عندما ينتصف شهر شعبان من كل عام، تكون العائلات الجزائرية قد بدأت الاستعدادات مبكراً لشهر الصوم. بعض التحضيرات تتعلق باستبدال الأواني والأغراض وتوفير توابل ومواد تدخل في إعداد أطباق خاصة بالإفطار، ويشكل بعضها مظاهر لعادات وتقاليد توارثتها العائلات طوال عقود في سبيل إعداد ما يلزم لإكرام شهر الصوم.
في بعض المناطق، تسمى العادات الخاصة بالشهر "إحياء العوايد" التي تعني إظهار طقوس الفرح بحلول شهر رمضان، التي تميزه عن باقي الأيام، وتمنح البهجة للعائلات وتسمح لأفرادها بتغيير عاداتهم اليومية خارج شهر الصوم تحديداً، رغم أن بعض هذه الطقوس بدأت تتلاشى بمرور الزمن بفعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة.
وتعتبر أسر خاصة ونساء أن تجهيز المطبخ وشراء بعض الأواني الجديدة "فأل حسن لطهو طبق الشوربة" (الحساء). وتقول حنان بن سلامة التي تسكن في منطقة الرواشد بولاية ميلة (شرق) لـ"العربي الجديد": "تبقى هذه العادات علامة خاصة بشهر الصوم. حين ينتصف شهر شعبان نبدأ تجهيز ما نحتاجه، ونشتري أواني جديدة وأطباقاً فخارية نستعملها في طهو الشوربة وتناولها، باعتبارها الطبق الرئيسي في مائدة الإفطار، ونحرص على تجديد أدوات الطبخ". تضيف: "عادة شراء الأواني الجديدة توارثتها الأسر لاستقبال الشهر الفضيل، باعتباره ضيفاً يحلّ علينا مرة كل عام".
إلى ذلك، تبدأ العائلات الجزائرية عشية حلول شهر رمضان في تحضير مختلف لوازم الشهر من مؤونة واحتياجات تعتمد عليها في إعداد الأطباق المهمة للمطبخ الرمضاني، وتستعملها في الطهو، وتستقبل محلات بيع التوابل سيدات البيوت اللواتي يشترين مختلف أنواع التوابل والخلطات التي تتضمن أكثر من نوع تساهم في إضافة المذاق الطيب على الأطباق والمأكولات الشعبية الخاصة بمائدة رمضان. كذلك يبتعن الفواكه المجفّفة والمكسرات ومستلزمات لتحضير حلويات تزين موائد السهرات، والتمور التي يجري تناولها عند أذان الإفطار، وتتمتع بأهمية غذائية كبيرة، لكونها غنية بالألياف وسريعة الهضم وذات مذاق سكري يفيد ضغط الدم الذي ينخفض خلال ساعات الصيام. كذلك تعزز التمور عمل الجهاز العصبي، لأنها تحتوي على نسب عالية من البوتاسيوم، ولأنها سريعة الامتصاص، لأنها تحوي نسباً عالية من السكريات الأحادية والثنائية (الغلوكوز والفركتوز) التي تنشّط الجسم بسرعة.
وإلى هذه المقتنيات الضرورية، يُعَدّ ما يُسمى "عولة رمضان" التي توفر مختلف مستلزمات إعداد المعجنات في البيوت، فضلاً عن الزيتون والفلفل الحار الذي تعدّه تقليدياً عائلات، وخصوصاً تلك التي تعيش في الريف، وذلك بكميات تكفي أيام شهر رمضان، ولا تتعرض لتلف سريع، ويكون استعمالها سهلاً خلال هذا الشهر. أما أهم ما تعدّه العائلات الجزائرية قبل رمضان، فهو "المرمز" أو "الفريك" الذي يعتبر أساس إعداد طبق "الشوربة" أو "الجاري" أو "الحريرة" كما يطلق عليها في مناطق جزائرية عدة، علماً أن الحساء يعتبر طعاماً ضرورياً خلال الشهر لمدّ الجسم بالسوائل والفيتامينات والمعادن. ومن المفيد تناول الحساء المرتكز في مكوناته على الخضر والبقول عند وجبة الإفطار، حتى يكون خفيفاً ويمكّن الصائم من تناول أصناف أخرى من الطعام.
ويعكف فلاحون كُثر في الجزائر على تحويل سنابل القمح إلى مادة "الفريك" من القمح اللين، حسب رشيد بوذن المتحدر من منطقة أم البواقي، والذي يوضح لـ"العربي الجديد" أن سعر الكيلوغرام من "الفريك" يتجاوز 400 دينار جزائري (2.2 دولار)، إذ تزداد تجارته خلال شهر رمضان.
وعن إعداد "المرمز" في البيوت، تشرح سعيدة زيتوني من منطقة المسيلة لـ"العربي الجديد" أنه "عقب حصد السنابل وجمع محصول القمح وعرضه في الشمس والهواء كي يجفف ويصبح يابساً يفرك وتنزع القشور، ثم يجمّع ويوضع فوق النار ويجري تقليبه كي لا يحرق بالكامل، وبعده تصفيته وتخليصه من مختلف الشوائب وعرضه على الشمس مرة ثانية بهدف تيبيسه، يجمع في أكياس صغيرة تمهيداً لاستهلاكه كعنصر مهم في الطبق الأساس بمأكولات الإفطار خلال رمضان".
ومع تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية في الجزائر، تراجعت بعض العادات الشعبية الخاصة باستقبال شهر رمضان، فسابقاً كانت غالبية الأسر تتمسك بعادة تنظيف البيوت وإعادة تزيينها وتنظيمها، وتجهيز المطبخ بأدوات جديدة للتعبير عن الفرح بقدوم الشهر، لكن الظروف الاقتصادية الصعبة حتمت تلاشي بعض عادات الاستعداد للصوم، وبينها عادة طلاء البيوت، إذ تكتفي غالبية العائلات حالياً بالتنظيف والتزيين لتجنب التكاليف المرتفعة لهذه التغييرات التي باتت اليوم تثقل جيوب الجزائريين، كذلك فإن تغيّر الأجيال ساهم في ذلك.