يواجه عمال لبنانيون تحديات عدة وتهميشاً لحقوقهم، ومن بينها حقهم في تلقي لقاحات كورونا. عمال كثر معرضون لخطر الإصابة بفيروس كورونا نظراً لاحتكاكهم المباشر مع الناس، ليسوا ضمن الفئات المستهدفة لتلقي اللقاحات في المرحلة الأولى رغم أنهم على تماس مع المواطنين. وفي حال إمكانية شراء اللقاح عبر القطاع الخاص، فهم مضطرون لدفع ثمنه وبالدولار الأميركي.
شريحة كبيرة من عمال لبنان لم تتلق اللقاح بعد، رغم احتكاكها المباشر مع الناس بسبب طبيعة عملها، كعمال المطاعم، والعاملات المنزليات، والمحاسبون داخل السوبرماركت وعمال التوصيل (الدليفري) إلى المنازل. تلقت هبة (فضلت عدم الكشف عن اسم عائلتها) وهي عاملة في إحدى شركات التنظيف داخل المنازل عبر نظام التعاقد المؤقت، مع زميلاتها وعوداً من الشركة بتأمين لقاح "سبوتنك في" لهن، ولكن على نفقتهن الخاصة في حال أرادن ذلك. تتحدث لـ "العربي الجديد" عن "أحاديث تُتداول داخل أروقة الشركة بأن الحصول على اللقاح مجرد وعود، وهي أجواء تُنشر بين العاملات في حال سُئلت إحداهن خلال عملها داخل المنازل عن اللقاحات، فيكون جوابها سنأخذ اللقاح الروسي". تخبر هبة عن المخاطر التي تواجهها خلال عملها، فهي تتنقل يومياً بين عدة منازل، ويزداد عملها خلال شهر رمضان، وفي فترة الأعياد، ما يجعلها عرضة للإصابة بالفيروس. "أعمل في تنظيف المنازل، ومن خلال طبيعة عملي ألمس كافة أغراض الشقة وأتواصل مع العديد من الأشخاص. في حال أُصبت بكورونا سأنقل العدوى لمنازل عدة، وهنا تقع مسؤولية أخلاقية على عاتقي ما يدفعني لارتداء الكمامة والقفازات بصورة دائمة. كما أتجنب الاحتكاك المباشر".
رفع عتب
من جانبه، يسخر المحاسب داخل أحد محلات السوبرماركت، محمد ب.، من فكرة أخذ اللقاح، قائلاً: "سألتنا الشركة إنّ كنا نريد الحصول على اللقاح الروسي ولكن على نفقتنا الخاصة، وكأن السؤال هو رفع عتب من الشركة، إذ إنّ راتبي كمحاسب لا يتجاوز المائة دولار (بحسب سعر الصرف الحقيقي)، بينما يبلغ سعر اللقاح 40 دولاراً، وبالطبع لن أدفع ما يعادل نصف راتبي على اللقاح، وهو حال معظم الموظفين في الشركة والبالغ عددهم حوالي الخمسين، إذ لم يُسجل إلا أربعة منهم أسماءهم، بعد وعود صاحب الشركة بأنه سيدفع ثمن اللقاح ليحسمه من رواتبهم على دفعات شهرية".
وفي الوقت الذي وعدت شركات عدة، بإعطاء اللقاحات لموظفيها على نفقتها الخاصة، إلا أنّ غالبية الشركات تواجه عثرات اقتصادية في الأصل، وتعتبر أنّ الأمر مسؤولية الدولة لا الشركات الخاصة، خصوصاً المتوسطة الحجم والصغيرة.
حق لكل مواطن
بدوره، يرى الصحافي والناشط في "المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين" أسعد سمور، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "اللقاح هو حق لكل مواطن بعيداً عن طبيعة عمله، فالآلية المتبعة من قبل الدولة اللبنانية بإعطاء اللقاحات ما زالت تتسم بالبطء والعشوائية، ومثال على ذلك، فقد أصدرت وزارة العمل قراراً فرضت على الشركات إجراء فحوصات كورونا، لموظفيها كل 14 يوماً، ولكنها لم تحدد مثلاً على نفقة من سيتم إجراء الفحص. كما أنّ شركات كثيرة تغاضت عن إعطاء اللقاح لموظفيها أو حتى التفكير بهم"، مطالباً الدولة بإصدار قرارات تلزم المؤسسات بتلقيح موظفيها "خصوصاً هؤلاء الذين على تماس مباشر مع الناس". ويلفت سمور إلى أنّ الشركات تمعن في خرق الحقوق المتعلقة بموظفيها رغم تحقيقها للأرباح لأن دفع ثمن اللقاح عن الموظف لشركات كبرى ليس بالأمر التعجيزي، ومعظم المؤسسات عدد موظفيها دون المائة.
ونبه سمور من خطر إصابة عمال التوصيل إلى المنازل بفيروس كورونا، قائلاً: "شهد لبنان في الفترة الأخيرة ارتفاع عدد عمال التوصيل للمنازل، نظراً للأوضاع الاقتصادية الصعبة وانتشار فيروس كورونا. ومعظم عمال التوصيل غير مسجلين على اسم المؤسسة، وبالطبع مثل هؤلاء الأشخاص، لن تنظر لهم الشركة، ولا الدولة، وهم متروكون لقدرهم مع الوباء".
تجدر الإشارة إلى أن شركات عدة في لبنان، تمكنت من تأمين اللقاحات لموظفيها، وعلى نفقتها الخاصة، بينما أخرى سجلت أسماء الراغبين في تلقي اللقاحات، ومن المنتظر تلقي الجرعة الأولى خلال الأسابيع القادمة.
ويواجه لبنان بطئاً في الحصول على اللقاحات، في ظل تدني الأرقام المسجلة على المنصة الرسمية، والتي بلغت حوالي مليون ومائة ألف مواطن، بينما أرقام وزارة الصحة الصادرة لغاية 29 إبريل/ نيسان 2021 فقد سجلت 294822 شخصاً تلقوا الجرعة الأولى من اللقاحات، بينما تلقى 161812 الجرعة الثانية.