لم يعد شراء الذهب من التفاصيل الأساسية لإتمام الزواج في تونس، علماً أن العرائس كنّ يحصلن على الذهب كهدايا. وكان "المصوغ" بحسب التعبير المحلي، يقدم من الزوج أو عائلته كهدية يوم عقد القران أو الحنة. لكن الغلاء وارتفاع نفقات الزواج دفعا الكثير من العائلات إلى الاستغناء عنه، ليصبح شرطاً ثانوياً بالنسبة للعديد من المقبلين على الزواج.
وشراء الذهب في الزواج يدخل ضمن العادات والتقاليد التونسية، وتختلف كمية المصوغ المقدم للعروس بحسب المحافظات. ففي مدينة جربة (جنوب شرق) والمدن الساحلية، تُكسى العروس بالذهب. وتتفاوت الأوزان بحسب السعر، بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية للأفراد.
تقول أماني صفر التي تستعد للزواج في سبتمبر/ أيلول المقبل، إنها لم تتفق بعد مع خطيبها على تفاصيل شراء الذهب الذي سيقدمه لها قبل الزفاف كمهر أو هدية زواج، مشيرة إلى أنهما "اتفقا على إعطاء الأولوية لتجهيز المنزل وتجنب العادات المكلفة قدر الإمكان". وتؤكد لـ "العربي الجديد" أن "شراء الحلي لزينة العروس شرط أساسي في جهتها سلقطة، وكان يطلب من الزوج سابقاً شراء كمية كبيرة من الحلي لعروسه التي ترتديها للزينة في الأفراح والمناسبات العائلية. أما اليوم، فهناك تغيّر كبير في العادات، وأصبح المقدمون عليه يكتفون بالحد الأدنى من الحلي، فيما قطع آخرون مع هذه العادات ولم تعد أمراً ضرورياً".
بالإضافة إلى المناسبات والأفراح، يرتبط شراء الذهب في تونس بالأنشطة الزراعية، وغالباً ما تزدهر تجارة المعدن الأصفر خلال سنوات الرخاء التي يكون فيها مردود المحصول الزراعي جيدا. ومن عادات المزارعين أن يقدموا إلى زوجاتهم وبناتهم عقب كل موسم حصاد، قطعاً من الحلي تقديراً لعملهن ومساندتهن. إلا أن سنوات الجفاف التي أثرت على القطاع الزراعي انعكست على شراء الذهب.
وتقول التونسية آمال المحرزي إن زوجها "اعتاد منذ أكثر من 20 عاماً على تقديم قطعة من الحلي الثمين كهدية لها عقب كل موسم حصاد". تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد" أن "شراء الذهب بعد جمع المحصول هو اعتراف للزوجة بجهودها في مساعدة زوجها المزارع على امتداد الموسم الزراعي، منها إعداد الطعام للعمال في الحقل أثناء فترات البذر والحصاد".
لكن الوضع تغيّر هذا العام، بعدما بدد الجفاف المحصول بأكمله، ولم يتمكن غالبية المزارعين في مناطق إنتاج القمح من استعادة حتى كلفة الإنتاج، ما دفعها إلى التنازل عن هديتها لأول مرة منذ عشرين عام.
ويقول رئيس غرفة تجار المصوغ حاتم بن يوسف إن "مواسم شراء الذهب لدى التونسيين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأنشطة الزراعية، ويزداد الطلب على الذهب للزينة في فصل الصيف بعد حصاد محصول الحبوب. وغالباً ما يكون المشترون في تلك الفترة من سكان مناطق الشمال الغربي. في المقابل، يشتري سكان مناطق القبائل الذهب بعد جمع محاصيل الحمضيات".
ويؤكد بن يوسف لـ "العربي الجديد" حصول تغيرات كبيرة في علاقة التونسيين بالمعدن الأصفر، مشيراً إلى "تلاشي عادات ادخار الذهب. سجل سوق الذهب تراجعاً خلال السنوات العشر الماضية بأكثر من 50 في المائة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد"، مشيراً إلى أن "مكانة الذهب تراجعت في أولويات التونسيين بما في ذلك المقبلين على الزواج الذين تخلوا طوعاً عن عادات شراء المصوغ في ظل أولويات أخرى، كالأثاث وتجهيز البيت الزوجي".
كما يؤكد يوسف أن "الذهب الأصفر لم يعد خياراً آمناً للادخار على الرغم من ارتفاع سعره بما يزيد عن 60 في المائة خلال السنوات العشر الماضية. ولم يسجل السوق أي تحسن في تداول المعادن الثمينة، بينما تهاوت المبيعات إلى أدنى مستوياتها ما بعد جائحة كورونا".
ويشير إلى أنه "في الوقت الحالي، يتراوح سعر الغرام الواحد من الذهب عيار 18 قيراطاً ما بين 170 و180 ديناراً (ما بين 56 و60 دولاراً)، علماً أن السعر كان 80 ديناراً (حوالي 26 دولاراً) قبل 10 سنوات، ما يزيد في قيمة الذهب المدخر".
ويُرجع بن يوسف ارتفاع أسعار الذهب في تونس إلى "أسباب عدة، أبرزها التدني الكبير لسعر صرف الدينار التونسي إزاء الدولار خلال السنوات الأخيرة بمعدل ثلاث مرات، وارتفاع أسعار المواد الأولية التي يتم بموجبها تصنيع الذهب، واختيار الذهب للادخار. إذ تتزين بها النساء، وقد تبيعها وقد تلجأ إلى بيعها خلال الأزمات، أو لشراء الأراضي أو العقارات". إلا أن غلاء المعيشة وارتفاع سعر الذهب إلى مستويات قياسية خلال السنوات الأخيرة أدى إلى تراجع كبير في تداول الذهب، ولم تعد الطبقات الاجتماعية على اختلافها قادرة على شرائه.