استمع إلى الملخص
- **تأثير العنف على المجتمع**: يعيش السويديون في حالة من الصدمة والخوف بسبب تصاعد العنف، مما أدى إلى فقدان السويد سمعتها كدولة آمنة وزيادة أعداد الضحايا الأبرياء واكتظاظ السجون.
- **تغلغل العصابات في مؤسسات الدولة**: تعاني السويد من تغلغل العصابات في مؤسسات الدولة، مما أدى إلى تسريبات مشبوهة وفصل موظفين، مع مطالبات بتشريعات صارمة لمكافحة الجريمة المنظمة.
تمر السويد التي تعاني من موجات عنف وقتل متصاعدة منذ عشر سنوات في مرحلة حرجة مع المافيا المحلية التي تخوض "حرب عصابات" غير مسبوقة للتنافس على سوق المخدرات وأخرى في عالم الجريمة
يعيش السويديون اليوم في صدمة كشف صحف محلية أخيراً أن عصابات الجريمة المنظمة تخترق الشرطة عبر الالتحاق بأكاديمياتها.
وأفادت تقارير أمنية وإعلامية أن زعيم إحدى أكبر العصابات الذي يُعرف في الصحافة والشارع باسم "فراولة"، واسمه الحقيقي إسماعيل عبده، تبنى أسلوب المافيا الأميركية في زرع عملاء لعصابته داخل الشرطة السويدية. ويلعب عبده دوراً مركزياً في الحرب القائمة في الشارع مع "الثعلب الكردي"، واسمه راوة مجيد الذي يحمل الجنسية السويدية ويدير عصابة من مخبأ في تركيا.
وبينما أظهر فيلم "العراب" أن زعيم المافيا الأميركية دون كورليوني دفع المال لرجال شرطة فاسدين، وضع "فراولة" خطة مختلفة لاختراق الشرطة السويدية عبر تجهيز شابتين من أصول مهاجرة لتنفيذ مهمة اختراق الشرطة عبر الالتحاق بصفوفها. وأوضحت وسائل إعلام سويدية أن الشابتين قدمتا طلبين للانضمام إلى كلية ضباط الشرطة، واجتازتا الامتحانات وشروط القبول.
ويعنى ذلك أن الشابتين أكملتا معظم التدريبات الخاصة بالشرطة، واطلعتا على أساليب عملها وكيفية متابعة العصابات، وأمور حساسة أخرى.
وبعدها واجه مسؤولو الشرطة السويدية وسياسيون وإعلاميون صدمة كشف الفحص الروتيني لخلفية المتخرجين الذين يستعدون للانضمام إلى العمليات الميدانية للشرطة، انتماء الشابتين إلى عصابة "فراولة"، وارتباط إحداهما بعلاقة حميمة معه.
ولم تكن الصدمة أقل حين كشفت صحيفة "داغنس نيهيتر" أن الشابتين استطاعتا خلال أشهر من خضوعهما لتدريب في كلية الشرطة خداع الجهاز الأمني، والتواصل في شكل منتظم وسرّي مع العصابة لنقل معلومات حساسة إليها بهدف تأكيد أنهما أصبحتا جزءاً من جهاز الشرطة في السويد.
في دوامة الحرب
في سياق متابعة خبراء ما يصفونه بأنها "حرب عصابات دموية"، يعتقدون أن ما يظهر هو "رأس جبل الجليد" فحسب أو العالم السفلي للجريمة المتفاقمة في المجتمع الذي كان يوصف قبل 20 سنة بأنه "الأكثر أماناً"، في حين يعتبر اليوم من بين الأكثر احتضاناً للعنف في شمال أوروبا.
وقبل عام 2014 لم يكن تصنيف المواطنين على أساس الخلفيات القومية معروفاً في السويد، أي القول إن الأفراد ينتمون إلى أصول محددة، إذ كانت تستخدم عبارة "المواطنين الجدد" في تسمية اللاجئين والمهاجرين حديثي العهد في البلد الإسكندنافي. واستقبلت السويد في ذروة موجة اللجوء إلى أوروبا عام 2015 نحو 163 ألف أجنبي خلال أسابيع قليلة، ثم شددت مراقبة الحدود مع جارتها الدنمارك لمنع تدفق مزيد من المهاجرين إلى أراضيها، وبات الحديث الآن عن الخلفيات الإثنية أكثر انتشاراً في صفوف السياسيين ووسائل الإعلام، وأصبح معسكرا اليمين القومي والشعبوي يتنافسان على إظهار التشدد مستفيدين من استعار حرب العصابات، وتأثيرها على المزاج العام السويدي.
وبالكاد يمر أسبوع من دون أن يفقد أشخاص حياتهم وسط دوامة الحرب على أسواق المخدرات والممنوعات التي تشمل كل المدن والمناطق، ومن بينها في ضواحي العاصمة استوكهولم. وأفقدت المنافسة الوحشية والدموية أبرياء كثيرين لا علاقة لهم بطرفي الانتقام حياتهم بالرصاص والتفجيرات والسكاكين، وكان بعضهم عابري سبيل أو داخل بيوتهم، ووقع آخرون ضحية اختلاط هوياتهم على مرتكبي الجرائم.
في 10 إبريل/ نيسان الماضي كان ميكال البالغ 39 سنة، وهو من أصل بولندي، متجهاً مع ابنه البالغ 12 سنة على دراجتين هوائيتين في نفق للمشاة إلى مسبح قريب من مكان سكنهما في ضواحي استوكهولم، وصادفا أفراداً يافعين ينتمون إلى عصابة محلية تصرفوا بطريقة مهينة معهما.
نزل ميكال عن الدراجة بعدما طلب من ابنه أن يقف بعيداً، وتلاسن مع أربعة شبان في شأن تصرفاتهم وترويجهم المخدرات في المنطقة، علماً أنه كان قد اتصل بالشرطة مرات، وقدّم شكاوى ضد ترويج المخدرات في منطقة سكنية تضم أطفالاً، باعتبار أن هذه الانتهاكات لا توفر بيئة مناسبة لنشأة الصغار.
ولم يتقبل أفراد العصابة حديث ميكال، وسحب أحدهم سلاحاً نارياً وأطلق النار على الأب أمام ابنه، وفرّ مع زملائه بعدما تأكدوا من مقتل ميكال. واتصل الابن نفسه بالشرطة للإبلاغ عن مقتل والده بالرصاص أمام عينيه.
ما جرى للطفل فجّر غضب السويديين والسكان من أصول مهاجرة الذين يرفضون أن تسيطر عصابات تشكل أقلية في المجتمع على تجمعاتهم، وتجعلها بؤرة للجريمة المنظمة.
انعدام الأمن
تشير تقارير الشرطة السويدية إلى أنه في أغسطس/ آب الماضي، تم الاشتباه في تورط ما يصل إلى 93 طفلاً تحت سن 15 عاماً في جرائم قتل في السويد خلال العام الماضي. ويعد الرقم أكثر بثلاثة أضعاف مما كان عليه في العام الذي سبقه. وبدأت تنتشر أعمال العنف والانتقام بين العصابات في الجارة الدنمارك، وشهدت شوارعها مؤخراً استهداف شبان من عصابات السويد لمنافسيهم، ما أثار سجالاً أمنياً وسياسياً بسبب توسع العنف. وتعرب السلطات النرويجية عن مخاوف مماثلة.
وتطالب السلطات في استوكهولم بتسليم "فراولة" من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة التي فر إليها، ويدير منها عصابته في السويد.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دفعت موجة عنف أودت بـ12 قتيلاً بينهم رجل ضرير في العقد السابع أصيب بأعيرة نارية، وأيضاً شابة من أصول عربية كانت في مدخل مقر سكنها الذي استهدفه تفجير، جهاز الاستخبارات (سابو) إلى استنتاج أن "السويد لم تكن غير آمنة إلى هذا الحدّ منذ الحرب العالمية الثانية".
وقياساً بعدد سكانها ومستوى الجرائم المرتكبة فيها، أصبحت السويد تتصدر الدول الأوروبية في حوادث الجريمة المنظمة وعمليات إطلاق النار والتفجيرات.
وفي المتوسط يُقتل ما لا يقل عن 50 شخصاً سنوياً في السويد. ووصل الرقم إلى 62 قتيلاً عام 2022، كما أصيب عشرات ضمن مئات من عمليات إطلاق النار والتفجيرات والطعن ارتبطت بـ"حرب العصابات" وعملياتها الانتقامية.
وشهد عام 2023 وحده أكثر من 100 انفجار مرتبط بالعصابات التي تضم عشرات آلاف الأفراد من مختلف الأعمار، وتجنّد بعضهم في سن الـ 12، وتسلّحهم في سن الـ 14.
وبدأت السجون في السويد تعيش اكتظاظاً غير مسبوق، إذ يتوقع أن يرتفع عدد المعتقلين من 9500 إلى 35 ألفاً مع توسيع الصلاحيات الممنوحة للشرطة. كما يتوقع أن يزداد عدد عناصر الأمن وانضمام آخرين من وحدات في وزارة الدفاع إليهم لمحاولة السيطرة على الانفلات الأمني، بحسب ما أعلن رئيس الحكومة أولف كريسترسون للرد على تفاقم الجريمة المنظمة.
وفيما باتت أجواء الأسلحة النارية والمتفجرات جزءاً من يوميات عنف العصابات الذي يصيب مختلف ضواحي وأحياء المدن السويدية، يتتالى سقوط قصّر دون سن الـ18 الذين تجنّدهم العصابات لتنفيذ عمليات ترويج وحراسة وقتل، باعتبار أن قانون العقوبات مخفف في حق هذه الفئة العمرية.
ويدور منذ أشهر سجال حول إدخال تعديلات قانونية تتيح محاكمة القصر كبالغين إذا حازوا أسلحة أو أظهرت التحقيقات انتماءهم إلى عصابات، وأيضاً مضاعفة العقوبات في حقهم، ما يشكل تبنياً للنموذج الدنماركي الخاص بمحاربة عالم الجريمة، والذهاب نحو تطبيق أحكام قضائية لحلّ العصابات التي تتخفى عادة بأسماء جمعيات تنفذ أنشطة شبابية.
ثمن الاسترخاء
تكشف الحرب المستعرة بين العصابات في السويد هشاشة الوضع الذي لم يكن في حسبان أكثر المتشائمين باحتمال وصول الأمور إلى مستوى دفع المجتمع الإسكندنافي ثمناً باهظاً لحال الاسترخاء الأمني، بحسب ما يقول معسكر اليمين القومي المتشدد خلال انتقاده مسؤولي الشرطة والسياسيين.
وتظهر هذه الحرب المستعرة مقدار سيطرة وهيمنة عالم الجريمة على ضواحي مدن يقطنها سكان من أصول مهاجرة، والذين يدفعون ثمناً باهظاً على صعيد تزايد قلقهم على مستقبل أطفالهم، خصوصاً أن تقارير تتحدث عن تجنيد من هم في سن الـ11، في حين يستغل اليمين المتشدد الأوضاع للتحريض على مجتمعات الأصول المهاجرة.
وتقدّر الشرطة في السويد عدد أفراد العصابات بـ 62 ألف عضو على الأقل، ويتخذ بعضها صبغة "عصابات العشائر"، على طريقة عصابات ألمانيا التي تضم عائلات من جنسيات وأصول أجنبية.
"فراولة" و"الثعلب الكردي"
وكان "فراولة" و"الثعلب الكردي" يتزعمان عصابة "فوكستروت" قبل أن يحصل انشقاق في صفوفها، وتتصاعد المعركة بين الطرفين من التنافس على سوق المخدرات والأفراد إلى استهداف أفراد في أسرهما. ووصل ذلك إلى حدّ استهداف والدة كلا الزعيمين، وحصول عمليات إطلاق النار في إسطنبول وأنقرة في تركيا ضمن دائرة عنف متواصل منذ سبتمبر/ أيلول الماضي الذي أطلق عليه اسم "أيلول الأسود" بسبب كثرة عمليات إطلاق النار والقتل والتفجير التي شهدها بعد مقتل والدة إسماعيل عبده.
وتتمثل المشكلة باعتراف مسؤولي الشرطة والسياسيين في السويد بأن العصابات المحلية لم تعد محلية، بل تملك علاقات خارجية في الاتحاد الأوروبي وخارجه.
هذا ما صرح به عالم الجريمة في جامعة لوند جنوب السويد، ديفيد سوسدال، الذي لم يتردد في القول إن "ما يُشاهد من عنف هو فقط رأس جبل جليد، في حين أن المخفي أكثر بشاعة". ويحذّر من أن "توسّع العصابات على صعيد عدد المنتمين إلى صفوفها يُنذر بتزايد أفراد قطّاع الطرق والعالم السفلي في المجتمع السويدي".
تغلغل في مؤسسات الدولة
ويرى خبراء الجريمة المنظمة أن "الأسوأ في السويد أن تصبح العصابات أكثر هيمنة وسيطرة في مقابل تراجع ثقة الشارع بالشرطة. وهذا أمر خطير".
وأخيراً، أكدت رئيسة الحكومة السابقة ماغدالينا أندرسون عمق أزمة المجتمع والشرطة في السويد. وفيما واجهت حكومتها السابقة خلال عامي 2021 و2022 أزمة اختراق العصابات للشرطة، قالت إن "مشكلة التسلل والاختراق موجودة في كل أجهزة السلطة في السويد"، ما يعني أن العصابات تتغلغل في مؤسسات الدولة.
واقترحت ماغدالينا التي تنتمي إلى الحزب الاجتماعي الديمقراطي (يسار الوسط)، أن تتبنى حكومة ائتلاف يمين الوسط برئاسة كريسترسون نسخة من تشريع ريكو الأميركي (قانون المنظمات الفاسدة والمتأثرة بالابتزاز) الذي نجح في الإيقاع بزعماء المافيا.
وعموماً يعيد كشف تجنيد العصابات أفراداً ينتمون إليها للالتحاق بالشرطة من أجل اختراقها، التذكير بعدد كبير من قضايا الفساد والاختراق والتعاون بين رجال شرطة وعالم الجريمة السفلي.
ومنذ عام 2018 نشرت الصحف السويدية، من بينها "داغنس نيهيتر"، تقارير عن وجود 524 بلاغاً لتسريبات مشبوهة من الشرطة الوطنية.
واضطرت الشرطة السويدية إلى فصل 30 موظفاً على الأقل من جهازها، أو أجبرتهم على الاستقالة خلال السنوات الأخيرة، كما أُجبر 27 طالباً في كليات تدريب الشرطة على الاستقالة لأسباب أمنية.
ويطالب سياسيون ومشرّعون بتسريع إجراءات كشف عمليات الاختراق والتسلل، وألا يستغرق توقيف ضباط أو طلاب مشبوهين أشهراً عدة.
وعموماً لا ينحصر اختراق وتسلل العصابات في السويد بالشرطة، بل يمتد إلى أجهزة أخرى، بينها مصلحة الضرائب التي تعد مهمة للعصابات من أجل تسهيل عمليات التحايل وغيرها، وأيضاً مصلحة الهجرة والخدمات القنصلية.