يشكو كثير من العراقيّين من بدلات الكشف المرتفعة التي يفرضها الأطباء في عياداتهم الخاصة، علماً أنهم يضطرون للجوء إليها بسبب تراجع الخدمات المقدمة في المستشفيات الحكومية، وأحياناً الانتظار لأيام عدة قبل الحصول على موعد. ويفترض ألّا تتجاوز أجور الأطباء في العراق، بحسب وزارة الصحة، نحو 10 آلاف دينار (8 دولارات). إلا أن العديد من الأطباء يفرضون بدلاً يتجاوز الـ 70 ألف دينار (نحو 50 دولاراً). كما يدفع المواطنون رسوماً أخرى بدل إجراء الفحوصات المخبرية أو صور الأشعة السينية وغيرها. يقول عضو نقابة الأطباء العراقية محمد عدنان إنّ "البدلات تختلف من طبيب إلى آخر، وهم من يتولى تحديده انطلاقاً من أن رفع البدلات يزيد من الثقة بهم وبالتالي الاقبال عليهم".
يضيف عدنان: "بعض الأطباء يتفقون مع صيدليات لشراء الأدوية، وكذلك الحال بالنسبة للمختبرات والمواد الطبية الأخرى. في المقابل، هناك أطباء إنسانيين، وما زالت البدلات التي يطلبونها لا تتجاوز الثلاثة دولارات. ويخصص البعض يوماً أو إثنين من كل أسبوع لعلاج الفقراء والأرامل والنازحين مجاناً". يتابع أنّ "وزارة الصحة تتحمّل المسؤولية بالدرجة الأولى، في ظل ضعف المتابعة وترك المرضى تحت رحمة القطاع الخاص. ولو كانت المستشفيات الحكومية تؤدي واجبها، لما اضطرّ المرضى للتوجه إلى العيادات الخاصة وتحمّل كل التكاليف".
ويتمركز أشهر الأطباء العراقيّين في حي الحارثية وسط بغداد، ويقصدهم مواطنون من مختلف المدن والمحافظات البعيدة. وبعدما ينفق البعض كلّ ما يملكون من مال لتأمين بدل الأطباء، يضطر عدد منهم إلى استدانة بدل أجرة المواصلات للعودة إلى بيوتهم.
إلى ذلك، يقول مسؤول في وزارة الصحة العراقية إنهم تلقوا أكثر من ألف شكوى من خلال الخط الخاص بالشكاوى بسبب بدلات الكشف المرتفعة التي يفرضها الكثير من الأطباء. يضيف: "نعم، هناك استغلال، ويضطر المرضى للحصول على العلاج اللازم، ويتعلّقون بأي أمل حتى لو اضطروا إلى بيع ما يملكون أو الاستدانة. ويجب على الناس أن يدركوا أنّ بدلات الكشف المرتفعة التي يفرضها الأطباء لا تعني بالضرورة أنهم أكفاء، وبالتالي يمكن اللجوء إلى الأطباء الذين يفرضون بدلات أقل".
ويكشف عن تشكيل الوزارة لجنة جديدة لمتابعة الموضوع مع نقابة الأطباء، لا سيما وأن بعض الشكاوى حددت أسماء أطباء وعناوين عياداتهم، مشيراً إلى أنّ "الملف حالياً قيد التحقيق في الوزارة وسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنه". في المقابل،
يقول الطبيب عباس الموسوي العامل في العاصمة بغداد لـ "العربي الجديد"، إن "وزارة الصحة لا توفر سوى ثلاثين في المائة من الخدمات الطبية التي يحتاجها المواطن من علاج وأدوية طبية، الأمر الذي يجعل المسؤولية الأولى تقع على عاتق الوزارة التي ينخرها الفساد المالي والإداري والواسطة". يضيف أنّ "غياب الرقابة وسيطرة الجهات النافذة هي التي سببت تراجع الواقع الصحي في العراق. وإذا لم تكن هناك رقابة جدية من الحكومة، سيتراجع القطاع الصحي أكثر فأكثر، وسيذهب الجميع إلى المستشفيات الخاصة والعيادات الخارجية"، مؤكداً أن "نسبة الأطباء الإنسانيين أكبر بكثير من الراغبين في تحقيق الأرباح. لكن في جميع الأحوال، فإن الأمر يزداد سوءاً، وحتى من الأطباء القدامى الذين يفترض أنهم يكونوا قدوة لغيرهم".
من جهتها، تؤكد فاطمة حسن (53 عاماً) أن أكثر من نصف دخلها الشهري يذهب للأطباء بسبب المرض. وتقول لـ "العربي الجديد": "لدى مراجعتنا المستشفيات الحكومية في بغداد، لا نجد ما نبحث عنه، سواء أطباء متخصصين أو أدوية أو حتى الاهتمام. لدى إبني مشاكل في القلب. ولا يوجد أجهزة ولا علاج في المستشفيات الحكومية"، الأمر الذي اضطرها للذهاب إلى المستشفيات الخاصة التي توفر الأجهزة الطبية الحديثة". وتقول: "صار هناك أطباء من الطبقتين الغنية والفقيرة".
ويقول عضو لجنة الصحة في البرلمان العراقي، فارس برفكاني، في حديثه لـ "العربي الجديد" إنّ "وزارة الصحة تقدم ثلث الخدمات المطلوبة للمواطنين بسبب استمرار الحروب وتهالك البنى التحتية للنظام الصحي وبقية الخدمات. كما أن المواطن مجبر على تأمينها من العيادات الخاصة أو المستشفيات الخاصة". ويشير إلى أن "هناك تنسيقاً بين اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية والنقابات الصحية، وقد جرى على أساسها تحديد بدلات كشف الأطباء على ألا يتجاوز 10 آلاف دينار. وما يحدث الآن من رفع بدلات الأطباء هو تصرّف شخصي، ونحن نعتبره تجاوز، وعلى الجميع الالتزام بالقانون".
وهاجم عضو البرلمان السابق عباس الزاملي وزارة الصحة العراقية، موضحاً في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "سيطرة مافيات الفساد على وزارة الصحة، وسوء الإدارة في غالبية المستشفيات الحكومية وصفقات الأدوية الفاسدة، يدفع العراقيين الفقراء ثمنها من جيوبهم". يضيف: "على الحكومة والجهات الرقابية التدخل على الأقل في هذا الملف وضبط بدلات الأطباء ووقف المضاربة في قطاع الصحة. وهذا الأمر خطير جداً ويمكن أن يؤثر على حياة الناس" معتبراً أن "ارتفاع بدلات الأطباء يعود إلى قلة الرقابة. كما أن طبقة الدخل المحدود لا تملك ثمن العلاج". يضيف: "إذا أردنا النهوض بالواقع الصحي، لا بد من تطبيق قانون الضمان الصحي ومحاربة الفساد والتوجه إلى دعم القطاع الحكومي ومحاسبة المقصرين وتوفير الأجهزة الطبية في المستشفيات الحكومية".
وتفتقر غالبية المستشفيات والمؤسسات الصحية العراقية إلى الخدمات التي يحتاجها المرضى، ما تسبب بالتوجه نحو العيادات والمستشفيات الخاصة التي تضم أجهزة حديثة. إلا أنها تفرض أجوراً تفوق قدرة غالبية المرضى على توفيرها.