عودة إلى منتخب البرازيل

29 نوفمبر 2022
يهتفون للبرازيل (جابين بوتسفورد/ Getty)
+ الخط -

ثمّة حاجز بيني وبين لاعبي كرة القدم الحاليين. وكأنني أخشى التعرف إلى الأسماء الجديدة كما أخشى التقدم في العمر. أسماء أراها طُبعت مع صور أصحابها على شكل بطاقات لاصقة. ويمكن هواة جمع هذه الصور لصقها أينما شاؤوا، أو على ألبوم مونديال قطر 2022. والأمران لم يستهوياني، وإن كان جمع هذه الصور أو الألبومات قد يُصبح ذا قيمة في المستقبل. هي ذلك النوع من الأغراض الثمينة التي تُنسى في صندوق كبير، قبل أن يأتي الوقت المناسب لفتحه ونبش أغراضه واسترجاع الذكريات. 
وكامرأة تشجع منتخب البرازيل منذ كانت طفلة، تماهياً مع والدها، والحديث المتكرر عن قدرات اللاعبين على المراوغة وعشقهم للكرة والتعامل معها باحترافية، ما زلت أحتفظ في ذاكرتي بصور المنتخب البرازيلي الذي ضمّ في أحد الأيام كلاً من روبرتو كارلوس ورونالدو. أما اللاعبون الجدد، رغم أهميتهم الكروية وحلاوتهم، فلم يتركوا الأثر الجميل الذي تركه القدامى، وقد حرّروا فيّ بعضاً من مراهقتي. وكأنهم كانوا يدعونني إلى الفرح والرقص والتمرد وصياغة الهوية التي أريدها لنفسي.  
لم أعرف لماذا البرازيل، إذا ما استبعدتُ احتمال تشجيع المنتخب بالوراثة. أفكّر في أن علاقة طبقية فرضت تقارباً مع البرازيل -وخصوصاً أصحاب البشرة السوداء- على عكس الرجل الأبيض -البرازيلي وغير البرازيلي-... وحدة الحال، وإن كان هناك فرق كبير بيننا كشعبين، كانت أساسية. وإدراكي أن لاعبي البرازيل يتقاضون مبالغ خيالية، لم يجعلني أنظر إليهم إلا كفقراء كانوا يوماً يمررون الكرة بين أقدامهم الحافية. يلعبون الكرة ويرقصون السامبا.  
ترتبط كرة القدم في البرازيل أساساً بالثروة، وكانت في البداية ملكاً للأندية الغنية، ثم أصبحت شائعة لدى المبشرين المسيحيين في مدارس النخبة. وكان الرجال يرتدون البذلات، والنساء الفساتين التي ترمز إلى الثراء خلال مشاهدة المباريات. وفي الوقت الذي دخلت فيه كرة القدم البرازيل، كانت البلاد لا تزال تحت تأثير عصور الاستعمار والرق. نتيجة لذلك، اكتسبت كرة القدم طابعاً عنصرياً لا يزال موجوداً حتى اليوم.   

موقف
التحديثات الحية

ومع الوقت، باتت كرة القدم للجماهير الفقيرة، وخصوصاً البرازيليين الأفارقة، وسيلة لتحسين حياتهم. وكان أحد أفضل لاعبي كرة القدم البرازيليين آرثر فريدنريتش، وهو من أوائل النجوم السود في تاريخ كرة القدم البرازيلية. على الرغم من ذلك، فقد عانى طويلاً من العنصرية، إلى درجة أنه حُرم بعض الأنشطة الاجتماعية، كالسباحة. وإن كانت منتخبات اليوم تضم خليطاً من البيض والسود، إلا أن الملاعب ما زالت أرضاً للتمرد والثورة، وهي تشبه هنا السامبا، لا كفن واستعراض وجمال فحسب، فالسامبا ترتبط بتاريخ الاستعمار والرق للسود الأفارقة الذين جلبهم التجار البرتغاليون إلى ولاية باهيا في البرازيل، فاحتفظوا بعاداتهم في الرقص وقرع الطبول ونشروها في البرازيل، على الرغم من محاولة الأوروبيين منعهم من ذلك، لأنهم كانوا ينظرون إلى هذه الأشياء على أنها مبتذلة. 
نشأت رقصة السامبا في البرازيل في أوائل القرن التاسع عشر، وتعود غالبية حركات هذه الرقصة إلى رقصات أفريقية قديمة كانت بدايتها في مزارع قصب السكر البرازيلية، وبمجرد انتهاء العبودية، هاجر الراقصون إلى أحياءٍ فقيرة أو مدن الصفيح خارج المدن، حيث قدموا عروضاً صاخبة وحرة.  
حتى اليوم، تربطني مشاعر قوية حيال المنتخب البرازيلي، الذي بدأت أتعرف إلى لاعبيه مع بدء مونديال قطر 2022. أسماء معظمها جديدة بالنسبة إليّ. أقرأ عنهم وأحاول التعرف إليهم من كثب. أنشئ علاقة جديدة بمنتخب تابعته قبل أربع سنوات بزخم أقل. اليوم أعود إليه مجدداً، رغم غياب روبرتو كارلوس ورونالدو.

 

المساهمون