عيد المغرب: تقاليد تتحدى مصاعب المعيشة

23 ابريل 2023
طقوس العيد متوارثة في المغرب (جلال مرشدي/ الأناضول)
+ الخط -

لم تمنع الأوضاع المعيشية المتردية بسبب غلاء الأسعار العائلات المغربية من التمسك بالعادات والتقاليد المتوارثة للاحتفال بـ"العيد الصغير"، كما يطلق عليه شعبياً، ومن بينها الاستعداد له بشراء الملابس التقليدية، والجديدة، وإعداد الحلويات، وإقامة الولائم.
وتراجع الإقبال خلال السنوات الأخيرة على الأسواق خلال العشر الأواخر من شهر رمضان لاقتناء الملابس التقليدية، وملابس الأطفال، وشراء مستلزمات إعداد حلويات العيد. في جولة لـ"العربي الجديد" في حي السويقة، القلب التجاري للمدينة العتيقة في الرباط، يؤكد كثيرون توفر السلع والمستلزمات الضرورية للعيد، بيد أن ارتفاع الأسعار ينعكس سلباً على حركة الشراء.
يقول حمزة الشاوي، وهو بائع ملابس تقليدية: "العيد فرصة لنا كتجار لرفع قيمة نشاطنا التجاري، لكن وتيرة الإقبال على الملابس التقليدية كالجلابة والجابدور والكندورة أقل من التي عهدناها في السنوات التي سبقت جائحة كورونا، إذ تدهورت القدرة الشرائية للمواطنين"، ويضيف لـ"العربي الجديد" أنه "رغم أن المحال التجارية والأسواق تغص بالراغبين في شراء ملابس العيد للأطفال والكبار، إلا أن الحركة التجارية أقل في ظل الأسعار المرتفعة التي تصدم المواطنين، وتدفعهم إلى البحث عن حلول أخرى لإدخال البهجة على قلوب أسرهم".
ورغم غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار مقارنة مع العام الماضي، إلا أن العديد من العائلات فضلت إسعاد أطفالها خلال العيد. تقول سميرة الطاهري (46 سنة) إنها اختارت التوجه إلى سوق حي الانبعاث الشعبي في مدينة سلا، المجاورة للعاصمة الرباط، بحثاً عن ملابس بأسعار مخفضة، بعد أن قامت طيلة الأسبوع بجولات استكشافية في الأسواق والمتاجر. "اخترت إرضاء أطفالي الثلاثة وإدخال الفرحة على قلوبهم، لكن الأسعار الملتهبة ونفقات شهر رمضان جعلتني مضطرة للبحث عن ملابسهم في هذا السوق الشعبي، حيث الأسعار منخفضة عن نظيرتها في المراكز التجارية والمتاجر الكبرى".
تتابع الطاهري في حديث مع "العربي الجديد": "الأسعار ارتفعت كثيراً مقارنة مع العام الماضي، فاقتناء سروال جينز وقميص وحذاء لطفل في العاشرة من عمره يتطلب ما يقارب 700 درهم (نحو 70 دولاراً) وهو رقم يزيد من محنة العائلات الفقيرة التي تضم أكثر من طفل. إجمالي تكلفة شراء ملابس العيد لأطفالي الثلاثة من سوق حي الانبعاث الشعبي كان نحو ألف درهم (100 دولار) وهو ما يتناسب مع الميزانية التي أعددتها، ويجنبني الإحراج مع أبنائي".

يحرص المغاربة على صلاة العيد (جلال مرشدي/ الأناضول)
يحرص المغاربة على صلاة العيد (جلال مرشدي/ الأناضول)

وإن كان "العيد الصغير" يمثل لأطفال المغرب فرحة مختلفة يحرص الأهل على نشرها كل بحسب قدراته المادية، إلا أن الاحتفال به يرتبط بعادات وطقوس دينية واجتماعية متوارثة، قد تختلف نسبياً بين منطقة وأخرى، غير أن القاسم المشترك هو إشاعة الفرح وروح التضامن وتقوية الأواصر بين أفراد العائلة والمعارف والجيران.
يقول أحمد الوافي، وهو معلم متقاعد، إن لعيد الفطر نكهة خاصة في المغرب، حيث تسود أجواء روحانية مفعمة بمعاني التلاحم والتضامن، ويكون الاحتفال مناسبة للقاء الأهل والأصدقاء، وتقوية العلاقات الاجتماعية. ويضيف: "المغاربة يقدسون عيد الفطر، ويشرعون منذ الفجر في الاحتفال من خلال إعداد وجبات الفطور، وارتداء اللباس التقليدي، والتوجه إلى المصليات لأداء صلاة العيد، حيث يتعالى التكبير والتسبيح، ولا يتفرقون إلا وقد عانق أحدهم الآخر، وبعد فروغهم من الصلاة، يتجهون لزيارة الأهل والجيران والأصدقاء لتقديم التهاني، فتقدم لهم كؤوس الشاي والحلويات المغربية مثل كعب الغزال، والغريبة، والفقاص، وفطائر المسمن الشعبية، كما تعمل الأسر على تبادل وجبات فطور العيد، وعلى التجمع في بيت كبير العائلة أو المنطقة لتناول الفطور".

في أول أيام عيد الفطر، تحرص الثلاثينية نادية المرسلي، وهي موظفة حكومية، على ارتداء الملابس التقليدية التي تقتنيها خصيصاً لهذه المناسبة، كما تنقش الحناء، فضلاً عن تنظيف البيت وتجهيزه لاستقبال الضيوف، واقتناء حلويات لتزيين المائدة. تقول لـ"العربي الجديد": "بهجة العيد لا تكتمل إلا بإضفاء سحر خاص على البيت من خلال إحياء الطقوس والعادات العريقة، فالعيد فرصة لا تتكرر كل يوم، لذا أعددت كل ما يلزم، وكل ما يليق للاحتفال مع أسرتي.  مشقة التجهيز للاحتفال لا تقارن في مقابل السعادة والبهجة التي نعيشها وسط الأهل والأقارب على مدار أيام العيد، بعيداً عن ضغوط المعيشة والانشغال اليومي وظروف العمل".
وفضلاً عن العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية المتوارثة، يتميز عيد الفطر في المغرب بطابع خاص، إذ يعد فرصة لصلة الرحم، وتحقيق اللمة العائلية التي تعتبر من الموروثات، إذ يشد الآلاف الرحال داخل البلاد، ومن بلاد المهجر، ليستمتعوا بلقاء الأهل والأحباب في العيد. 
من بين هؤلاء عبد الكريم البوعزاوي، الذي يعيش في مدينة تورينو الإيطالية. يقول: "قضاء عيد الفطر بين أحضان العائلة والأقارب يختلف كثيرا عنه في الغربة. هنا في مدينة الرباط يمكننا اقتناص ساعات فرح نفتقدها بعيداً عن الوطن، هنا نستعيد أجواء العيد المميزة، وذكرياتنا من الماضي مع الأهل والأصدقاء، لكل هذه الأسباب، اعتدت منذ عشر سنوات العودة إلى مسقط رأسي في الأسبوع الأخير من شهر رمضان وفي الأول من ذي الحجة لقضاء تلك الأيام المباركة في بلدي".

المساهمون