عيد جديد يمر على النازحين في الشمال السوري يحيي في نفوسهم الأمل بالعودة، ويرجع بهم لذكريات الماضي فيحنون للقاء ابن أو صديق أو عزيز فقدوه خلال السنوات الماضية، كما يتطلعون للعودة إلى منازلهم والاستظلال بأشجار غرسوها في أرضهم تمنحهم سلاماً وطمأنينة فقدوها.
خديجة الجدوع نازحة سورية في مخيم التح، شمال إدلب، تحمل في جعبتها الكثير من الهموم والأماني، وتقول لـ"العربي الجديد" عن طقوس العيد قبل النزوح: "عندما كنا في البلدة، كنا نحضر الحناء ونحني الأطفال في ليلة العيد، نحضّر المهلبية ونخثّر اللبن ونحضّر القهوة أيضاً، وفي يوم العيد يتبادل الأهالي الزيارات بخير وسلام، كان الخير وفيراً، نهار العيد كان نهار فرحة، العيد هذا لا يشبه العيد، لا أحد من حولي العائلة متفرقة في لبنان وتركيا وكل فرد في مكان. هذا عيد القهر بكيت كثيراً في الصباح، هذا العيد الثالث هكذا هموم بهموم، أكثر ما يثير حزني هو عدم وجود أولادي بالقرب مني".
تضيف الجدوع وهي تغالب دموعها: "أتمنى أن نعود إلى بلادنا وأن نعيش في الدار بين أشجارنا وأرزاقنا، مشتاقة كثير، أولادي في المقبرة عاهدت نفسي أن أنام بقربهم في المقبرة يومين متتاليين، استشهد ثلاثة منهم مع أبيهم، تركنا كل شيء خلفنا، عندي ستة أولاد توفي منهم ثلاثة".
ويقول عبد الناصر يوسف، ناشط ثوري من خان شيخون بريف إدلب، لـ"العربي الجديد": "اليوم أتيت بزيارة إلى المخيم، وهو أول يوم في عيد الفطر أوجه تهنئة لأمهات وزوجات الشهداء والمعتقلين والجرحى. عام 2011 عندما سلكنا طريق الثورة، لم نكن نتوقع أن نعيش، قدمنا أرواحنا، الكثير من اصدقائي ضحوا بأرواحهم، وهذا المخيم يضم مهجرين تركوا بيوتهم وأموالهم وبيوتهم لكن هذا ليس خسارة أمام الكرامة والمبادئ والدين والقيم، بشكل عام الخيمة ليس فيها أدنى متطلبات الحياة لكن الخيمة خيمة عز وخيمة شرف وهذه قناعتي".
وأضاف: "لا أتوقع بعد أن شاهدت مقاطع مجزرة حي التضامن أن نستطيع العيش مع النظام، هؤلاء ليسوا بشراً ولا يرتقون أن يكونوا حتى مجرمين. العيد يذكرنا بالأقارب والجيران والرفاق والشهداء والاجتماع في البلدة والجولات الجماعية والزيارات خارج البلدة، هي فرحة لنا لمدة ثلاثة أيام بحالة النزوح هناك دمعة تقف في العين وغصة، اليوم هناك تفكك وكثير من الغصات، لكن هناك أمل بالنسبة لنا دائماً".
وتقول أم خالد، سبعينية مهجرة من ريف حمص الشمالي، لـ"العربي الجديد" إنها مبعدة عن أرضها وبيتها منذ أربعة أعوام، تحّن لبيتها وفسحته ولصباح العيد الذي يجتمع فيه الأبناء والأحفاد عندها في البيت فيبعثون فيه الحياة.
وتضيف أم خالد "العيد هنا في الخيم منقوص ليس العيد الذي اعتدناه، الأبناء والأحفاد اليوم بعيدين عني، ولقائي بهم بمكالمة عبر الهاتف يدفع بدموعي للجريان فوراً، أصبح الأحفاد الصغار شباباً، كبروا بعيداً عن ناظري، وهناك من ولد في بلاد اللجوء ليس لدي فرصة أن أضمه، كل ما أرجوه هو لقاء يجمعني باحفادي وأبنائي قبل أن أفارق الحياة".
وتبقى تطلعات النازحين والمهجرين للعودة وانتهاء حقبة نظام الأسد في مقدمة أمانيهم لهذا العيد، كما كانت في السابق، لتنتهي معها حياة النزوح في المخيمات التي يعانون فيها من أزمات لا تنتهي.