طلاب جامعيون يعانون في الشمال السوري

11 اغسطس 2022
المنح الطالبية المحدودة تعرقل دراسة كثيرين (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -

لا تبدو الأمور ميسّرة بالنسبة إلى الطلاب السوريين في جامعات شمال غربي سورية، الخارج عن سيطرة النظام. ويحكي شباب يتابعون دراستهم فيها لـ"العربي الجديد" عمّا يواجهونه خلال مسارهم الدراسي، لا سيّما لجهة التكاليف التي يجد كثيرون أنفسهم عاجزين عن تحمّلها أو تدبّرها.
ماجد الأحمد واحد من هؤلاء وهو في السنة الثالثة بكلية الاقتصاد في جامعة إدلب، يحاول البحث عن منحة تعينه في سداد أقساطه الجامعية التي تثقل كاهله، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها الشمال السوري والتي انعكست على كلّ مناحي الحياة. والأحمد مهجّر من جنوب حلب منذ نحو ستّة أعوام، ولم يتبقَّ لعائلته أيّ أملاك أو أراضٍ تعتاش منها بحسب ما يقوله "العربي الجديد".

ويخبر الأحمد: "تواصلت مع معظم الجهات التي تقدّم منحاً للطلاب في جامعة إدلب، لكنّني لم أنجح في الحصول على أيّ منحة مالية"، لافتاً إلى أنّ "عدد المنح المقدّمة لطلاب الجامعة في العام الماضي بلغ نحو ثلاثة آلاف". ويوضح أنّ "أكثر ما يرهقني هو تلك الأقساط الجامعية في كلّ فصل إذ إنّني لا أعمل، وكذلك ارتفاع تكلفة المواصلات اليومية من شمالي مدينة الدانا إلى مدينة إدلب. وتُضاف إلى ذلك تكاليف طباعة المناهج التعليمية والمحاضرات".
ويتابع الأحمد أنّه "بحسب ما نلاحظه، فإنّ ثمّة نقصاً في المنح الطالبية بجامعة إدلب مقارنة بجامعات شمالي حلب. وعلى الرغم من أنّ عدد طلاب جامعة إدلب يفوق عدد طلاب جامعة حلب الحرّة بمدينة أعزاز، إلا أنّ المنح مقدّمة لطلاب الأخيرة، وكذلك يوجد نشاط طالبي ملحوظ فيها". ويشدّد على أنّ "ثمّة طاقات كبيرة في جامعة إدلب إنّما هي غير مستثمرة".
من جهته، يتحدّث محمد مسطو، الطالب في السنة الثانية بكلية الصيدلة في جامعة حلب الحرّة، لـ"العربي الجديد" عن "صعوبة الدراسة في زمن الحرب في بلاد عانت من ويلات الدمار والنزوح وحصر السكان في مناطق جغرافية محصورة، في ظلّ أوضاع اقتصادية صعبة وانتشار للبطالة وبالتالي الفقر. لذا، فإنّ الجهل وعدم متابعة التعلّم من الأمور التي قد تُعَدّ طبيعية في هذه الظروف، لكنّنا نتحدّى الواقع الحالي ونتابع تعليمنا على الرغم من كلّ شيء".
يضيف مسطو أنّه "تترتّب على الطالب الجامعي مصاريف مختلفة، من أقساط الجامعة وما تستلزمه المعيشة إلى جانب بدل إيجار المسكن، الأمر الذي يمثّل مشكلة كبيرة للطالب الجامعي خصوصاً الذي لا يملك مورداً مالياً ثابتاً". 
أمّا محمود الذي تحفّظ عن ذكر اسمه كاملاً، فيحاول التخفيف من حجم الصعوبات. هو طالب في السنة الثالثة بكلية الطب البشري في جامعة إدلب ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "وضع الطالب جيّد نظرياً، لكنّ الضعف يكمن في المجال العملي بسبب قلّة المعدات في المختبرات وعدم توفّر معظم الأدوات التي من شأنها إعانة الطالب في دراسته. وبالنسبة إلى الطب البشري، فإنّ الصعوبة الكبرى هي اعتراض الأتراك على تدريب الطلاب السوريين في السنوات الأخيرة بالمستشفيات التركية المنشأة على الأراضي السورية".

حفل تخرج في جامعة إدلب (العربي الجديد)
حفل تخريج دفعة من طلاب جامعة إدلب (العربي الجديد)

ويلفت محمود إلى أنّ "ثمّة منحاً كثيرة مخصّصة إمّا للأقساط الجامعية وإمّا لمصاريف الطلاب الشهرية، غير أنّ شرطها الأوّل هو المعدّل الدراسي، بالتالي فإنّها لا تلحظ وضع الطالب المادي". ويتابع أنّه وزملاءه "نعاني من صعوبة أسئلة الاختبارات التي تأتي تعجيزية أحياناً، مع عدم مراعاة حصر جلسات الدراسة العملية في أيام متقاربة محدّدة حتى يتمكّن الطلاب من زيارة أهاليهم".
ولا تختلف الحال بالنسبة إلى ياسر ملوحي من مدينة الأتارب الذي يسكن في مدينة مارع شمالي محافظة حلب بالقرب من جامعته حيث يتابع دراسته في كلية الطب البشري. يقول لـ"العربي الجديد إنّ "الأوضاع الاقتصادية والسياسية تؤثّر بشكل كبير على الطالب الجامعي، وتكاليف الدراسة ومستلزماتها كفيلة بالتأثير سلباً على وضعه النفسي وقد يدفعه ذلك إلى عدم إكمال دراسته، خصوصاً أنّ المنح تستهدف فئات معيّنة من الطلاب دون سواهم على الرغم من أحقيّة غيرهم فيها".
ويشدّد ملوحي على أنّ "أصعب ما يواجهه الطالب في شمال غربي سورية هو الغلاء الفاحش واستغلال الطلاب من قبل أصحاب البيوت والباعة وسط عدم الاستقرار المادي. كذلك ثمّة مشكلات سياسية وأمنية تتعلق بمنطقتنا، بالإضافة إلى كثرة الدويلات، الأمر الذي يصعّب على الطالب التنقّل من منطقة إلى أخرى".
في سياق متصل، ثمّة طلاب كثر من جامعات شمالي حلب يقطنون في إدلب، فيضطرون إلى التنقّل لمسافات وفي ساعة مبكرة، حتى لا يفوّتوا أياً من المحاضرات ويعودوا أدراجهم في اليوم نفسه. لكنّهم قد يتأخّرون عن الدوام في أحيان كثيرة، بسبب الإجراءات المشدّدة عند معبرَي الغزاوية ودير بلوط اللذَين يربطان منطقة شمالي إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام بمناطق ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
من جهة أخرى، يتلقّى الطالب علي السيد المهجّر من مدينة حمص والمقيم في منطقة ريف عفرين شمال غربي سورية منحة مالية رمزية لمدّة ثلاثة أشهر، علماً أنّه طالب في السنة الثانية بكلية الطب البشري في جامعة حلب. وعلى الرغم من أنّها تساعده في التخفيف من مصاريف دراسته، فإنّها غير كافية.
أمّا سعد خليفة وهو طالب في الكلية نفسها، فيحصل على مبلغ 100 دولار أميركي من إحدى المنظمات بالإضافة إلى كامل قسطه الجامعي. كذلك يستفيد من تدريب عملي في المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لتلك المنظمة في المنطقة.
بدوره، حصل الطالب أحمد عمر وهو طالب دراسات عليا في كلية الحقوق بجامعة حلب الحرّة بمدينة أعزاز، على منحة دراسية تأتي في إطار مجموعة من المنح المخصّصة للدراسات العليا.
إلى جانب الشكوى من التكاليف، يحكي طلاب من مختلف الاختصاصات في جامعات شمالي حلب عن صعوبات أخرى تواجههم، من بينها الضعف على الصعيد العملي في مجالات اختصاصاتهم على الرغم من قرب تخرّجهم، علماً أنّ ذلك لا يؤهلهم لدخول سوق العمل. كذلك، فإنّ لا اهتمام بالطلاب المتميّزين من أصحاب الأفكار الإبداعية.

تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة 15 جامعة تقريباً تفتح أبوابها أمام الطلاب في شمال غربي سورية، لعلّ أبرزُها جامعتَي حلب الحرّة التابعة للحكومة السورية المؤقتة وجامعة إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ. وقد عقدت الجامعات اتفاقيات وبروتوكولات تعاون عدّة مع جامعات تركية بهدف تحسين الواقع التعليمي الجامعي، والعمل على الاعتراف بالشهادات الصادرة عنها.

المساهمون