"عزّون" الفلسطينية... حاضنة لمقاومة تتوارثها الأجيال

18 يناير 2024
خلال تشييع أحد شهداء عزّون (ناصر اشتيه/ Getty)
+ الخط -

تعد بلدة عزّون الفلسطينية الواقعة في الضفة الغربية حاضنة لأبناء يقاومون اعتداءات الاحتلال والمستوطنين المستمرة

رغم عدم الإعلان الرسمي عن وجود كتيبة للمقاومة في بلدة عزّون، شرق قلقيلية، شمال الضفة الغربية، أسوة بجنين وطولكرم وطوباس ونابلس وغيرها، إلا أن الاشتباكات المسلحة التي يخوضها مقاومون مع كل اقتحام لقوات الاحتلال للبلدة، يشير إلى وجود أرضية خصبة وحاضنة شعبية تدعم هذا التوجه.
وتؤكد عملية الاغتيال التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الثاني من الشهر الجاري بحق أربعة شبان مقاومين اشتبكوا معها في بلدة عزّون أن الحالة النضالية في البلدة تأخذ منحى تصاعدياً ومتسارعاً في الآونة الأخيرة. ويقول الشاب وائل العزوني (اسم مستعار)، لـ"العربي الجديد": "الخلية التي اغتالها الاحتلال ليست الأولى في البلدة، فقد سبقتها مجموعات نفذت عمليات إطلاق نار استهدفت مركبات الاحتلال والمستوطنين التي تمر من أمام مدخلها الرئيسي، ومعسكرات وأبراج الجيش المحيطة بها".
ويوضح العزوني أن شبان عزّون كغيرهم يتأثرون بشدة بما يجري في قطاع غزة، سواء خلال العدوان الأخير أو ما سبقه، وتحديداً عدوان 2014 ومعركة سيف القدس 2021، وقد انعكس ذلك باشتداد المواجهات مع الاحتلال. منذ ذلك الحين، لم يعد اقتحام جيش الاحتلال لعزون يمر مرور الكرام، بل يواجه بمقاومة عنيفة يشارك فيها المئات، والتي تطورت بشكل ملحوظ من الحجارة إلى المولوتوف وصولاً إلى الاشتباكات المسلحة، واعترف الاحتلال بوقوع إصابات مباشرة في صفوف جنوده.                          يشدد العزوني على أهمية الحاضنة الشعبية للمقاومين في عزّون، ويقول إن "الناس هنا يفخرون بوجود مقاومين في البلدة، ويرون فيهم امتداداً طبيعياً للمناضلين القدامى الذين عرفتهم بلدتنا منذ عشرات السنين"، ويلفت إلى ان ما يجري في عزون أزعج الاحتلال كثيراً، لذلك لا يريد لأي حالة نضالية أن تستمر فيلجأ إلى عمليات القتل، كما أنه يقتحم البلدة بعشرات الآليات ومئات الجنود، ويداهم المنازل ويعيث فيها فساداً ويعتدي بالضرب على أصحابها، خصوصاً من أقارب من يدعي الاحتلال أنهم مطاردون، عدا عن التهديدات بقتلهم وهدم منازلهم، في محاولة فاشلة لردعهم، لكن دون جدوى.

وتزج قوات الاحتلال الإسرائيلي حالياً بنحو 140 من أبناء بلدة عزون في سجونها، وغالبيتهم من الأطفال والفتية، وهو العدد الأعلى بين المناطق الفلسطينية مقارنة بعدد السكان، إلى حد وجود قسم كامل في أحد السجون يضم عدداً كبيراً من أهالي البلدة. وفي أوقات سابقة، نفذ الاحتلال حملات اعتقال جماعية طاولت في إحدى المرات نحو 350 معتقلاً دفعة واحدة.   
منذ سنوات طويلة، تعيش عزّون، التي يقطنها نحو 12 ألف نسمة، حصاراً مشدداً يتمثل في إغلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي مداخلها الرئيسية والفرعية، وهو ما حولها فعلياً إلى سجن كبير، وقد وضعت بوابة عسكرية حديدية عند المدخل الرئيسي منذ انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000، ووضعت لاحقاً بوابات أخرى، فيما تحيط بها خمسة أبراج عسكرية ترصد حركة المواطنين والمركبات على مدار الساعة.  

الصورة
بعض آثار إطلاق الرصاص من قبل جيش الاحتلال (جعفر اشتيه/ Getty)
بعض آثار إطلاق الرصاص من قبل جيش الاحتلال (جعفر اشتيه/ Getty)

ويقول الناشط محمد شبيطة لـ"العربي الجديد"، إن الموقع الاستراتيجي للبلدة لعب دوراً كبيراً في نضالها ومقاومتها، وتقع على الطريق الموصل بين مدينتي نابلس وقلقيلية، وهو الطريق الذي تسلكه مركبات جيش الاحتلال والمستوطنين، وغالباً ما تتعمد الوقوف على مدخلها الرئيسي وإطلاق الرصاص والاعتداء على المواطنين، ما دفع بشبان البلدة إلى مقاومة ذلك من خلال رشقها بالحجارة والزجاجات الفارغة، وتطور الأمر لاحقاً لإطلاق الرصاص عليها.
ويشير شبيطة إلى أن الأهالي كانوا حتى وقت قريب يعتمدون على العمل في الزراعة وخصوصاً في حقول الزيتون، غير أن الاحتلال قضم جُلّ أراضيها لصالح إقامة حزام استيطاني مكون من خمس مستوطنات أقدمها مستوطنتا معاليه شمرون وألفي منشية، اللتان أقامهما في ثمانينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى مستوطنات كرني شمرون، وجينات شمرون، وتسوفيم، وبناء الجدار الفاصل، وإقامة الشوارع الاستيطانية، "واليوم بتنا لا نستطيع الوصول إلا إلى نحو 2500 دونم فقط من أصل 27 ألف دونم هي مساحة أراضينا".

ويؤكد شبيطة أن هذه السلسلة من الانتهاكات بفرض الحصار وإغلاق منافذ بلدة عزون وتقييد حركة مواطنيها، يأتي إرضاءً للمستوطنين الذين لا يتركون فرصة لمهاجمتها واستفزاز الأهالي، الذين بدورهم باتوا يردون على ذلك بكل الوسائل المتاحة.
وبحسب ناشطين في بلدة عزون، فقد أصيب ما لا يقل عن 25 مستوطناً، وقد أقر الاحتلال بالأمر، قرب مدخل البلدة ومحيطها خلال الأشهر الماضية، بفعل عمليات المقاومة الشعبية اليومية. وشملت الإصابات جنديين أصيباً بعبوات محلية الصنع والحجارة. وبشكل شبه يومي، تتداول المواقع الإسرائيلية صوراً لمركبات مستوطنين بعد تحطيمها بالحجارة أو حرقها في محيط عزون.
ويقول أحد نشطاء بلدة عزون، والذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن المواجهة مع العدو هي سيدة الموقف في عزّون. واليوم، أمام الاقتحامات والاجتياحات المتكررة لجنين ومخيمها وطولكرم ونابلس وبقية المناطق، بالتزامن مع العدوان على غزة، لا يمكن لأي وطني أن يقف مكتوف الأيدي، وهذا يولّد حالة نضالية وثورية ويزيد اشتعال المواجهات، ويلفت إلى أن جيل المقاومة اليوم لم يكن قد ولد أو كان صغيراً مع اندلاع الانتفاضة الثانية، ومع هذا فهو يتميز بالإقدام والجرأة، وبسبب ذلك تطورت المقاومة من رشق الحجارة والزجاجات الحارقة إلى نصب الكمائن وتصنيع العبوات المحلية وصولاً إلى المواجهة المسلحة المباشرة.

المساهمون