أعادَ مصرع طفلة مصرية، وإصابة 18 آخرين تراوح أعمارهم ما بين 15 و18 عاماً، في حادث انقلاب سيارة، ربع نقل، كانت تنقل أطفالاً إلى أعمالهم في الزراعة في مدينة الصالحية في محافظة الشرقية المصرية، إثارة ملف عمالة الأطفال في البلاد، بعدما كشف مسؤول في وزارة التضامن الاجتماعي، أنّ الوزارة تابعت الحادث أولاً بأول، وأنّه جارٍ تقديم بلاغ إلى النائب العام ضد "مقاول الأنفار (العمال الأفراد)" لمخالفته للقانون واستخدامه الأطفال في العمالة اليومية.
وكانت الأجهزة الأمنية المصرية في محافظة الشرقية قد تلقت بلاغاً بالحادث، يفيد بانقلاب سيارة ربع نقل كانت تنقل عدداً من الأطفال، نتيجة اختلال عجلة القيادة، الأمر الذي أدى إلى مصرع ياسمين صلاح عبد الحميد (13 عاماً) وإصابة 18 آخرين، جميعهم من قرية بحر البقر (تابعة لمركز الحسينية في محافظة الشرقية)، وقد نقلوا إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الأولية. وأمرت النيابة العامة بدفن جثة الضحية والاستماع إلى أقوال المصابين ممن تسمح حالتهم، وطالبت بتحريات المباحث حول الواقعة.
وتتصدر مصر عمالة الأطفال على المستوى العربي. وتقول الحكومة إنّها تسعى إلى القضاء على الظاهرة بحلول عام 2025، من خلال اتخاذ بعض الإجراءات القانونية للحدّ منها. وكثيراً ما يعمل الأطفال في الزراعة، وتصل نسبتهم إلى 63 في المائة من إجمالي عمالة الأطفال في البلاد، يليها القطاع الصناعي والبناء والبيع في الشوارع والمطاعم وغيرها. وزادت عمالة الأطفال في مصر منذ تسعينيات القرن الماضي، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر، الأمر الذي يجبر عائلات على الدفع بأبنائها إلى سوق العمل.
وزادت عمالة الأطفال، وخصوصاً في القرى والأرياف المصرية بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، نتيجة غلاء الأسعار وتراجع الدخل، الأمر الذي يشكل خطراً عليهم، وخصوصاً من هم دون سنّ الخامسة عشرة، والذين يكونون قد تركوا الدراسة على الأغلب. هؤلاء حُرموا حقوقهم، وعلى رأسها الحق في التعليم والصحة. كذلك فإنّ التفكك الأسري في بعض العائلات المصرية له دور كبير في دفع الأطفال نحو العمل.
وبحسب مواد قانون حقوق الطفل في مصر، فإنّه يحظر عمل من هم دون سن الـ18 عاماً، فيما يلزم قانون العمل أصحاب العمل بإجراء الكشف الطبي على الأطفال قبل إلحاقهم بالعمل للتأكد من ملائمة لياقتهم البدنية والصحية للعمل الذي يلتحقون به، ويجب ألّا تزيد ساعات العمل على ست ساعات، تتخللها فترة أو فترات للراحة لا تقلّ كلٌّ منها عن ساعة.
تقول عضو مجلس النواب، نشوى الديب، إنّ المادة الـ57 من أحكام قانون الطفل ترى كلّ من لم يبلغ 18 سنة طفلاً، لكن نتيجة لغياب تطبيق مواد القانون وعدم وجود رقابة، استقطب أرباب العمل الأطفال المحتاجين للعمل لديهم بأجور قليلة، مستغلين بذلك عدم وجود رقابة من قبل الجهات المسؤولة. وتشدد على ضرورة مراقبة سوق العمل لمنع عمالة الأطفال، وتحديد مستويات ظروفهم الاقتصادية والمعيشية لمساعدتهم مادياً.
إلى ذلك، يشدد الباحث في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، سيد إمام، على ضرورة مكافحة كل أشكال عمالة الأطفال، في ظلّ ارتفاع نسبتهم عاماً بعد عام، نتيجة للتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة من تفشي جائحة كورونا، والعمل على تجفيف منابعها كافة، مشيراً إلى أنّ عدد الأطفال المنخرطين في سوق العمل يتجاوز ثلاثة ملايين طفل.
يضيف أنّ ما من أرقام رسمية عن عمالة الأطفال، لأنّ أصحاب الأعمال مثل المزارع والمنشآت الصناعية والورش لا يعلنون عن الأطفال الذين يعملون لديهم، بالتوازي مع تقصير الجهات المعنية بالرقابة على تلك المنشآت في التفتيش، لافتاً إلى أنّ لعمالة الأطفال بصفة عامة آثاراً اجتماعية ونفسية خطيرة، على رأسها حرمانهم عيش طفولتهم، والتسرّب المدرسي.
ويعزو إمام توجه عدد من الأطفال إلى العمل، إلى ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية والفقر نتيجة غياب معيل للأسرة أو مرضه، أو دخله الزهيد الذي لا يكفي لسد احتياجات العائلة، أو حالات الطلاق ورفض وجود الطفل لدى زوج الأم أو زوجة الأب. هذه العوامل تدفع بعض الأسر إلى تشغيل أطفالها لتأمين دخل للأسرة، فضلاً عن تفضيل أصحاب الأعمال الاستعانة بالأطفال لكونهم عمالة رخيصة، مقارنةً بالعمال البالغين، مطالباً بضرورة فرض عقوبات مشددة على كلّ من يخالف قوانين تشغيل الأطفال، وتوفير الحماية لهم في المناطق التي تنتشر فيها عمالة الأطفال مثل الأرياف والورش الصناعية، بالإضافة إلى المركبات التي تنقل الأطفال إلى الأراضي الزراعية.