عائلة الديراوي الغزية تُقتَل بصاروخ واحد

24 أكتوبر 2023
الشقيقتان الشهيدتان منى علي الديراوي وأميرة علي الديراوي (العربي الجديد)
+ الخط -

"لم ينجُ أحد". هذا ما قيل لعائلة الديراوي بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منازل عائلتي ابنيها محمود (60 عاماً)، وسليمان (65 عاماً)، في قرية الزوايدة، وسط قطاع غزة، يوم الأحد 22 أكتوبر/ تشرين الأول، مع استمرار آلة الحرب والدمار في غزة.
قتل الاحتلال الإسرائيلي كل من كان في المنازل. ظن النازحون القادمون من الشمال أن وسط القطاع أكثر أماناً، لكن كان مصيرهم القتل في إطار المجازر المستمرة. ارتقى محمود فرحان الديراوي شهيداً مع كل أفراد عائلته، وهم زوجته منى (58 عاماً)، وأبناؤه الثلاثة إسماعيل (36 عاماً)، ومحمد (32 عاماً)، وزوجتاهما وأبناؤهما، وابنه وسام (28 عاماً)، تاركاً ابنتيه المتزوجتين مكلومتين بفراق العائلة والأحبة.
الفقيد الديراوي هو الشقيق الأصغر بين أفراد عائلته، لم تشفع له ظروفه الصحية والظروف الصعبة في غزة للنجاة هذه المرة من القصف، هو الذي عاش ست حروب في غزة. كان يعاني من أمراض عدة من جراء الظروف القاسية في القطاع، وكان يعمل في محله البسيط (بقالة) بعد حصار غزة وإغلاق معابرها ومنع دخول العاملين القدامى إلى الداخل المحتل. تعب كثيراً قبل أن يتمكن من بناء منزله في ظل الواقع الاقتصادي الصعب لغزة. 
أما زوجته منى، فهي أيضاً ابنة عمه الصغرى المدللة بين إخوتها وأخواتها وسند الجميع. يأتي إلى بيتها الصغير والكبير، فيشكون همهم لها ويجدون يدها تطبطب عليهم. إسماعيل هو الابن الأكبر والذراع الأيمن لوالده، وحاصل على شهادة بكالوريوس من كلية التربية ويعمل في إحدى المؤسسات الحكومية. وزوجته حليمة أبو شوارب أم لأربعة أطفال هم دانا وضياء الدين وعلي وأحمد، أكبرهم لم يتجاوز العاشرة من عمره، وأصغرهم بالكاد يبلغ الثالثة. كانوا مثل أي عائلة فلسطينية، يحلمون بمستقبل جميل لأبنائهم، وكانت الأم تعبر دوماً عن حلمها بأن تصبح ابنتها البكر دانا طبيبة تفخر بها وبعلمها وتخدم مجتمعها. فدانا كانت تتميز بذكائها، لكن آلة القتل الإسرائيلية كانت أسرع إليها. اعتادت دانا أن تحث شقيقها ضياء الدين على حفظ القرآن والذهاب إلى حلقة التحفيظ في المسجد.

الصورة
الشقيقتان جنان محمد الديراوي جنى محمد الديراوي (العربي الجديد)
الشقيقتان الشهيدتان جنان محمد الديراوي وجنى محمد الديراوي (العربي الجديد)

ويعد محمد الهادئ والمتزن وصاحب الحكمة والفطنة والقرار الصائب، ولربما كانت زوجته ماريا أبو جلال تتمتع بالصفات ذاتها، وقد جمعتهما هذه الصفات والكثير من الأحلام، إلا أن الاحتلال قتلها، ولم يستثن طفليهما محمود (3 سنوات)، وأنس (سنتان). أما ماريا الفنانة، فكثيراً ما كانت ترسم لوحات تجسد مستقبلاً جميلاً مليئاً بالحب والجمال والسلام، على الرغم من دراستها تخصص التحاليل الطبية، إلا أنها حافظت على موهبتها، لكنها قتلت. 

وكان وسام قد ترك غزة قبل أعوام متوجهاً إلى تركيا بعد سنوات من البطالة. لكنه ترك حلمه وعاد إلى أحضان عائلته ووطنه ليستشهد مع بقية أفراد عائلته. كان يؤسس لحياة زوجية على أمل أن يكون الغد أجمل قبل أن يخطف المحتل كل أحلامه أيضاً.
هذه العائلة الصغيرة كانت تجتمع على مائدة واحدة، تضحك وتحلم بمستقبل لا يوجد فيه احتلال ولا قهر، غد مليء بالاستقرار والهدوء. إلا أن جميع هذه الضحكات اختفت بصاروخ واحد. 

الصورة
جنات محمد الديراوي (العربي الجديد)
الطفلة الشهيدة جنات محمد الديراوي (العربي الجديد)

مُسِحت عائلة محمود الديراوي من السجل المدني ولم يخرج منها أي فرد على قيد الحياة. بقي وجع الفقدان ملازماً ابنتيه منار وهدى التي ستنجب طفلها بعد أيام قليلة من دون وجود أمها معها تهوّن عليها ألم المخاض، ومن دون أن يتسنى لها وداعها في ظل الوضع الخطير الذي تعيشه غزة. أما عائلة شقيقه الأكبر سليمان، الذي نجا من الموت المحدق، فقد نجا أيضاً ابنه عبد الحميد (34 عاماً)، واثنين من أطفاله بأعجوبة، فيما استشهدت زوجته أميرة وابنته البكر أماني وعدد من أطفالها، وعلياء الإبنة الصغرى، وزوجات أبنائه وأطفالهن، وابنه محمد وأطفاله. بقي يبكي بحرقة فراق فلذات القلب "الحناين" ومن كان في بيته من أحباء وضيوف هربوا من الموت ليجدوه أمامهم.

المهندس سليمان، وهو ستيني متقاعد، ودع ابنه محمد (37 عاماً)، وزوجته أماني الحاج أحمد (34 عاماً)، وأطفالهما الثلاثة، بالإضافة إلى شقيقتها تهاني وعدد من أبنائها وشقيقتهن الثالثة التي جاءت تستنجد بهن هرباً من القصف ليرحلن معاً. كما رحلت ابنته البكر المدللة أماني مع ابنتها الوحيدة ماسة وأولاد آخرين. أماني التي تركت بيتها في مخيم المغازي ظناً منها أنها ستنجو من الموت بفعل استهداف الاحتلال وقصف منزلها في حروب سابقة على غزة، لكن هذه المرة لم تستيقظ من صدمتها وتعاود النهوض وتبني منزلها وأحلامها من جديد، كما في السابق. هذه المرة اختلف الواقع والحلم، فالجميع صعد إلى السماء.
لم يستوعب سليمان ما جرى له، وكيف انقلبت حياته في لحظة رأساً على عقب. خسر المنزل ومن فيه من أحبة وأصدقاء. الاحتلال الإسرائيلي يقتل الأحلام والذكريات ويترك في القلب وجعاً وألماً وقهراً لا ينسى. رحل الأحبة الكبار والصغار، تاركين خلفهم أحلامهم، ليكملها من بقي من العائلة وليؤكدوا للمحتل أنهم شعب متمسك بالحياة وبالأحلام. 

المساهمون