كان عاماً طويلاً. لعلّه كان من أطول الأعوام التي مرّت علينا. وقد حمل الكثير من الأسباب التي أدّت إلى هذا "الاتهام"، يأتي انتشار الوباء في رأس قائمتها.
ربما كان الانتظار أصعب ما حمله كورونا، وليس خطر الموت الذي يهددنا به فحسب. انتظار الوباء ومساره، موجة تلو موجة. انتظار اللقاح، تجربة من بعد تجربة. انتظار الأرقام اليومية للمصابين والضحايا والناجين. انتظار أخبار الوكالات والعواجل. انتظار بيانات منظمة الصحة العالمية وتصريحات مسؤوليها. انتظار إعلانه وباء عالمياً والانتظار المرجو لإعلان السيطرة عليه. انتظار أخبار الأهل والأصدقاء المصابين. انتظار نجاتهم أو انتظار الأسوأ.
سجننا كورونا خلف قضبان زنازين متعددة. سجننا بداية تحت جسمنا الذي صرنا نخاف عليه من كل غريب. وسجننا في منازل كنا نستجمع أنفسنا فيها قبل الخروج إلى الدنيا ومواجهتها، فبتنا نهرب من الخارج إليها. سجننا في وحدتنا بعيداً عن البشر الآخرين. صرنا نخاف. كنا نخاف في السابق لكن اليوم صرنا نخاف أكثر. نخاف على أنفسنا ومنها. نخاف من الآخرين وعليهم. نخاف من كل المساحات التي كانت ملاذاً لنا من يوميات رتيبة نعيشها بلا حماس. مساحات ظننا أنها عادية في سلّم حياتنا، مثل النادي، والمقهى، والحديقة، وصالة السينما. ومساحات اجتماعية ثبت أنها ليست تفصيلاً عادياً، مثل لقاء الأصدقاء، وعيادة المرضى في المستشفى، وتقديم التهاني بزفاف، وحمل واجب العزاء للتخفيف من ألم قريب خسر عزيزاً.
غيّر كورونا عاداتنا اليومية وغيّر داخلنا إلى الأبد. أفقدنا التفاصيل التي لم نكن نلاحظ أهميتها وكانت محور يومياتنا. اختفت الابتسامات خلف كمامة، غابت المصافحات وراء المعقمات، وتهجّرت فناجين القهوة بين الناس.
باتت المساحات كلها، متفرقةً أو مجتمعة، ساحات خطر من ذلك الفيروس الخفي الذي يزيد من سرعة انتشاره كل يوم، وينتظر أن ينقض علينا، نحن الآدميين الذين مارسنا الأذى وارتكبنا الذنوب بحق الطبيعة وبحق أنفسنا.
لا تستهويني نظريات المؤامرة ولا تثير اهتمامي. لا أحب أفلام الخيال العلمي التي تخلق لنا وحوشاً وأشراراً يضافون إلى القائمة الطويلة التي لدينا. كورونا حقيقة. ليس وهماً ولا مؤامرة، ولو رفض البعض تصديق ذلك أو اختار السخرية من كل ما يتعلّق به.
بعد أيام نطوي صفحة عام ونفتح صفحة عام آخر جديد. عسى أن نطوي مع رزنامة العام الزائل الكثير من أوهامنا، ونقدّر الحياة أكثر.