عدوان الاحتلال يقتل أحلام نور ويدمر كرسيها المتحرك

03 نوفمبر 2023
فقدت نور كل أغراضها تحت الأنقاض (محمد الحجار)
+ الخط -

كانت الفلسطينية نور أرشي (30 سنة)، مثل غيرها من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي منهمكة منذ بدء العدوان الإسرائيلي في إبراز المعاناة التي يعيشها سكان قطاع غزة المحاصر في ظل انقطاع الكهرباء والماء، ومحاولات حجب أصوات النشطاء لمنعهم من نشر الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين، ووصل التفاعل مع بعض قصصها عبر حسابها في منصة "تيك توك" إلى مئات آلاف المشاهدات حول العالم، قبل أن تتحول هي نفسها إلى واحدة من ضحايا جرائم الاحتلال.
في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ودعت أرشي شقيقتها وعدد من أفراد عائلتها بسبب قصف إسرائيلي دمر منزل أسرتها في مدينة دير البلح بوسط قطاع غزة، حين أغارت طائرات الاحتلال على منزل عمها، فدمرته بالكامل، وأحدثت دماراً بالغاً بمنزل أسرتها الملاصق له، فاستشهدت شقيقتها منة الله وسبعة من أبناء عمومتها وأبنائهم، كما أصيب عدد من أفراد العائلة، بينما خرجت هي بصعوبة من تحت الأنقاض كونها مصابة بشلل في القدمين.
تقول نور أرشي لـ"العربي الجديد": "استيقظت على صوت الجدران تنهار فوق رأسي، وسقط عمود إسمنتي على رجلي، بينما كان أهلي يصرخون طلباً للنجدة. كنت أنادي على والدي لأخبره بأن قدمي أصيبت، وكان يحاول طمأنتي، ولما أخرجوني بدأت البحث عن شقيقتي منة الله، فأمسكني والدي ليخبرني بأن أختي استشهدت، بينما أنا أصرخ وأقول لا ما ماتت. منة عايشة. شاهدت الناس يخرجون جثمان شقيقتي، فأصبت بحالة صدمة شديدة، ثم حملوني بالبطانية لأني صاحبة إعاقة، والكرسي المتحرك الذي يعمل بالبطاريات وجدوه محطماً، وقام بعض أفراد عائلتي بإخراج الكرسي المتحرك علنا نستطيع إصلاحه لأنه الوسيلة التي أستطيع التنقل عبرها".

كان كرسيها المتحرك وسيلة تنقلها الأساسية (العربي الجديد)
كان كرسيها المتحرك وسيلة تنقلها الأساسية (العربي الجديد)

يعرف غالبية سكان دير البلح نور، ويميزونها من خلال تنقلها على كرسيها المتحرك الذي كان رفيقها الأهم، والذي كانت تشحن بطارياته يومياً حتى تتمكن من الذهاب إلى شاطئ البحر الذي تحبه، فضلاً عن مكان عملها كمنشطة أطفال، وهي تتمتع بطاقة إيجابية كبيرة رغم أنها لا تبتسم كثيراً، لكن كرسيها المتحرك دمره الاحتلال تحت أنقاض منزلها.
ولدت نور أرشي بشلل في القدمين، وعانت في طفولتها بسبب التمييز والتنمر، إذ كانت بلا صديقات تقريباً، لكن حياتها تغيرت في الجامعة، حيث انخرطت مع الأشخاص ذوي الإعاقة، وحصلت على دورات متخصصة في إدارة المشاريع، وقضايا الضغط والمناصرة، ودورات متخصصة في تعليم الأطفال، ودورات قانونية في حقوق النساء والأشخاص ذوي الإعاقة.

كانت الشابة الفلسطينية تسعى إلى تجاوز إعاقتها عبر إجراء عمليات جراحية تمكنها من المشي، وآخرها عملية أجرتها العام الماضي في تركيا، وعند إنقاذها من تحت ركام القصف، كانت تشعر بمزيج من الألم الجسدي والقهر النفسي.

تعمل نور كمنشطة لأطفال المدارس (العربي الجديد)
تعمل نور كمنشطة لأطفال المدارس (العربي الجديد)

تقول: "عندما وصلنا إلى المستشفى أخبرت عائلتي أن يضعوني إلى جانب أختي. كنت أريد أن أراها، وقتها كانوا يخفون عني استشهادها، وكانت الممرضة تخبرني بأنها حيّة لكنها تعرضت لإصابة بالغة، لكن كل هذا لم يكن حقيقياً، وعندما قرروا في النهاية إبلاغي بوفاتها، أصبت بالصدمة، لم أواجه في عمري كله كل هذا الألم الذي شعرت به وقتها، ولا أعتقد أنني أستطيع تخطيه".
ويعرف الكثير من الفلسطينيين والعرب أرشي كنجمة على تطبيق "تيك توك"، ولديها أكثر من 185 ألف متابع، وحظيت منشوراتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة بأكثر من 2.5 مليون إعجاب، وهي تنشر يومياتها من على كرسيها المتحرك، وأطلقت على نفسها لقب "البومة"، إذ تشعر بأن هذا الطائر يمثلها كونها تعيش في قطاع غزة، وبالرغم مما حصل معها، فإنها تواصل نشر القصص عبر "تيك توك" و"فيسبوك" و"إنستغرام" حتى تبين قضية شعبها للعالم.
حاولت نور من خلال منشوراتها تغيير النظرة السلبية للأشخاص ذوي الإعاقة، وأن تعكس ذلك من خلال نشاطها داخل المنزل وخارجه، إذ كانت تقوم بجولات يومية، وتمارس كامل المهام المنزلية مثل الطبخ والتنظيف، فضلاً عن بعض اللقطات الفكاهية.

تحاول نور حالياً متابعة النشر رغم كل الصعوبات، فغرفتها وأغراضها الخاصة والمطبخ الذي كنت تحب أن تعد الطعام فيه دمرت تماماً. تقول: "كنت أنشط على مواقع التواصل الاجتماعي لأشارك الناس كل لحظاتي، في العمل، وفي المنزل، وفي الشارع كأي شخص طبيعي، وكثيراً ما تواصل معي أشخاص ذوو إعاقة من عدة بلاد لشكري على منحهم طاقة إيجابية. الآن كل شيء اختفى، ولن أستطيع إعداد الطعام وحدي، كما لا أستطيع التحرك بسهولة، فالبيت صممه والدي بشكلٍ يوائم إعاقتي، لكن القصف دمر كل شيء في لحظة".

المساهمون