عيد الميلاد في العراق: احتفالات بمن بقي

25 ديسمبر 2022
تبقى لعيد الميلاد بهجته (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

يستذكر المواطن العراقي زهير متي، رفاقه وأقرباءه من الطائفة المسيحيّة الذين كانوا يُمثّلون شريحة كبيرة في حيّ الكرادة الشرقية، أحد أحياء بغداد المشهورة، الذي يقع على الجانب الشرقي لنهر دجلة المسمى جانب الرصافة من بغداد، واحتفالهم بعيد الميلاد وتجوالهم في الأسواق والحدائق العامة.

لكن في الوقت الحالي، بقي في الحي عدد قليل من المسيحيين، بعدما هاجر أغلبهم إلى خارج البلاد جرّاء المضايقات والتهديدات والاستهداف المباشر لهم من الجماعات المتطرفة والمسلحة، فضلاً عن الاستيلاء على أملاكهم ومصادر رزقهم.
ويقول متي (48 سنة) لـ"العربي الجديد": "كانت أجواء الميلاد قبل عام 2003 مختلفة تماماً، في ظل الوجود المسيحي في معظم مناطق العاصمة بغداد ومحافظات وسط البلاد وجنوبها وغربها. حتى إن احتفالات رأس السنة تراجعت بفعل ارتفاع نسبة الهجرة نحو دول العالم". يضيف أن "حيّ الكرادة، على سبيل المثال، كان يضمّ مئات العائلات المسيحية المتعايشة مع بقية مكونات الحيّ. حالياً، يوجد نحو 25 عائلة مسيحية، إلا أنها تتعرض لمضايقات وتشعر بالتهميش".  
يضيف أن "المسيحيين في بغداد والمحافظات الأخرى مثل كركوك، يتوجهون إلى مدينة أربيل للاحتفال، ولا سيما في حي عينكاوا الذي يمثل نقطة تجمّع المسيحيين العرب. وهناك يلتقون ويُقيمون الحفلات في القاعات والحدائق. ولا تخلو احتفالاتهم من النقاش في الوضع السياسي والأزمات التي يعانون منها، مثل الاستيلاء على أملاكهم، فضلاً عن ملف تمثيلهم السياسي في البرلمان والحكومات". ويشير إلى أن "العراق بات بلداً طارداً للأقليات بسبب السلاح المنتشر والمتفلت. لذلك، إن النسبة القليلة من المسيحيين في العراق هي الأخرى تفكر في الهجرة".
خلال السنوات الماضية، بدت الاحتفالات بعيد الميلاد خالية من المسيحيين. وعادة ما لا يخرجون من منازلهم ليلة الميلاد أو يسافرون لقضاء إجازة العيد خارج البلاد. مع ذلك، يقضي العراقيون أوقاتاً مرحة ليلاً، ويتجمعون في الأسواق والمجمعات التجارية رغم الزحام. إذ يعتبر البعض هذه الليلة "واحدة من ليالٍ قليلة في العمر".
وتُعد ساحات التحرير والفردوس والنسور وسط بغداد، بالإضافة إلى شارع المتنبي، من أهم مراكز الاحتفالات. وتحرص وزارة الثقافة بالتعاون مع أمانة العاصمة على إعداد فعاليات متفرقة، منها عروض مسرحية وفنية، وتوزيع الأعلام العراقية وسط أجواء من الفرح، والرقص حتى ساعات متأخرة من الليل. وتترافق الاحتفالات مع تأهب أمني في ظل تصاعد وتيرة الخطابات المتطرفة من قبل بعض رجال الدين، التي عادة ما تسبق الاحتفالات بأسبوع أو أقل.

الصورة
يتوجه البعض إلى أربيل للاحتفال (صافين حامد/ فرانس برس)
يتوجه البعض إلى أربيل للاحتفال (صافين حامد/ فرانس برس)

من جهتها، تقول وسن شوكت (27 سنة) إن "ليلة الميلاد تعد موجعة بالنسبة إلى ما بقي من المسيحيين في البلاد، فهم يستذكرون أيامهم الخوالي حين كان عددهم كبيراً، وقد اعتادوا الاحتفال مع جميع العراقيين"، وتوضح لـ"العربي الجديد" أن "المسيحيين يفضلون عادة الاحتفال في منازلهم وإعداد الحلويات وبعض الأكلات العراقية المشهورة مثل الدولمة والبرياني والسمك المسكوف. وفي المساء، يجتمعون للحديث في شؤون متفرقة، وأحياناً يقصدون الحفلات بعد الساعة الـ12 ليلاً". 
وفي وقتٍ سابق، قال بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق والعالم، الكاردينال لويس ساكو، إن "السبب الرئيسي لاستمرار نزوح آلاف الأسر المسيحية من معظم المدن العراقية يعود إلى هيمنة الجماعات المسلحة وغياب البيئة الآمنة لهم". ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه "يتمنى ألا يصل اليوم الذي يكون العراق فيه خالياً من المسيحيين. لكن للأسف، هذا احتمال وارد في ظل التمييز ضد المسيحيين المستمر من قبل جهات متعددة، من ضمنها مليشيات مسلحة وأحزاب فاسدة، وغياب الخدمات وفرص العمل ورؤية واضحة للمستقبل".
أما رندا خالد (32 سنة)، التي تسكن في محافظة كركوك شماليّ العراق، فتشير إلى أنها ستحتفل مع صديقاتها من المسلمات في منزل إحداهن، لأن عيد الميلاد ليس للمسيحيين فقط. كذلك فإنها حرصت على شراء الهدايا لهنّ. وتؤكد لـ"العربي الجديد" أن "المشاكل الكثيرة التي لحقت بالمسيحيين، من اضطهاد وتهميش وإرهاب، وتحديداً خلال فترة احتلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لمدن العراق، كان لها تأثير كبير في المسيحيين. لذلك، فهم ينتظرون أي فرصة للفرح والاحتفال".

وتلفت إلى أن "الكثير من المسيحيين لا يفكرون في الهجرة من العراق، لأنهم يرفضون العيش كلاجئين في الخارج. لذلك، يجب على السلطات تقدير تضحيات المسيحيين واحترام وجودهم واستقلاليتهم وحرياتهم، ومنع أي طرف أو جهة من الاعتداء عليهم". وترى أن "فرصة الاحتفال بعيد الميلاد تجعل المسيحيين في العراق أمام فرصة لإظهار أنفسهم، لا لإخفائها بسبب المشاكل الأمنية، لأنهم جزء مهم في العراق. ويتفق جميع العراقيين على أهمية وجود المكون المسيحي، ويرفضون تحويل البلاد إلى لون واحد فقط".
وشهد العراق انخفاضاً كبيراً في أعداد المسيحيين، بحسب عضو مجلس النواب يونادم كنا. ويقول لـ"العربي الجديد" إنه "بعدما كان عددهم يتخطّى مليوناً ونصف مليون عراقي، فإنّهم لا يزيدون حالياً على 400 ألف ويتوزّعون بين المناطق الخاصة لسلطة بغداد ومناطق إقليم كردستان العراق".
يُذكر أنّ السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق عام 2003، شهدت حملات هجرة واسعة لمسيحيي العراق الذين توجّهوا إلى دول مختلفة بسبب استهدافهم من قبل التنظيمات الإرهابية وحملات التضييق التي شاركت فيها مليشيات مسلحة. وتطالب قوى وجهات مسيحية فاعلة في العراق حالياً بإخراج الفصائل المسلحة التي تسيطر على مناطق عدّة في سهل نينوى، إذ إنّ وجودها عامل عدم استقرار، ولا يشجّع على عودة أهل المناطق إليها، وهم من الأغلبية المسيحية.

المساهمون