عصابات الإكوادور... مجتمع مسالم ضحية تهريب المخدرات

13 يوليو 2023
سلطات الإكوادور الأمنية متهمة بالفساد (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد دول في أوروبا والأميركتين زيادة كبيرة في محاولات تهريب المخدرات التي تجري عبر ميناء مدينة غواياكيل على الساحل الغربي للإكوادور. فالبلد اللاتيني المعروف بتصدير الموز، بات مصدراً لأطنان الكوكايين، ويترافق ذلك مع ارتفاع موجات العنف الملازمة للحروب على مليارات الدولارات التي تدرها تلك التجارة. ويوم الإثنين الماضي، قُتل عشرة أشخاص وجرح عشرة بينهم أطفال فى هجومين مسلّحين في غواياكيل. ووقعت عمليتا إطلاق النار في إثنين من الأحياء الفقيرة للمدينة التي شهدت منذ إبريل/ نيسان الماضي ثلاث اعتداءات مماثلة على الأقل.
وخلال السنتين الأخيرتين، رصدت تقارير متخصصة أن الطبقة السياسية في الإكوادور باتت تتعاون مع عصابات التهريب لتسهيل تجارتها في مقابل الحصول على جزء من أرباح تلك التجارة.

وتؤكد تقارير صحافية سيطرة العصابات على بعض مناطق الإكوادور، ويقول خبير مكافحة المخدرات، خورخي نونيز، إن "الحياة في الإكوادور (نحو 18 مليون نسمة) أصبحت كابوساً بعد أن كان البلد واحداً من أكثر الدول اللاتينية أمناً". ونقل التلفزيون النرويجي "إن أر كي"، عن نونيز قوله إن "الأمر يمكن وصفه بأن البلاد تحولت إلى منطقة حرب، فالقتل الجماعي، والعنف المتزايد باتا جزءاً من حياة الناس اليومية".
وأصبحت الإكوادور خلال السنوات القليلة الماضية، وجهة رئيسية للمواد الخام للمخدرات، سواء نبتة الكوكا القادمة من الدولتين المجاورتين، البيرو وكولومبيا، أو تصنيع الكوكايين وتخزينه، أو كمركز عالمي لتصدير المخدرات. 
في عام 2022، ضبطت السلطات نحو 200 طن من الكوكايين، وكان النصيب الأكبر فيها لمدينة غواياكيل، التي تحولت من اجتذاب السائحين إلى شواطئها الخلابة، إلى مركز للعنف والجريمة، فلم تعد مشاهد القتل الجماعي والتمثيل بالجثث من المشاهد الغريبة.
وفيما تُتهَم الشرطة بالفساد، وبالتعاون مع مهربي المخدرات، فإنها تُرجع تنامي العنف إلى اقتتال العصابات الإجرامية. لكن ذلك لا يفسر اغتيال أعداد من الصحافيين والسياسيين، وحتى مدعين عامين، في رسائل تهديد واضحة لمن يحاول التحقيق في ما يجري، أو كبح الأنشطة الإجرامية.
في إبريل/ نيسان الماضي، قال وزير الأمن الداخلي الإكوادوري، واغنر برافو، إن "الأمر يتعلق بتعريض أمن البلاد للخطر"، وإن قتل الصحافيين والناشطين المعارضين لتحويل البلد اللاتيني المسالم تاريخياً إلى مرتع لكارتيلات الجريمة، مرده إلى أن "بعض النخبة صارت متورطة في تهريب الكوكايين".
وهذا ما تذهب إليه أجهزة أمنية متخصصة في أوروبا، مؤكدة أن مسارات التهريب من الإكوادور باتت متشابكة، وأن الفساد المنتشر في الإكوادور يزيد من نفوذ الكارتيلات المتعاونة مع المافيا اللاتينية والأوروبية، وأنه بعد كسر احتكار المافيا الإيطالية للأسواق، بدأت تبرز مافيات في بلجيكا وهولندا وإسبانيا، وعصابات في ألمانيا ودول إسكندنافية، وكل هؤلاء يستوردون أطناناً من الكوكايين.
ومع تضخم إنتاج المخدرات في كولومبيا، ونقلها إلى الإكوادور لتهريبها، تكررت حملات مصادرة حاويات ضخمة منها، التي ينتهي بها المطاف عادة في مخازن الشرطة. لكن بعض تلك الكميات تتسرب مجدداً إلى أيدي العصابات، وتتهم أجهزة الأمن بأنها تتربح من ذلك.

جرائم العنف المرتبطة بالمخدرات تتزايد في الإكوادور (فرانس برس)
جرائم العنف المرتبطة بالمخدرات تتزايد في الإكوادور (فرانس برس)

لا يساور خبير الجريمة الإكوادوري، خورخي نونيز، أي شك في أن بلده لم يعد مجرد بلد عبور، وتحول إلى بلد تخزين، ما أدى إلى انخراط المزيد من الأشخاص في الأعمال المرتبطة بالمخدرات، ويؤكد أن "النخبة المالية باتت متورطة في تهريب المخدرات، وهم لم يكونوا كذلك من قبل"، ويعتقد أن "التأثيرات الاجتماعية باتت أكثر عمقاً مع توجه مزيد من الناس نحو كسب المال من الكوكايين، ما يستدعي نماذج أخرى في أميركا الوسطى، مثل المكسيك، ودول جنوب القارة، كالبيرو وكولومبيا.
وتتفق العصابات مع موظفي الموانئ لغضّ الطرف عن تحميل أطنان المخدرات في صناديق الموز المتجهة إلى أوروبا. وذكرت تقارير صحافية أن "حجم الاختراق يصل إلى مستوى هرم السلطة الحاكمة، وبمشاركة طبقة من رجال الأعمال الكبار الساعين للربح السريع.
ويقول نونيز إن ما يجري يُعَدّ بمثابة "كابوس للمجتمع الإكوادوري، إذ باتت عصابات المخدرات تسيطر على ولايات عدة فعلياً. كذلك، تسهم السجون في زيادة دوامة العنف والجريمة، إذ يعقد السجناء اتفاقيات مع السلطات، أو أفراد الأمن، تتعلق بالحصول على المعلومات، في مقابل منحهم امتيازات".
ومع استشراء الفساد، وتسرب أطنان مصادرة من الكوكايين من مخازن الشرطة التي لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من المخدرات، بدأت السلطات الأمنية انتهاج طريقة مثيرة للتخلص من كميات الكوكايين المصادرة. إذ بدأت خلطها بالإسمنت في مواقع سرية، واستخدام هذا الإسمنت في البناء، حتى لا تعود المخدرات إلى الشارع، أو تجد طريقها مجدداً إلى حاويات التهريب، بحسب ما أبلغت السلطات الإكوادورية مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة. 
لكن ذلك لا يعني أن كل الكوكايين المتوافر يُصادَر، بل إن الكميات التي تُهرَّب أكبر بكثير من تلك التي تُصادَر.
ووعد الرئيس الإكوادوري، غييرمو لاسو، بالقيام بإجراءات لوقف "عنف المخدرات"، رغم أن صهره منخرط فيها، وفقاً لتقارير استقصائية. وبضغوط خارجية، خصوصاً من واشنطن، منح لاسو وزير دفاعه المعين حديثاً، لويس لارا، صلاحيات واسعة لمكافحة عصابات المخدرات. وأعلن لارا في تصريحات عقب تعيينه، أنه سيكافح تهريب المخدرات بصرامة، وأن "أنشطة عصابات التهريب باتت تصنف تحت قانون مكافحة جرائم الإرهاب".

وأثار قرار مكافحة عصابات التهريب وفق قانون الإرهاب مخاوف منظمات حقوقية محلية، التي حذرت من أن يتحول القرار إلى وسيلة لتجريم التظاهر، أو التنكيل بالمعارضة، وبالتالي الإضرار بالديمقراطية، حيث شهد البلد في سياق احتجاجات عمت دول أميركا اللاتينية بين 2019 و2022، تظاهرات كبيرة اتهمت فيها المعارضة السلطات الأمنية بممارسة قمع غير مسبوق، وتواصل المعارضة توجيه اتهامات بالفساد إلى الرئيس لاسو، وتؤكد أن المحيطين به لهم علاقات بجرائم تهريب المخدرات.
واستغلت العصابات فترة جائحة كورونا لتصفية الكثير من معارضيها ومنافسيها، ورمت جثثهم في الشوارع التي كانت تعيش رعب الوباء بعد وفاة الآلاف بصورة متسارعة، بحسب ما سجلت تقارير صحافية محلية.

المساهمون