استمع إلى الملخص
- **تحديات وصمود الحمير وأصحابها**: تعرضت الحمير وأصحابها لمخاطر كبيرة خلال القصف والنزوح، لكنهم صمدوا أمام الجوع والعطش. مثال على ذلك حمار نعيم أبو ريالة الذي تحمل الجروح وتم علاجه بالأعشاب.
- **استهداف الاحتلال الإسرائيلي للحمير**: تعمد جيش الاحتلال استهداف عربات الحمير وقتلها لإرهاب أصحابها وشل حركة النقل، مما أثر سلباً على المزارعين في ظل غلاء الوقود وتكرار القصف.
يكون عدد العربات التي تجرّها الحمير في شارع البلد بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، في معظم الأحيان أكثر من عدد السيارات والشاحنات، وهي تقوم بمهام متعددة، من بينها نقل الناس ما بين السوق والمخيم أو مناطق الخيام، وحتى إلى مستشفى شهداء الأقصى في وسط المدينة.
وقد صمدت عربات الحمير كوسيلة نقل طوال فترة العدوان الإسرائيلي المتواصل، وكانت في كثير من المرات وسيلة الإنقاذ الوحيدة، ما يجعل الحمار هو الحيوان المفضل لدى سكان غزة.
ونفقت أعداد كبيرة من الحمير في غزة خلال تكرار القصف أو النزوح، ورصدت الكاميرات استهدافها مع أصحابها مرات عدة. ويتفق سكان غزة في أنه لولا عربات الحمير لما كان لديهم مقدرة على تكرار التنقل، حتى أنها تستخدم في كثير من الأوقات كبديل لسيارات الإسعاف.
صمد حمار نعيم أبو ريالة أمام الجوع والعطش، وتحمّل البرد والحرارة، وقد جرح بسبب تطاير ركام أحد المنازل المدمرة في مدينة رفح قبل أكثر من شهرين، وبعد انتظار طويل تمكن صاحبه من الحصول على علاج عشبي لتضميد جروح الحمار، وعندها شعر بفرحة كبيرة وسط الأزمات التي يعيشها، فمنذ تدمير منزله في مدينة غزة، ينظر نعيم إلى الحمار كمصدر رزق في هذه الفترة الصعبة.
يقول أبو ريالة لـ"العربي الجديد": "في أوقات عدة لم أكن أجد طعاماً لحماري، فكنت أجمع له الأعشاب من مناطق كانت تتعرض للقصف، لأنه خاطر معي كثيراً. في الماضي كنت أخجل من قول إن الحمار خير رفيق، رغم أنني كنت أشعر بهذا قبل الحرب، لكن حالياً أقولها وأكررها دائماً، فقد حملني على ظهره مع ما أملك، وحمل عائلتي، وتحمّل نقل الكثير من الأشياء الثقيلة عبر العربة".
يضيف: "تحمّل حماري الجوع والعطش مثلي، وفي فصل الشتاء الماضي، ونتيجة العطش الشديد، هطلت الأمطار مرة، ففتح فمه للسماء للحصول على بعض الماء، وكثيراً ما أطعمه بقايا الخبز، أو بعض الخضروات المتروكة في السوق. أخشى من نفوقه مثلما نفقت أعداد كبيرة من الحمير خلال الحرب، خصوصاً عند أصحاب العربات الذين أعرفهم من العاملين في السوق".
وكرر جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف العديد من العربات التي تجرها الحمير في مناطق عدة، كما يتعمد قناصو الاحتلال قتل الحمير، لإرهاب أصحاب عربات النقل خلال عملهم في نقل الأغراض أو البشر، أو خلال محاولاتهم النزوح، وربما يهدف الاحتلال بقتل الحمير أن لا يجد سكان غزة أي وسيلة نقل.
قتل جيش الاحتلال حمار إياد القرشي الذي كان يستخدمه في جر عربة النقل، ولم يتبق لديه سوى حمار صغير مصاب، وقد انتظر حتى تعافى كي يواصل العمل به على العربة. شعر القرشي بحزن كبير على حماره، واستمر حزنه أكثر من أسبوع، لأنه صمد معه كثيراً خلال الشهور السابقة، حتى أنه في إحدى المرات هرب تاركا العربة والحمار من قصف إسرائيلي بالقرب من مفترق الشارع، وقد لحقه الحمار رغم القصف حتى وصل إلى مكانه سالماً.
واستهدف الاحتلال حمار القرشي مع حمار آخر في غربي مدينة رفح، في يونيو الماضي، بعد نقل عدد من النازحين إلى المنطقة، وكان الاستهداف مباشراً، وكان يودّ دفنه، لكن القصف المركّز على المنطقة منعه من ذلك، فتركه على الأرض، ونقل العربة.
يقول القرشي لـ"العربي الجديد": "ليس غريباً على الاحتلال استهداف مصادر رزقنا مباشرة، فقد اعتدنا على هذا. كنت أعمل نجاراً، ودمر الاحتلال المصنع الذي كنت أعمل فيه منذ سنوات، لكن قتل الحمار نوع من الإرهاب. في بعض المرات كانوا يستهدفون الناس الذين ينقلهم الحمار، لكنهم قتلوا الحمار أيضاً، وحالياً أعمل على الحمار الصغير".
يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف طوال مرات العدوان المتكرر على قطاع غزة خلال سنوات الحصار عدداً كبيراً من الحمير، ضمن محاولاته لشل الحركة في المناطق التي يستهدفها، كما منع دخول الحمير إلى قطاع غزة خلال العامين الأخيرين، ضمن ادعاءات كاذبة يروجها بتعرّضها للتعذيب، أو استخدام جلودها في أغراض غير مشروعة، وهو ما انتقده آلاف المزارعين الفلسطينيين، على اعتبار أنه مقوم رئيسي في عملهم.
وفي بعض الأوقات كان يتزايد إقبال سكان غزة على استخدام عربات الحمير بسبب غلاء الوقود الذي تكرر خلال الأعوام الأخيرة، وصولاً إلى قرابة دولارين أميركيين للتر الواحد، خصوصاً في مزارع شرقي القطاع التي تواجه معوقات كثيرة من بينها تكرار القصف من جيش الاحتلال، وكذا في مزارع أقصى شمال قطاع غزة التي كانت تتعرض للتخريب بشكل متعمد.