عدم الإحساس الخلقي بالألم.. معاناة حقيقية

08 ابريل 2022
الكرسي المتحرّك يوفّر الكثير على المصابين بعدم الإحساس الخلقي بالألم (مانو فيغا/ Getty)
+ الخط -

قد يكون انعدام الإحساس في حالات الألم حلماً لكثيرين، غير أنّه في الواقع أقرب إلى الكابوس بالنسبة إلى آخرين يعانون من عدم الإحساس الخلقي بالألم، وهو مرض "نادر إنّما خطر" يمكنه تحويل أعراض حميدة إلى مشكلات مزمنة تفسد حياة المصابين بها.

ابتداءً من 12 إبريل/ نيسان الجاري، سوف يخوض باتريس أبيلا، مطوّر برامج فرنسي يبلغ من العمر 55 عاماً، تحدياً كبيراً، إذ إنّه سوف يركض مسافات تعادل تسعين ماراثوناً في أقلّ من أربعة أشهر، وذلك على المسار المحدّد لطواف فرنسا الخاص بالدراجات الهوائية لعام 20،22 والذي يمتدّ من العاصمة الدنماركية كوبنهاغن إلى العاصمة الفرنسية باريس. أمّا الهدف من هذا التحدّي فيتمثل في "تحريك المجتمع العلمي والتعريف بمرض عدم الإحساس الخلقي بالألم"، الذي تعاني منه ابنتاه البالغتان 12 و13 عاماً.

ويُترجم هذا المرض في أشدّ أشكاله بعدم الإحساس بالألم منذ الولادة. ويقول أبيلا، من تولوز في الجنوب الفرنسي، لوكالة "فرانس برس": "أدركنا أنّ ابنتي الكبرى تعاني من هذا المرض عندما بدأت تمشي، لأنّها كانت تترك وراءها آثار دماء"، مضيفاً أنّ الأمر كان "مثيراً للدهشة، إذ لم تكن تشتكي من أيّ ألم".

وبعدما تعرّضت الابنة لإصابتَين متتاليتين بإصبع رجلها، لجأ أهلها إلى استشارة أطباء شخّصوا حالتها بهذا المرض. أمّا بخصوص الابنة الثانية، فيقول أبيلا، وهو أب لأربعة أبناء: "كنّا قد مررنا بالتجربة نفسها مع ابنتي الأولى".

دور وقائي للألم

وتطرح التأثيرات الناجمة عن المرض مشكلة أكثر من المرض نفسه.

ويوضح أبيلا أنّه "بسبب الالتهابات المتكرّرة، فقدت ابنتي الكبرى أوّل مفصل من كلّ واحد من أصابعها، وتعيّن كذلك بتر واحد من أصابع قدمَيها". والشقيقتان اللتان تعانيان كسوراً صغيرة في رُكَبِهما تسبّبت في تلف المفاصل، تُضطران سنوياً إلى دخول المستشفى طيلة ثلاثة أشهر، وهما لا تستطيعان التنقّل إلّا وهما تستندان إلى عكازَين أو على كرسيّ متحرك.

ويقول الوالد إنّ الفتاتَين تعانيان من "الوصلة المزدوجة (امتداد المفاصل إلى أبعد ممّا هو طبيعي)، وفي إمكانهما القيام بالحركات نفسها إلى ما لا نهاية". ويشرح أنّهما "عندما تستحمان، تفهمان مبدأ المياه الساخنة والمياه الباردة، لكن في حال أصبحت المياه حارقة لا تشعران بأيّ ألم".

وعلى الرغم من عدم شعورهما بالألم الجسدي، فإنّ الشقيقتَين تعانيان من "ألم نفسي" يترك تأثيرات وخيمة على حياتهما اليومية.

ويشير الطبيب ديدييه بو حصيرة، الذي يعمل في مركز تقويم الآلام وعلاجه التابع لمستشفى "أمبرواز باريه" الواقع في ضاحية بولون-بيانكور الباريسية، إلى أنّ عدم الإحساس الخلقي بالألم هو مرض نادر، إذ سُجّلت فقط بضعة آلاف من الإصابات في العالم، وهو ينطوي على "خطورة بالغة". ويوضح لوكالة "فرانس برس" أنّ "الألم يلعب في الحقيقة دوراً وظيفياً مهماً، ويحمينا بالتالي من المخاطر المحيطة بنا".

طفرات وراثية

ويضيف بو حصيرة أنّه في الحالات الأكثر تطوّراً، يتعرّض الأطفال إلى "تشوّهات في ألسنتهم أو أصابعهم في أثناء مرحلة التسنين"، ثمّ "يتعرّضون لحوادث عدّة، من بينها الحروق، أو قد يستمرون في المشي على أطراف مكسورة لا تلتئم بسرعة". ويتابع أنّه في حال شُخّص المرض مبكراً، "ينبغي تعليم المرضى كيفية حماية أنفسهم، وهذا أمر موجود بالفطرة لدى الآخرين". لكنّ ثمّة حالات عديدة قد تمثّل مشكلات كبيرة، إذ يتحوّل مثلاً التهاب الزائدة الدودية البسيط إلى التهاب منتشر في البطن في حال لم يُعالَج في الوقت المناسب.

تجدر الإشارة إلى أنّ توصيف عدم الإحساس الخلقي بالألم وُصّف للمرّة الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي.

وتعيد دراسات عدّة السبب الكامن وراءه إلى طفرات جينيّة تمنع تطوّر مستقبلات الألم أو تعرقل عملها. وفي معظم الحالات، يواجه الطفل احتمالاً بنسبة 50 في المائة للإصابة بعدم الإحساس الخلقي بالألم في حال كان كلا الوالدَين يحملان الخلل الجيني المسبّب للمرض.

وأظهرت دراسات أخرى أنّ الإنتاج المفرط للأندورفين، وهو هرمون له تأثير مهمّ في تخفيف الآلام، في الدماغ يمكن أن يمثّل كذلك أحد أسباب الإصابة بالمرض.

وعلى الرغم من عدم توفّر أيّ علاج لهذا المرض المُنهِك، فإنّ "إلقاء الضوء على الاختلالات التي تفسّر حدوثه ساهمت على الأقلّ في تحديد الدور المهمّ الذي تلعبه جزيئات معيّنة في مواجهة الألم"، بحسب ما يؤكّد بو حصيرة. ويشدّد الطبيب على أنّ "فهم الألم بشكل أفضل من شأنه أن يساهم بلا شكّ في تطوير مسكّنات جديدة" يستفيد منها للمفارقة أولئك الذين يشعرون به.

(فرانس برس)

المساهمون