"بعد ثلاث سنوات من الجهود والأبحاث والاختبارات لتحصيل شهادة الدكتوراه خارج لبنان، بات الحلم حقيقة بالنسبة لي، لكنّ طموحي انقلب رأساً على عقب بسبب الأوضاع الصعبة السائدة في لبنان، ولم تعد تنتابني الرغبة السابقة في العودة إلى ربوع الوطن، بل في إيجاد أي فرصة عمل في بلاد الاغتراب تشكل منفذاً لي للحصول على إقامة وربما الجنسية لاحقاً كي أكمل حياتي في الخارج". هذا الواقع المحبط توجزه غدير مطر، الطالبة اللبنانية المتفوّقة التي سبق أن حازت منحة تعليمية لمتابعة دراساتها العليا في الخارج، وغادرت لبنان بأمل العودة لتحقيق طموحاتها داخل بلدها، وهو ما لم يحصل".
تقول غدير، التي قدّمت رسالة ماجستير قبل أيام من انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لـ"العربي الجديد": "كنتُ أتوق بشغف وحماس كبيرين مثل غيري من أبناء وبنات جيلي إلى بناء لبنان جديد، وخلق وطن يشبه أحلام شعبه والتطلّعات التي يستحقها، ويضمن له عيش حياة كريمة بعيداً عن مفاهيم الطائفية والمحسوبية التي أوصلت البلاد إلى وضعه الحالي المتأزم جداً. وبعدما حصلت على منحة للدكتوراه، كان هدفي الأول مواصلة النجاح والتفوّق والعودة إلى ربوع لبنان، لا سيما أنّني كنت من أشدّ الرافضين لفكرة الهجرة والتخلّي عن الوطن الذي اعتبر أنه أثمن من أن نتركه لفاسدين، حتّى إنّني لُقّبت بثورجية (نسبة إلى الثورة) وسط عائلتي".
تضيف: "بعد كلّ ما عاشه الشعب اللبناني من أزمات لا نهاية لها، اختلف حلمي وزالت رغبتي في العودة. من الواضح أن أحلامنا وأيضاً مستقبلنا وأدنى حقوقنا ومكتسباتنا تبددت حتى بتنا مجبرين على قبول أي عرض وأي فرصة في الخارج، واعتبارها فرصة العمر، في حين أنّها في الحقيقة هروب قسري يمثّل حالياً الأمل الوحيد لنا، كشباب وشابات لبنان، للخروج من نفق مظلم فرض علينا وعلى شعبنا من دون أن نختاره".
وتأسف الطالبة لتحوّل مفهوم شهادة الدكتوراه أو الماجستير لدى طلاب وطالبات لبنان من امتلاك تحصيل أكاديمي متخصّص يهدف إلى الخروج بنتائج علمية ومعطيات دقيقة تفيد الوطن وأبنائه، إلى آمال معلّقة على أرض غريبة قد تكون وطناً يحتويهم ويلبي تطلّعاتهم، ويؤمّن لهم مقوّمات الحياة الكريمة بعدما لفظهم وطنهم، ولم يترك لهم سبباً للبقاء فيه". وتسرد كيف يتواصل معها باستمرار أصدقاء وأقارب وخرّيجو جامعات للاستفسار عن كيفية تقديم طلبات للحصول على منح للدراسات العليا، أو على قبول في جامعات خارج لبنان، حتى لو اضطروا إلى تأمين النفقات من جيبهم الخاص وتلك لعائلاتهم، ومنهم من باع أهلهم أراضي لا يملكون سواها، مراهنين على مستقبل أفضل خارج حدود الوطن".
من جهتها، نجحت الطالبة أمل القاضي في متابعة رسالة الماجستير بمنحة كاملة في فرنسا حيث قبلتها جامعة. وكشفت أنّها ثابرت فعلاً على البحث عن منح جامعية أو قبول في جامعات الخارج، وبذلت بالتالي جهوداً كبيرة لمحاولة الحصول على فرصة لمغادرة لبنان. وتقول لـ"العربي الجديد": "لم أفكّر بهذه الطريقة سابقاً، بل كان هدفي أن أنهي تحصيلي الجامعي وأعمل في لبنان، لكن في ظل الأزمة المعيشية الخانقة، أصبحت مجبرة على الذهاب. لم يبقَ أمامي حلّ آخر، وأرحل رغماً عني والغصّة في قلبي، لذا تبقى فرحتي منقوصة".
أمّا نور ميّاسي، فيشير إلى أنّه لم يفكر بالسفر قبل أن يتأزّم الوضع في لبنان، ويقول: "كنتُ أرغب في إنهاء مرحلة الماجستير في لبنان، ولكن عندما واجهت عدداً من العقبات في تأمين المواد اللازمة وارتفاع تكلفة الاختبارات، نصحتني الأستاذة المشرفة على الرسالة بالسفر، خصوصاً أنّني اختبرتُ أيضاً صعوبات في متابعة صفوف الأونلاين بسبب انقطاع التيار الكهربائي، واضطراري إلى دفع تكاليف كبيرة للانتقال إلى الجامعة، فقدّمت للحصول على منحة جامعية في إيطاليا، وتحقق ذلك". وإذ يسرد الطالب اللبناني الصعوبات التي واجهته في إيطاليا أيضاً، بدءاً بإشكاليّة اللغة التي لا يتقنها والتواصل مع الآخرين، وصولاً إلى ارتفاع قيمة الإيجارات والضرائب في حال قرّر البقاء، يكشف أنّه يفكّر طوال الوقت بضرورة الحصول على وظيفة براتبٍ عالٍ تسمح له بالاستقرار في الخارج، رغم أنه يحن إلى عائلة ومنزل وحديقة كان يزرعها ويعتني بأزهارها وأشجارها وشتولها، قبل أن يُجبر على تركها لمصير يبدو أنه خريف دائم من أجل الإبحار خلف ربيع أحلامه.