"أنا حسن أبو مصطفى من مركز مطوبس كفر الشيخ. عمري 72 عاماً. يعمل أبنائي الثلاثة معي في الصيد. في مايو/ أيار الماضي ألقت الشرطة القبض على ابني الكبير لأنه اعترض على دهس سيارة تابعة لها أقفاصاً تحتوي على أسماك اصطدناها، ووجهت إليه تهمة ممارسة صيد بلا ترخيص. ثم لفقت لابني تهمة مساعدة شبان على تنفيذ الهجرة غير الشرعية". هذا جزء من رسالة وجهها هذا الصياد إلى منظمات حقوقية، وطالب فيها بالتدخل لمنع محاكمة الصيادين أمام محاكم عسكرية في مصر.
يحظر قانون حماية البحيرات والثروة السمكية المصري استعمال مركب صيد أو مزاولة أي شخص مهنة الصيد من دون امتلاك رخصة، كما جعل قرار رئيس الجمهورية رقم 294 القضاء العسكري مختصاً بالنظر في المخالفات وجرائم تقع في المياه والشواطئ والطرق المحيطة ببحيرات المنزلة والبردويل والبرلس وإدكو ومريوط وناصر (جميعها مالحة ما عدا "ناصر" المرتبطة بالسد العالي).
وكتب مصطفى أيضاً في رسالته التي نشرها مركز الأرض لحقوق الإنسان: "رغم إخلاء سبيل ابني بعد أربعة أيام من القبض عليه من دون دفع كفالة مالية، لم ينفذ هذا القرار، وجرى تدويره على ذمة قضية جديدة بنفس الاتهامات، ثم أخلي سبيله للمرة الثانية بضمان محل إقامته، قبل ترحيله للمرة الثالثة إلى سجن مرسى مطروح بعد تدويره على ذمة قضية ثالثة".
وقد أرسل مصطفى برقيات وشكاوى وبلاغات إلى النائب العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان، لكنه لم يحصل على رد على مطالبه، كما حصل حين وجّه نفسه خطابات إلى أعضاء في مجلسي الشعب والشيوخ، وآخرين ينتمون إلى أحزاب سياسية في محافظته، وأيضاً إلى لجنة العفو الرئاسي.
منذ أن كانوا أطفالاً
فعلياً يشبه حال مصطفى حال مئات من سكان البحيرات المصرية الذين يعد الصيد مصدر دخلهم الوحيد، ويعملون على مراكب شراعية صغيرة منذ أن كانوا أطفالاً يرافقون آباءهم وأجدادهم. وعلى مدار الأشهر الماضية، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على مئات وربما آلاف الصيادين، وأحالتهم إلى المحاكمة العسكرية بتهم مختلفة، منها ممارسة الصيد من دون ترخيص.
وأخيراً، أصدرت المحكمة العسكرية في المنصورة والإسماعيلية أحكاماً ضد أكثر من 600 صياد من فارسكور والجمالية والمطرية وعزبة اللحم والزهور وجنوب بورسعيد بالحبس 6 أشهر مع وقف التنفيذ، ومصادرة أدوات الصيد التي يملكونها (شباك ومراكب صغيرة). وتتواصل الحملات الأمنية في مناطق البحيرات، وتشهد عمليات اعتقال عشوائية لصيادين صغار لا يملكون مصدراً آخر للدخل وإعالة أسرهم سوى ممارسة مهنة الصيد الحر، في مقابل مطالبة أهالي البحيرات وصغار الصيادين بسن مشروع قانون خاص بهم يتضمن معاقبة المخالفين مالياً لدى حصول المخالفة الأولى والثانية، ثم بالحبس لدى ارتكاب المخالفة الثالثة.
نداء الأهالي
وأورد نداء موحد أطلقه أهالي وصيادو بحيرة المنزلة عبر منصات التواصل الاجتماعي، والمجموعات الخاصة بهم: "يعاني الصياد في بحيرة المنزلة أشد المعاناة من المحاكمات العسكرية، بعدما باتت بحيرات مصر تخضع لولاية حرس الحدود، فيما تتولى شرطة المسطحات المائية تنفيذ القانون".
وتعتبر المنزلة أكبر بحيرة طبيعية في مصر بمساحة 125 ألف فدان، منها 70 ألف فدان في محافظة دمياط، وهي المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة إلى سكان مركز المطرية، وأحد أهم معالمه.
ويبلغ عدد المراكب المرخصة في بحيرة المنزلة 6785، منها 4349 في المطرية و1754 في دمياط و682 في بور سعيد. ويعمل نحو 70 في المائة من سكان المطرية الواقعة على شاطئ بحيرة المنزلة في الصيد، ويقدر عددهم بنحو 25 ألف صياد. وتقدر بيانات غير رسمية عمل نحو 5 آلاف مركب شراعي في البحيرة.
وأكد الأهالي والصيادون في النداء أن جهاز حماية البحيرات يرفض منح تراخيص جديدة للصيادين، ما يدفعهم إلى العمل من دونها فتعتقلهم شرطة المسطحات المائية وتحيلهم إلى المحاكمة العسكرية بتهمة العمل في منطقة تخضع لحماية حرس الحدود.
مع قانون عقوبات
وطالب الأهالي وصيادون بإقرار قانون ينص على "تطبيق غرامة مالية فقط لدى ارتكاب الصياد إحدى المخالفات التالية: نزول البحيرة من دون تصريح، وعدم ترخيص مركبه، وتنفيذ صيد مخالف، مع فرض غرامة مالية عليه إذا ارتكب المخالفة في المرتين الأوليين، وحبسه إذا ارتكب مخالفة ثالثة.
وتضم مصر 14 بحيرة، هي مريوط وإدكو والبرلس والمنزلة والبردويل وسيوة والبحيرات المرة ونبع الحمراء والتمساح وبور فؤاد وقارون وناصر وتوشكى والريان، والتي تتوزع في أرجائها.
ويضم حوض البحر المتوسط شمال مصر تحديداً خمس بحيرات هي من الغرب إلى الشرق مريوط وإدكو والبرلس والمنزلة والبردويل. وتتمثل الأهمية الاقتصادية الكبيرة لهذه البحيرات باعتبارها مصدراً مهماً للثروة السمكية والملح، إذ توفر أكثر من نسبة 75 في المائة من إجمالي إنتاج الأسماك في مصر.
وتفيد أرقام أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بأن البحيرات تنتج نحو 195 ألف طن من الثروة السمكية، أي نحو 10 في المائة من إجمالي الإنتاج السمكي بمصر. وتسهم بحيرات البرلس وناصر والمنزلة بغالبية هذا الإنتاج (نحو 85 في المائة).
وتواجه هذه البحيرات مجموعة من التحديات، منها نقص كميات المياه واضمحلال مساحتها ومشكلات التلوّث الناتج من عمليات توسيع الأنشطة الزراعية والصناعية والمزارع السمكية.
قبضة السلطات
وشرعت السلطات المصرية في إحكام قبضتها على البحيرات ومياهها للحفاظ عليها من التعديات. وأشار تقرير رسمي أصدرته الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي إلى أنّ "عدد التعديات على أملاك الدولة للبحيرات الشمالية بلغ 4656 في عامي 2015 و2016، وغطّى إجمالي مساحة 64.017 فداناً في بحيرات البرلس وإدكو ومريوط التي تقع في محافظات دمياط وبور سعيد والدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة والإسكندرية، بينما لم تتعرض بحيرة البردويل في سيناء لأي تعديات، أو تستقبل مشاريع عشوائية لإنشاء مزارع أسماك حول البحيرات وداخلها، أو منشآت لرمي مخلفاتها، أو تغذيتها بأساليب غير صحية، علماً أن هذه النشاطات تزيد تلوّث البحيرات وتقلل كميات الأكسجين الذائب، ويؤدي إلى نفوق الأسماك في البحيرات".
وعموماً تؤدي عمليات الصيد الجائر واستخدام وسائل غير شرعية للصيد وتنفيذه في أيام المنع بشباك الجرّ ذات الماجة الصغيرة إلى تدمير مناطق تكاثر الأسماك، ما يستنزف الأسماك الصغيرة، في حين يضر استقدام أنواع دخيلة إلى التشكيلة البيولوجية للبحيرات بتركيبتها وإنتاجها.
حملات واعتقالات
من جهته، أكد مركز الأرض لحقوق الإنسان في تقرير أنّ "قوات حرس الحدود وشرطة المسطحات المصرية تواصل القبض على آلاف من صغار الصيادين في بحيرة المنزلة وإدكو، وإحالتهم إلى المحاكم العسكرية بدعوى مخالفتهم قانون الصيد رقم 146 وقرار رئيس الجمهورية رقم 294 المتعلق بعسكرة مياه بحيرات البردويل وبور فؤاد والمنزلة والبرلس وإدكو ومريوط وناصر". وتابع: "أسفرت الحملات الأخيرة عن اعتقال أكثر من 300 صياد في بحيرة المنزلة، وإحالتهم بعد حبسهم إلى محاكم عسكرية في المنصورة والإسماعيلية".
وأشار المركز إلى أن استخدام العنف أثناء الحملة بالمطرية أسفر عن إصابة أحد الصيادين بجروح غائرة احتاجت إلى 60 غرزة، وحجزه بأصفاد بين الحياة والموت في مستشفى المنزلة العام.
وذكر أن الصيادين اعترضوا على إصابة زميلهم، واحتجزوا أحد أفراد القوة الأمنية للمطالبة بإطلاق سراحه ومحاكمة الضابط الذي نفذ الاعتقال، ووقف إحالتهم الصياد المحتجز إلى المحاكم العسكرية.
وأكد المركز القبض على 76 صياداً في بحيرة إدكو، وإحالتهم إلى المحاكمة العسكرية في الإسكندرية، وأشار إلى أن الحملات الأمنية مستمرة رغم مناشدات الأهالي وصغار الصيادين.