صلاة العيد وتهنئة الأصدقاء، ثم تجهيز الخروف الذي اشتروه قبل أيام استعداداً لذبحه.
في منطقة العمرانية الشعبية بالجيزة (غرب)، لا استعدادات مميزة للعيد، ويساهم منتصر السويفي الذي يعمل كعنصر أمن في شركة خاصة، مع عشرات الأشخاص في تنظيف الأرض وفرش السجاد وتعليق عشرات البالونات في ساحة عامة تخصص للصلاة.

نزهة في مركب بالنيل بين أفكار إحياء العيد (خالد دسوقي/ فرانس برس)
نزهة في مركب بالنيل بين أفكار إحياء العيد (خالد دسوقي/ فرانس برس)

وحين تنفك ربطات البالونات بعد انتهاء خطبة العيد، وتطير في الهواء حيث تتعلق بها عيون الصغار الذين يفرحون بالتقاطها، يفرح منتصر بأنه خصص جزءاً من وقته في تنفيذ مهمة أسعدت الصغار وأهلهم، ثم يفتح أكياس الحلوى التي اشتراها، وينثرها، فيتنافس الجميع على التقاطها وهم يقفزون فرحاً. واللافت أن منتصر لم يشتر ملابس العيد، كما لم تستعد أسرته للعيد بشراء الأضاحي، نتيجة ضيق الحال الذي يتزايد يوماً بعد آخر. وإن كان لا بد من تخصيص مشروع للخروج في يوم العيد، فاتفق منتصر مع أصدقائه على مشاهدة فيلم سينما.
وتختلف أجواء العيد في قرية بني عدي بأسيوط (جنوب)، فالأهم يشمل زيارة المقابر بعد انتهاء خطب المساجد والشيوخ. وقبل أيام من العيد، تعد أسرة سمر عبد الصبور، الطالبة في جامعة القاهرة، معجنات تحمل اسم "الرحمة" تمهيداً لتوزيعها على أطفال يسكنون مع ذويهم في المقابر. وهم يزورونهم بعد صلاة العيد، وتفقّد الأحباء غير الأحياء.

وبين الاستعدادات أيضاً السفر إلى البلدات قبل أيام من حلول العيد. تقول سمر المتحدرة من القرية: "يفضل أهل الجنوب قضاء العيد مع موتاهم في المقابر، وكأنهم ينقلون رسالة بأنهم حرموا أنفسهم من البهجة بعد فراق أحبابهم".
تضيف: "يساورني شعوران متناقضان، أولهما بفرحة العيد والملابس الجديدة التي يحرص والدي على شرائها لي رغم أنه أحيل على المعاش، والثاني بالحزن من فقدان جدتي التي كنت أحبها".
وتؤكد سمر حرص والدها على استباق العيد بشراء اللحوم، خصوصاً "الكبدة"، التي تمثل الإفطار المفضل للأسرة صباح يوم العيد. أما الخروج فيكون غالباً لحضور مناسبة زفاف أحد الأقارب أو المعارف، حيث يفضل المصريون إجراء هذه المناسبات خلال الأعياد.
وتلقت أسرة سمر تحذيرات من الأهل بعدم شراء لحوم الجواميس والأبقار هذا العام إلا من مصدر موثوق، أو الاعتماد على لحوم الخراف والماعز من دون الأبقار، بسبب الخوف من مرض الحمى القلاعية.

المساهمون