خضع اسماعيل أبو موسى (34 عاماً) لعملية جراحية يوم الثلاثاء 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد تعرضه لإصابة في الرأس من جراء القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. استيقظ ليجد نفسه عند مدخل مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس. اضطر الأطباء إلى إجراء العملية من دون معقمات. حين كان الطبيب يطلب شيئاً ما، كان الرد يأتيه بأنه "غير متوفر"، وذلك على مسمع المصاب.
استخدم الطبيب المياه لمسح جروح الرأس، كما يوضح أبو موسى. يضيف أن الطبيب أخبره أن المعمقات غير متوفرة، ولا بديل عن المياه والقطن. إلا أنه شعر بالألم خلال عملية إغلاق الجروح.
يقول أبو موسى لـ "العربي الجديد": "يستخدم الأطباء الخل لتعقيم جروح عدد من المصابين في البطن أو الظهر، والمياه للمصابين مثلي. بعد يومين، شعرت بألم كبير حتى أن المسكّن لم يكن فعالاً. أشعر بدوار طوال اليوم". يضيف: "أحياناً يقف المصابون خلال علاجهم بسبب ضيق المكان وعدد الإصابات الكبير".
وتستقبل غرف العمليات الإصابات الحرجة في ظل النقص الحاد في المعدات الطبية والأدوية والمعقمات ومواد التخدير. وتعتمد طواقم المستشفيات "خطة الإنعاش"، أي استخدام الأدوية وغيرها للحالات الحرجة فقط.
ويحرم الجرحى من العلاج الأمثل في ظل هذا النقص. وخصصت الطواقم الطبية خياماً في مرافق المستشفى أمام أقسام الطوارئ، ويصنف المصابون بناءً على تقييمات أولية. في بعض الأحيان، يجري الأطباء عمليات صعبة في أقسام الطوارئ بسبب امتلاء غرف العمليات وعدم وجود أسِرة فارغة فيها، بحسب طبيب جراحة العظام في قسم الطوارئ في مستشفى خان يونس أحمد عبد الهادي. ويحرص الأطباء على توفير ما أمكن من معدات خلال العمل، مع السعي إلى ضمان ألا يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة للمريض.
ويقول عبد الهادي لـ "العربي الجديد": "أجرينا العديد من العمليات الجراحية لجرحى بمختلف أنواع الإصابات من دون تخدير، كونه غير متوفر بشكل كاف في المستشفى. وليس سهلاً على الطبيب رؤية المصاب يتألم، ولا يمكنه غير مواساته". يضيف أن "الطواقم الطبية تستقبل كل يوم أقارب لها من المصابين والشهداء".
ويشدد عبد الهادي على أن عدداً من الأطباء يزودون المرضى بمسكن للألم وخافض حرارة في حال حدوث أي مضاعفات، مع التأكيد على أخذ الأدوية عند الحاجة بسبب الكميات المحدودة. ويشير إلى حصول بعض المرضى على مضادات حيوية لمنع حدوث التهابات في الجروح. ويوضح أن تكثيف القصف الإسرائيلي مؤخراً على مدينتي خان يونس ورفح ووسط قطاع غزة وارتكابه المجازر وادعاءه أنها مناطق آمنة قبل قصفها، أدى إلى تفاقم أزمات الطواقم الطبية في مستشفيات الجنوب التي تستقبل على مدار الساعة العديد من الإصابات.
ويقول مدير عام مجمع الشفاء الطبي محمد ابو سلمية لـ "العربي الجديد": "تعجز طواقم الطب الشرعي والأدلة الجنائية عن تحديد مدى قوة هذه الأسلحة التي تصيب الفلسطينيين، والتي قد تكون غالبيتها محرمة دولياً. نعمل بما هو متاح. القطن غير متوفر في بعض الأقسام والمستشفيات، وتعمل الأقسام على تزويد بعضها البعض بما أمكن مع الحرص على عدم الإسراف في الكميات المتوفرة". يضيف أن الأطباء يعالجون المرضى وهم يتألمون.
من جهته، يقول رئيس قسم العظام بمستشفى الشفاء في غزة، عدنان البرش: "نستخدم القليل من المعقمات ومواد التخدير في بعض العمليات الصعبة". يضيف أن المستشفى يستقبل عدداً كبيراً من المصابين، ما يضطرهم إلى افتراش الأرض بين الأسرة داخل أقسام الطوارئ وفي ممرات المستشفى. ويوضح أن المستشفى يضم 12 غرفة عمليات فقط. وفي بعض الأوقات، يستقبل نحو 40 حالة دفعة واحدة، يحتاج جميعهم إلى عمليات فورية وسط نقص في المعدات، "نضطر أحياناً إلى استخدام زجاجة معقم واحدة لأكثر من مصاب مع الحرص على إغلاقها جيداً حتى لا تتلوث". ويضيف لـ "العربي الجديد": "نستخدم الحد الأدنى من المعقمات في بعض العمليات تجنباً لحدوث التهابات أو ما شابه. ما يحصل ربما تشهده فلسطين للمرة الأولى في تاريخها".
إلى ذلك، يقول رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف، إن المساعدات التي دخلت قطاع غزة محدودة، وهي محاولة لتجميل وجه الاحتلال أمام المجتمع الدولي، لافتاً إلى أن مجمل ما دخل لغاية السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني وعلى مدار 17 يوماً من إدخال المساعدات هو قرابة ما يدخل قطاع غزة في يوم واحد فقط خلال الأيام العادية، أي ما معدله 500 شاحنة محملة بالبضائع من مختلف الأنواع، وبما فيها معدات طبية. ويوضح معروف أن ما تم إدخاله عبارة عن مياه ومعلبات ومواد غذائية لا تكفي إلا لمركز إيواء واحد، بالإضافة إلى القليل من المساعدات الطبية.