مطلع الشهر الجاري، فُوجئ خالد إبراهيم، الذي يعمل مهندساً في إحدى أكبر شركات المقاولات والإنشاءات في مصر، بتخفيض راتبه بنسبة 25 في المائة. فتوجّه إلى قسم الشؤون المالية والإدارية في الشركة للاستفسار، فقِيل له: "نحن أفضل بكثير من غيرنا. شركات أخرى خفّضت الرواتب بنسبة تتجاوز الأربعين في المائة، فيما اضطرت أخرى إلى تسريح الموظفين".
يقول إبراهيم: "لا أدري ما دفعني للسؤال عن العلاوة التي عادة ما نتقاضاها عن العام الماضي، والزيادة السنوية للعام المقبل، فما كان منه (الموظف الإداري) إلا أن ضحك ساخراً". وعلى الرغم من إعادة فتح معظم الأنشطة الاقتصادية والتجارية والترفيهية في البلاد حالياً، إلّا أن الأحوال المعيشية لمعظم المصريين تدهورت بشكل كبير، وقد فقد كثيرون وظائفهم. أما الأكثر حظاً، فانحصر الأمر بتخفيض رواتبهم، ما أثّر بشدة على طريقة حياتهم.
وكانت الحكومة المصرية قد وعدت خلال طرحها موازنة العام الحالي 2020 - 2021، أن تضع المواطن المصري على رأس أولويات السياسات العامة، خصوصاً بعد تفشي وباء كورونا، وتداعياته على ملايين المصريين. وجاءت أزمة كوفيد-19 لتضاعف التحديات التي تواجهها الحكومة.
حصلت نحو 17 في المائة من الأسر على مساعدات أهل الخير
ما سبق انعكس بشكل لافت على تفاصيل الحياة اليومية العادية، بما في ذلك استهلاك الطعام والشراب. وتشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصائيات إلى أن 36 في المائة من الأسر المصرية قللت كمية الطعام في الوجبات، في وقت قلّلت 19.8 في المائة منها عدد الوجبات نفسه. وخفضت نسبة 14.2 في المائة من البالغين كمية الغذاء من أجل توفيرها للأطفال، وبدأت 4.6 في المائة من العائلات في إرسال أفراد الأسرة لتناول الطعام عند الغير.
الدراسة نفسها أظهرت أن نحو نصف الأسر المصرية اقترضت من الغير في حالة عدم كفاية الدخل للوفاء باحتياجاتها، وذلك بعد تفشي وباء كورونا. كما أن نسبة قليلة من العائلات بلغت 5.4 في المائة، حصلت على منحة العمالة غير المنتظمة، كما حصلت نحو 17 في المائة من الأسر على مساعدات أهل الخير.
يواجه إبراهيم، الذي ينتمي إلى أسرة متوسّطة الحال، أزمة حقيقيّة بعد تقليل دخله بنسبة الربع، إذ لديه التزامات مادية من أقساط ومصاريف مدارس وولادة وغيرها. وبحسبته البسيطة لتقسيم دخله البالغ 15 ألف جنيه (نحو 950 دولاراً)، فقد تم خصم 25 في المائة من راتبه أي ما يعادل 3750 جنيهاً (نحو 237 دولاراً)، ويسدد بدل الجمعية الشهرية بقيمة 3 آلاف جنيه (نحو 190 دولاراً). كما يسدّد قسطاً ربع سنوي لوحدة سكنية اشتراها قبل أعوام بقيمة 35 ألف جنيه (نحو 2220 دولاراً) كل ثلاثة أشهر، أي نحو 11 ألف جنيه في الشهر الواحد (نحو 697 دولاراً)، عدا عن فواتير الكهرباء والغاز والمياه التي تزيد بمعدلات مخيفة، ومن دون احتساب تكاليف النقل والوقود والطعام والشراب.
الأزمة أيضاً لدى إبراهيم تكمن في أن كل هذه الأزمات تتزامن مع قرب بدء العام الدراسي، إضافة إلى انتظاره مولوداً ثالثاً بعد نحو ستة أشهر. وفي التاسع من يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت الحكومة زيادة أسعار الكهرباء للمستهلكين في المنازل.
يقول إبراهيم: "كنت أستطيع الادخار شهرياً قبل التعويم في أواخر عام 2016. لكن بعد التعويم، اختلفت كل المؤشرات".
والتعويم هو جعل سعر صرف هذه العملة محرراً بشكل كامل، إذ لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر، وإنّما يتم إفرازه تلقائياً في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية في مقابل العملات الأجنبية.
على الرغم من ذلك، يظلّ حال إبراهيم أفضل كثيراً من آخرين، إذ إن خيار الجلوس في المنزل وفقدان الوظائف كان الأصعب بالنسبة لقطاع كبير من العاملين في مصر. ويوضح التقرير الأخير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن 61.9 في المائة من العينة المشاركة في البحث تغيرت حالتهم. كما أن 73.5 في المائة قل دخلهم، و55.7 في المائة من العاملين كانوا يعملون وقتاً أقل من المعتاد، و26.2 في المائة تعطّلوا عن العمل، و18.1 في المائة يعملون بشكل متقطع.
واللافت أنّه في مقابل هذه المعاناة التي تعاني منها غالبية البيوت المصرية، كانت هناك استجابة سريعة من صناع القرار لأصحاب الأعمال، الذين رفضوا سياسات الإغلاق والإجراءات الاحترازية لمواجهة الوباء، وضغطوا من أجل إعادة فتح الأعمال "حفاظاً على الاقتصاد"، على حد قولهم، حتى لو كان الأمر على حساب أرواح العمال وصحة المصريين. وبالفعل، استجابت الحكومة سريعاً لتلك الضغوط. بل اتخذت إجراءات سريعة لصالح أصحاب الأعمال، مثل خفض أسعار الغاز والكهرباء، وتثبيت أسعار الكهرباء للمصانع لخمس سنوات مقبلة، وإرجاء الأقساط والضرائب المستحقة ثلاثة أشهر، وخفض ضريبة الدمغة (تُفرض ضريبة على إجمالي عمليات بيع الأوراق المالية بجميع أنواعها، سواء كانت هذه الأوراق مصرية أو أجنبية، مقيدة بسوق الأوراق المالية أو غير مقيدة بها) في البورصة للثلث، وخفض ضريبة توزيع الأرباح للشركات المقيدة بالبورصة للنصف لتصبح 5 في المائة.
وبحسب دراسة تحت عنوان "أزمة كوفيد-19 والواقع الأليم لسياسات وظروف العمل"، والتي أصدرتها منصة العدالة الاجتماعية (منظمة حقوقية مصرية)، فإن بعض شركات الطيران على سبيل المثال لجأت إلى تسريح عمالها، فيما خفضت أخرى الأجور بنسب تتراوح ما بين 25 و50 في المائة. ورفضت تلك الشركات الاقتراض بفائدة 8 في المائة لسداد اﻷجور. كما أظهر مؤشر مديري المشتريات أن الاستغناء عن جزء من العمالة لدى القطاع الخاص كان أحد التداعيات البارزة لأزمة كورونا في مصر. وأعلن رجل الأعمال نجيب ساويرس عن تخفيض أجور العمال في إحدى شركاته إلى النصف.
الدراسة نفسها تطرقت إلى مصاريف المدارس التي لم يذهب إليها التلاميذ خلال نصف العام الماضي كاملاً، مشيرة إلى أن "إدارات المدارس حصلت على القسط الثاني من أولياء أمور التلاميذ الذين لم يذهبوا إلى المدارس تقريباً خلال الفصل الدراسي الثاني، وامتنعوا عن دفع بدل أجور العاملين. في البداية، خيّر بعضهم العاملين بين الذهاب إلى المدرسة مع تخفيض أجرهم أو عدم الذهاب واعتبارها إجازة من دون أجر. فكان خيار الجلوس في البيوت من دون أجر هو الغالب".