يستمرّ اعتراض طلاب الجامعة اللبنانية على قرار رفع رسوم التسجيل للعام الجامعي 2023-2024، وقد طالبت مجموعة منهم في تحرّك أمام قصر العدل في بيروت بوقف القرار والتراجع عنه، وذلك بالتزامن مع بدء مهلة البتّ بالطعن فيه أمام مجلس شورى الدولة.
وقد نفّذ "الاتحاد الطلابي العام"، اليوم الخميس، وقفة أمام قصر العدل بالعاصمة اللبنانية للمطالبة بالبتّ بالطعن المقدَّم، وكذلك بسداد مستحقات الجامعة الخاصة بأموال فحوص كورونا (بي سي آر) من شركة طيران الشرق الأوسط "ميدل إيست"، البالغة قيمتها 52 مليون دولار أميركي. فالجامعة اللبنانية كانت قد كُلّفت بعملية فحص المسافرين الوافدين إلى لبنان، في مطار بيروت الدولي، في إطار التدابير الخاصة بأزمة كورونا الوبائية.
وفي السابع من سبتمبر/ أيلول الماضي، تقدّم ثلاثة طلاب في الجامعة اللبنانية بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة لإبطال القرار الصادر عن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل ووزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، والرامي إلى مضاعفة رسوم التسجيل في الجامعة بأكثر من عشرة أضعاف.
واستند مقدّمو المراجعة إلى صدور القرار عن سلطة غير مختصّة على نحو يتعارض مع قوانين موازنة سابقة ومع قانون تنظيم الجامعة اللبنانية على حدّ سواء.
بالنسبة إلى الطلاب، فإنّ القرار يهدّد حقوقاً أساسية، أهمّها الحقّ في التعليم المكرّس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللذَين باتت لهما قوة الدستور. وأشار هؤلاء إلى أنّ رسم التسجيل يزيد عن الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص، فضلاً عن أنّه يبلغ أضعاف رواتب الموظفين في القطاع العام.
كلمة الطلاب في الاعتصام الاحتجاجي لزيادة الأقساط في #الجامعة_اللبنانية#أخبار_الساحة #حراك_الطلاب #زيادة_أقساط #لبنان pic.twitter.com/FOAI6amndl
— أخبار الساحة (@Akhbaralsaha) October 5, 2023
وأفاد الطلاب في تحرّكهم، اليوم الخميس، بأنّ رئيس الجامعة اللبنانية بسّام بدران يرى أنّ الطعن بالقرار هو "حرق للجامعة اللبنانية لمصالحة الجامعات الخاصة"، مشدّدين على أنّهم لم يعملوا يوماً إلا لمصلحة الجامعة اللبنانية وأنّ مسيرتهم ترتكز على الدفاع عنها وعن وجودها، شارحين أنّ الدليل على ذلك هو المعركة التي يخوضونها من أجل المطالبة بمستحقات الجامعة اللبنانية من شركة "ميدل إيست".
ورأى الطلاب أنّ من يحرق الجامعة اللبنانية هي المكاتب التربوية والعلاقات الزبائنية في الجامعة، وعدم إنتاجيتها، والمنهجية التي تتبع بإدارة الأزمة وبتحميلها الخسائر المتراكمة للطلاب، مؤكدين أنّ هذه المنهجية بحدّ ذاتها تخدم الجامعات الخاصة التي تُعفى من الضرائب فيما تراكم الأرباح.
ولفت الطلاب المحتجّون إلى أنّ تحرّكهم اليوم مدعوم من قبل أساتذة وكادر تعليمي وموظفين ودكاترة في التعليم الرسمي ككلّ، وما يفعله رئيس الجامعة اللبنانية هو تضليل للوقائع ولتاريخ الطلاب وتحرّكاتهم، مفيدين بأنّهم عائدون إلى مقدّمة الصراع دفاعاً عن الجامعة اللبنانية واستمراريتها ولإيصال رسالة إلى شركة "ميدل إيست" بأنّ "الأموال سوف تعود".
وسبق أن نفّذ طلاب تحرّكات في داخل مكاتب "ميدل إيست" للمطالبة بمستحقات الجامعة اللبنانية من فحوصات كورونا التي أُجريت في مطار بيروت الدولي، والتي بلغت قيمتها 52 مليون دولار أميركي.
تجدر الإشارة إلى أنّ القرار الجديد حدّد رسوم التسجيل في مرحلة الإجازة الجامعية بـ13.5 مليون ليرة لبنانية (نحو 150 دولاراً أميركياً بحسب سعر صرف السوق الموازية) للطلاب اللبنانيين و60 مليون ليرة (نحو 670 دولاراً) للأجانب، فيما بلغت رسوم مرحلة الماجستير 18 مليون ليرة (نحو 200 دولار). أمّا رسوم التسجيل في مرحلة الدكتوراه، فحُدّدت بـ 22 مليون ليرة (نحو 245 دولاراً) للبنانيين و600 مليون ليرة (نحو 6.700 دولار) للأجانب.
وأثار قرار رفع الأقساط وفرض رسوم جديدة سخطاً كبيراً في الأوساط الطالبية التي ترى أنّ السلطات اللبنانية تتعمّد هذه المنهجية لضرب القطاع الرسمي وتحميل الفئات الهشّة الضعيفة الخسائر ومسؤولية سياساتها التي أوصلت البلاد إلى الانهيار ومؤسسات الدولة إلى التدهور التاريخي.
ولا تتناسب الرسوم الجديدة مع أوضاع الشريحة الكبرى من اللبنانيين، خصوصاً في وقتٍ بات التعليم الخاص فيه حكراً على الأغنياء فقط وحاملي الدولارات النقدية أو ما يُعرَف بـ"الفريش"، في ظلّ رفع غير مسبوق للأقساط الجامعية والمدرسية الخاصة، وهو سيناريو بدأ ينسحب على القطاع الرسمي بذريعة الاستمرارية والحفاظ على جودة التعليم، الأمر الذي يدفع الطلاب إلى إطلاق الصرخة لإبطال أيّ قرار من شأنه أن يحرم الطلاب من حقّهم في التعليم ويقفل كلّ الأبواب في وجههم.
وفي موضوع الطعن الذي قُدِّم ضدّ قرار رفع الرسوم، قال رئيس الجامعة اللبنانية بسّام بدران، في حديث إذاعي أمس الأربعاء، إنّ إيقاف القرار يتطلّب قرار وقف تنفيذ في انتظار قرار مجلس شورى الدولة.
كذلك أشار بدران إلى أنّ استعادة مستحقات الجامعة اللبنانية من أموال فحوصات كورونا ترتبط بتنفيذ قرار ديوان المحاسبة. وتحدّث عن ربط النزاع مع وزارة الأشغال وتقديم طلب لشورى الدولة لتحصيل هذه الأموال، في انتظار صدور الحكم، مطالباً بالاستقلالية الإدارية والمالية للجامعة اللبنانية، لتبقى صرحاً أكاديمياً متميّزاً ومتألقاً في لبنان.
وشدّد بدران على أنّ الخطر الأكبر الذي يهدّد الجامعة يتمثّل في سلب صلاحيات مجلس الجامعة وعدم إعطائها الموازنات التي تطلبها لتأمين الأموال التي تحتاجها من أجل ضمان استمرارية عمل الكادر الإداري والكادر التعليمي. ولفت بدران إلى صعوبة المحافظة على الأستاذ بمبلغ زهيد، مبيّناً أنّ الجامعة اللبنانية خسرت عدداً كبيراً من الأساتذة في مختلف الكليات بسبب تدنّي الرواتب.
ما قضية الجامعة اللبنانية مع "ميدل إيست"؟
في الثامن من فبراير/ شباط 2022، أصدرت النيابة العامة اللبنانية لدى ديوان المحاسبة قراراً في قضية الأموال المرصودة لفحوص كورونا في مطار بيروت الدولي، طالبة تحويل المبالغ المقبوضة بالدولار الأميركي النقدي أو "الفريش" إلى حساب وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية. وطلبت النيابة العامة من المدير العام للطيران المدني بالتكليف فادي الحسن وجوب تعميم القرار على شركات الطيران وشركات الخدمات الأرضية العامة في المطار، وذلك حفاظاً على الأموال العامة.
وفي عام 2020، مع بدء انتشار فيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2) في لبنان، وقّعت وزارة الصحة والجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني في مطار بيروت الدولي اتفاقية تقوم بموجبها الجامعة اللبنانية بإجراء فحوصات كورونا لجميع الوافدين إلى لبنان عبر مطار بيروت الدولي، وتأمين الكادر اللازم لهذه العملية، على أن تحصل على 45 دولاراً من أصل 50 دولاراً يسدّدها الوافد عن كلّ فحص.
كذلك تعهّدت المديرية العامة للطيران المدني بإلزام شركات الخدمات الأرضية بتحويل مبلغ 50 دولاراً أميركياً أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية، بحسب سعر الصرف التابع لمنصة صيرفة العائدة للبنك المركزي، عن كلّ مسافر وافد من البلدان التي تُطلب إعادة فحوصاتها في خلال مهلة أقصاها 15 يوماً من تاريخ تقديم الكشوفات، فيُلزَم المسافر بإجراء فحوص في المطار فور وصوله، ويكون التحويل بمقدار 90 في المائة لحساب الجامعة اللبنانية المفتوح بالدولار الأميركي النقدي وبالليرة اللبنانية، و10 في المائة من كلفة الفحوصات لتغطية كلفة المصاريف اللوجستية لإدارة العملية في المطار، وكذلك يُحوَّل أخذ العيّنات من الوافدين إلى حساب كورونا التابع لوزارة الصحة العامة.
وفي 18 يناير/ كانون الثاني 2022، قال رئيس الجامعة اللبنانية إنّها كانت تستوفي حصتها من مبلغ الـ50 دولاراً (للفحص الواحد) الذي كان يتمّ استيفاؤه من ثمن تذكرة الطيران بدءاً من أكتوبر/ تشرين الأول 2020 من شركات الطيران الوطنية والأجنبية، بموجب شيكات بالدولار من شركات الخدمات الأرضية في المطار (مياغ) التابعة لطيران الشرق الأوسط والشركة اللبنانية للنقل (لات) لأمر المحتسب المركزي لدى الجامعة اللبنانية، وكان يتمّ ايداعها في حساب الجامعة اللبنانية المفتوح لدى مصرف لبنان. واستمرّ الأمر على هذا المنوال حتى الأوّل من يوليو/ تموز 2021، حين بدأت شركات الطيران تستوفي قيمة تذاكر السفر من ضمنها فحوص كورونا بالدولار النقدي.
وطالبت الجامعة اللبنانية شركات الطيران بتحويل مبلغ قدره 50 مليون دولار، مستحقّ لها منذ الأوّل من يوليو 2021 بالدولار النقدي، تماماً كما تتقاضى الشركات أسعار تذاكر السفر بـ"الفريش"، رافضة استلام مبالغ بغير الدولار النقدي، الأمر الذي أدّى إلى احتفاظ شركات مقدّمي الخدمات بالمبالغ المستوفاة.
وترى الجامعة اللبنانية أنّ الغبن اللاحق بها من قبل شركات الطيران هو ظلم لها ولطلابها وأساتذتها وإدارييها والعاملين فيها، مع انهيار قيمة رواتب الأساتذة والإداريين بفعل انهيار سعر الليرة اللبنانية والغلاء فضلاً عن ارتفاع أسعار الخدمات التشغيلية وأعمال الصيانة في المجمّعات والمباني والمختبرات التابعة للجامعة.