عفرين السورية... زيتون وسهول خصبة

02 ديسمبر 2022
موسم قطاف الزيتون في عفرين (العربي الجديد)
+ الخط -

مع بدء موسم قطاف الزيتون الذي تشتهر به منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية والواقعة في ريف حلب الشمالي الغربي، انتقلت السيطرة على هذه المنطقة الحيوية إلى تنظيم "هيئة تحرير الشام" لتبدأ مرحلة جديدة تنضم إلى مختلف المراحل التي مرت بها عفرين منذ عام 2011. وكانت عفرين خلال الأيام القليلة الماضية في قلب المشهد السوري المعقّد، وشهدت اشتباكات دامية بين تنظيم "هيئة تحرير الشام" وفصائل في المعارضة السورية انتهت إلى سيطرة الأول على المنطقة، قبل أن يتم إخراجه منها بضغط من الجانب التركي. ومنذ اندلاع الثورة السورية في ربيع عام 2011، شهدت منطقة عفرين تحولات كبيرة حالها حال الكثير من المناطق السورية، وسلّمها النظام إلى "وحدات حماية الشعب" التابعة لحزب العمال الكردستاني عام 2012، وفرضت عام 2014 ما يُعرف بـ "الإدارة الذاتية" على المنطقة.

 
وبقيت الوحدات مسيطرة على عفرين حتى مطلع عام 2018، حين شن الجيش التركي وفصائل سورية معارضة عملية "غصن الزيتون" التي انتهت بطرد "وحدات حماية الشعب"، لتبدأ المنطقة مرحلة جديدة كان عنوانها الأبرز انتهاكات جسيمة بحق الأكراد من قبل بعض هذه الفصائل. وفي العام نفسه، قدم إلى عفرين مهجرون بأعداد كبيرة من مختلف المناطق السورية، وخصوصاً من ريفي دمشق وحمص، ليضافوا إلى النازحين الذين كانوا قد توافدوا إلى المنطقة التي كانت تتمتع بوضع أمني مقبول قبل عام 2018. 
وعانى النازحون والمهجرون من جراء الانتهاكات، واستولت مجموعات على أرزاق وممتلكات النازحين من عفرين نتيجة المخاوف من عمليات انتقامية بحقهم بحجة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني. واليوم، يقيم عدد من أهالي عفرين في مخيمات تقع في محيط تل رفعت في ريف حلب الشمالي، ليس بعيداً عن منازلهم في بلدات وقرى عفرين، في انتظار تسويات سياسية لم تتحقق منذ أكثر من أربعة أعوام. وتعرضت مدينة عفرين منذ عام 2018 للعديد من النكبات بسبب تفجيرات إرهابية، أبرزها تفجير وقع في نيسان/ إبريل عام 2020 خلّف مئات القتلى والمصابين بين السكان.  

منطقة عفرين 2 (العربي الجديد)
استولت مجموعات على أرزاق وممتلكات النازحين من عفرين (العربي الجديد)

وتتبع مدينة عفرين العديد من البلدات الكبيرة، أبرزها: الشيخ حديد، بلبل، جنديرس، راجو، معبطلي، وشران. كما تتبع لهذه البلدات مئات القرى المتناثرة في جغرافيا تبلغ مساحتها أقل من 4 آلاف كيلومتر مربع، لتغطي نحو 2 في المائة من مساحة سورية. قبل عام 2011، كانت تضم نحو 500 ألف سوري. وتعد عفرين التابعة من الناحية الإدارية لمحافظة حلب، من التجمعات السكانية للأكراد السوريين، إلا أنها بعيدة عن التجمعات الكردية الأخرى ضمن سورية في منطقتي عين العرب/ كوباني، والقامشلي الواقعتين شرقي نهر الفرات. وتحاذي منطقة عفرين من الغرب محافظة إدلب، ومن الجنوب والشرق ريف حلب، ومن الشمال الأراضي التركية.  
وتتمتع عفرين بطبيعة خلابة وسهول خصبة ما جعلها منطقة سياحية بامتياز، فضلاً عن وجود قلعتي سمعان والنبي هوري، وتل عين داره، والجسور الرومانية وبحيرة الميدانكي، ومصايف كفر جنة. إلا أن الحركة السياحية شبه معدومة منذ عام 2011.  

منطقة عفرين 3 (العربي الجديد)
قدم إلى عفرين مهجرون بأعداد كبيرة من مختلف مناطق سورية (العربي الجديد)

وما يميّز عفرين عن بقية المناطق هو مزارع الزيتون، وتضم ملايين الأشجار يقدرها البعض بنحو 22 مليون شجرة كانت تنتج نحو 270 ألف طن من الزيتون. وتعادل مزارع الزيتون في عفرين نحو 20 في المائة من مزارع الزيتون في عموم سورية. وقبل عام 2011 كانت عفرين تضم مئات المعاصر التي تنتج زيتاً يعد الأطيب في عموم سورية. وكان مصدر الدخل الأول لسكان عفرين. ولكن اليوم "الأوضاع كارثية" وفق مصادر محلية في مدينة عفرين فضّلت عدم ذكر اسمها، مشيرة في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أن "الناس تخاف من بعض المجموعات الخارجة عن أي قانون والمحسوبة على المعارضة السورية". وتوضح أن "هذه المجموعات ومنذ عام 2018 تمارس كل أنواع الانتهاكات من سرقة وفرض إتاوات على مزارعي الزيتون من دون رادع من أي جهة".  
إلى ذلك، يصف الناشط الإعلامي صالح أبو شام منطقة عفرين بـ "المظلومة من كل أطراف الصراع في سورية"، مضيفاً أن أهالي عفرين مسالمون ويحبون الحياة وليس لدى غالبيتهم أي اصطفاف حزبي، ويريدون أن يكون لهم دور فاعل بما يجري في بلادهم، إلا أن أحداً لا يعطيهم هذا الدور. ويقول: "ما يمكن بعض الفصائل المحسوبة على المعارضة من ممارسة الانتهاكات بحق سكان المنطقة هو التهم الجاهزة لأهلها في حال الاعتراض على أي من هذه الانتهاكات. فعالبية سكان عفرين من المكون الكردي وبالتالي تهمة التخابر أو التعاون مع قوات سورية الديمقراطية هي التهمة الجاهزة في حال الاعتراض على أية انتهاك. أما العرب، فتوجه إليهم تهمة التعاون مع تنظيم داعش".   

واستقبلت عفرين آلاف المهجرين من المناطق السورية الأخرى مثل غوطة دمشق وريف حمص الشمالي. وتقطنها حالياً عائلات مقاتلين من كافة المناطق السورية بالإضافة إلى سكانها الأصليين الذين عادوا إليها. وما زال قسم من سكان عفرين لاجئين في تركيا، في وقت نزح فيه القسم الآخر من الموالين لقوات سورية الديمقراطية باتجاه محافظة الرقة إبان سيطرة الجيش الوطني على المنطقة، وما زالوا يعيشون في مخيمات في محافظتي الرقة والحسكة. 

المساهمون