عشوائيات وفقر في ليبيا

22 سبتمبر 2020
يعاني الأهالي في العشوائيات بسبب غياب الخدمات الأساسية (Getty)
+ الخط -


على الرغم من تدفّق مليارات الدولارات على خزينة الدولة الليبية، التي تعدّ خامس أغنى بلد نفطي في أفريقيا، إلا أن عدداً من مناطق وقرى البلاد ما زالت تعيش تحت خط الفقر. وأشارت تقارير غير رسمية إلى أن 45 في المائة من الليبيين فقراء.
وعلى الرغم من أن التقارير الحكومية الرسمية تؤكّد أن بند الرواتب في الميزانية العامة للدولة يبلغ 24 مليار دينار (17.6 مليار دولار أميركي) إلا أنه بحسب تقارير أخرى تصفها الباحثة الاجتماعية حسنية الشيح بأنّها "غير رسمية"، فتبيّن أن ربع مليون أسرة ليبية لا تحصل على رواتبها.
ويعزو المسؤول في صندوق الضمان الاجتماعي الحكومي محمود فليفل، عدم وجود تقارير رسمية حول المستويات المعيشية ومؤشرات الفقر، إلى "عدم وجود قواعد بيانات نهائية حتى الآن"، مشيراً إلى أن ظروف الحرب والنزوح والانقسام الحكومي أدت إلى غياب الإحصائيات الرسمية. 
ويؤكد عضو الجمعية العمومية لرابطة اتحاد بلديات ليبيا، الطاهر عبد الغني، أن المدن لم تشهد أي تطور عمراني منذ أكثر من عشرين عاماً. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن بعض المواطنين الليبيين ما زالوا يعيشون في بيوت من صفيح أو عشوائيات لا تتوفر فيها خدمات الحياة الأساسية، مضيفاً أن هذا المشهد كان يعد غريباً. لكن منذ نحو 15 عاماً تقريباً، باتت العشوائيات كثيرة، وباتت موجودة في المدن الكبرى أيضاً كطرابلس وسبها وبنغازي.

لم ترأف الحياة به (مروان نعماني/ فرانس برس)
لم ترأف الحياة به (مروان نعماني/ فرانس برس)

 

ويتحدث عبد الغني عن حي الطيوري في سبها، الذي لا توجد فيه أي مرافق خدماتية كمراكز صحية ومصارف ومدارس، مشيراً إلى أن الطرقات في بعض مناطق جنوب ليبيا ما زالت ترابية. وعلى الرغم من أن التقارير الصادرة عن حكومتي ليبيا، أي الوفاق الوطني في طرابلس وتلك المؤقتة في البيضاء شرق البلاد، تشير إلى رصد ميزانيات لتأمين الخدمات الأساسية، إلا أنه يؤكد أن تلك الميزانيات لم تعد كافية لمواجهة التردي الذي تعيشه البلاد من جهة، لافتاً إلى اختفاء أجزاء كبيرة من تلك الميزانيات قبل وصولها إلى البلديات بسبب الفساد الذي تشهده البلاد.
وبعيداً عن تعارض تصريحات المسؤولين، تقول الشيخ لـ "العربي الجديد" إنه بعد اطلاعها على تقارير عدة أصدرتها رابطة منتسبي صندوق الإنماء الاجتماعي، تبين أن ربع مليون أسرة ليبية لم تتقاض رواتبها منذ نحو ست سنوات. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتوضح الباحثة الاجتماعية أن هذه الأسر تستفيد من عائدات محافظ الاستثمار في أحد صناديق ليبيا الاستثمارية، مشيرة إلى أن رابطة منتسبي الصندوق راسلت صندوق الزكاة التابع للهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في الحكومة الليبية وهيئة صندوق التضامن الاجتماعي، تطالبهما بتوفير مساعدات للأسرة المستفيدة من محافظ صندوق الإنماء، بعدما باتت غالبية تلك الأسر تعيش تحت خط الفقر.
ويلفت عبد الغني إلى أن آثار الحرب التي دمرت أربعة أحياء بكاملها في بنغازي ومثلها في جنوب طرابلس إضافة إلى أحياء أخرى متفرقة في مرزق وسرت وغيرها زادت من نسب الأسر التي تعيش تحت خط الفقر، مؤكدا أن أبرز مؤشرات الفقر هو فقدان ليبيين أي مأوى من جراء الحروب المتتالية. 
وشهدت مدن ليبية عدة في الآونة الأخيرة، احتجاجات شعبية واسعة رفضاً لتردي الوضع المعيشي، أبرزها غياب السيولة النقدية في مقابل الغلاء الفاحش في الأسعار. ويشير عبد الغني إلى أن معدلات الفقر، بحسب التقديرات، وصلت إلى 45 في المائة العام الماضي، علماً أن عدد سكان ليبيا، وهم ستة ملايين مواطن، وهي معدلات لا تبدو واقعية اليوم بعد انتهاء حرب طاولت غالبية أحياء طرابلس، ونزح بسببها 130 ألف مواطن.

ويتحدث عبد الغني عن فقدان غالبية مناطق الحرب في جنوب طرابلس أي مأوى، ما يعني زيادة نسبة الفقراء، مضيفاً أن ذلك لا يشمل سكان مدينتي سرت والجفرة التي نزح منها كثيرون، في وقت ما زالت طبول الحرب تقرع فيهما. يتابع أن "تلك النسب لم تحسب حساب المهجرين خارج ليبيا". وفي وقت يقول عبد الغني إن بعض الأهالي في المدن ما زالوا يعيشون في بيوت من الصفيح حيث لا تتوفر الخدمات الأساسية، تقول الشيخ إنه "من بين مؤشرات الفقر تنامي ظاهرة التسول"، مشيرة إلى أن وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني أقرت في بيانات رسمية بأن غياب السيولة وتدني مستوى المعيشة هي من بين الأسباب التي أدت إلى تنامي ظاهرة التسول.
تضيف أن بعض الناس لا يحصلون على رواتبهم في ظل عجز المصارف عن توفير السيولة، وقد يحصلون على ربع أو ثلث رواتبهم. تضيف أن العشوائيات في حي الروس القريب من مقر مجلس النواب في طبرق، وتلك التي في بنغازي وطرابلس، وحيّ الطيوري في سبها، لا تعد مصدر قلق في الوقت الحالي، إذ إنّ مئات الأسر تعيش بلا مأوى ومن دون أن تتقاضى أيّ رواتب، من دون أي سعي من السلطات إلى تحديد عدد هؤلاء وبالتالي السعي إلى حل مشاكلهم.

المساهمون