طقوس متنوعة في رمضان إيران
تختلف الطقوس الرمضانية في إيران من منطقة إلى أخرى بسبب تعدّد القوميات. لكن هذا العام أعاقت الموجة الرابعة لفيروس كورونا الجديد ممارسة الكثير من الطقوس المعتادة.
للعام الثاني على التوالي، يعيش الإيرانيون شهر رمضان في ظلّ أزمة كورونا في البلاد بشكل كبير. ويأتي شهر رمضان هذا العام مع بدء الموجة الرابعة للفيروس، وهي الأعنف بالمقارنة مع سابقاتها، الأمر الذي دفع السلطات إلى إصدار تعليمات بإغلاق المراكز العامة، بما فيها المساجد، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على بريق هذا الشهر.
وحدّ كورونا من خروج الإيرانيين إلى الأسواق لتأمين احتياجات رمضان قبل نحو أسبوعين من حلوله، كما جرت العادة، ما يؤدّي إلى حركة نشطة في الأسواق والشوارع الإيرانية. ويتميّز هذا البلد باختلاف الطقوس الرمضانية فيه من منطقة إلى أخرى، لاحتضانه قوميات عدة.
في العاصمة طهران، اختفت بعض التقاليد خلال شهر رمضان في ظل تطورات الحياة المعاصرة، بحسب الناشطة فيروز رجايي فر. تقول إنه في طهران القديمة، وقبل حلول رمضان بأيام، اعتاد أصحاب الدكاكين والمحلات التجارية على وضع أحجار في كفة الميزان بدلاً من الأثقال، ليحصل الزبون على كمية أكبر من السلعة. وتقول لـ"العربي الجديد"، إن هؤلاء التجار كانوا يفعلون ذلك تكريماً للشهر الكريم ودفع البلايا والترحّم على موتاهم. كما أن آخرين يبيعون سلعهم بأسعار أرخص.
تضيف أنّ طهران اشتهرت أيضاً بتوزيع النذورات في رمضان، وهي عبارة عن أطعمة وحلويات توهب للآخرين عن أرواح الموتى، مثل "حلوا" (من الحلويات)، أو "آش رشته" (حساء إيراني). ويوزع السكان القدامى النذر قبل موعد الأذان بنصف ساعة.
وفي المناطق الكردية في إيران نكهة مختلفة لرمضان. يقول الناشط المدني جليل بهرامي نيا، وهو من مدينة روانسر، غربي البلاد، لـ"العربي الجديد"، إن الأكراد يستقبلون الشهر من خلال تنظيف المساجد التي تستقبل الصائمين بكثافة خلال صلوات التراويح. يضيف أنه من العادات الكردية في رمضان طهي أنواع خاصة من الخبز المحلي الذي يخص هذا الشهر غالباً، مثل نانتاوايي، وبرساق، وكوليره ناسكه، وناو ساجي، وبجي وغيرها، مشيراً إلى أن الأكراد يوزعون هذا الخبز في الحارة أو في المساجد عند موعد الإفطار.
وللمسحراتي شهرة خاصة في المناطق الكردية في إيران، بحسب بهرامي نيا. يقول إن أصحاب الأصوات الجميلة يمارسون دور المسحراتي لإيقاظ الناس للسحور من خلال أنشودات دينية، يلقونها ويقرأونها باللغتين الكردية والعربية. كما يتحدث عن ظاهرة المصالحات الاجتماعية في هذا الشهر لإصلاح ذات البين، وخصوصاً بين العائلات والأشخاص الذين بينهم نزاعات وخلافات حادة، أو لطلب العفو للمحكومين بالقصاص من أولياء الدم.
وللعيد طقوسه الخاصة أيضاً بالنسبة للأكراد. في بعض مناطقهم، ينعقد حفل "جيشتي مجيور" (طعام خادم المسجد). وفي عيد الفطر، يأخذ المصلون معهم أطعمة إلى المسجد، فتتزين المائدة بأنواع مختلفة وملونة من المأكولات والأطعمة، ويأكلونها مع خادم المسجد ويعطى له المتبقى منها.
ولمحافظة خراسان الرضوية، شرقي إيران، طقوس رمضانية خاصة بها، منها "شوربة قل هو الله"، يقول رئيس تحرير صحيفة القدس في المحافظة أمير جليلي نجاد (من مدينة مشهد). يضيف أن النساء خلال رمضان يجتمعن في بيت واحد مع الجيران، ويتلين سور الجزء الأخير من القرآن الكريم. من يصلها الدور لتلاوة سورة التوحيد عليها دعوة بقية النساء إلى بيتها بعد رمضان لتناول حساء بات يعرف بـ"شوربة قل هو الله".
يضيف جليلي نجاد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن كل واحدة من النساء تتمنى أن تكون قراءة السورة من حظها اعتقاداً منهن بأن ذلك يجلب لهن ولبيوتهن الخير والبركة بعد دعوة صديقاتهن إلى البيت لتناول الحساء، مشيراً إلى طبخ خبز "الشعير" في ليالي القدر في رمضان وتوزيعه على الفقراء، أسوة بالإمام علي بن أبي طالب، الذي كان يمارس هذه العادة.
والمنطقة التركمانية في شرق البلاد، تتميّز بتقاليد رمضانية مسبقة قبل حلول الشهر، ويعمد التركمان قبل أسبوع إلى تنظيف البيوت والحارات، فيما تنظف الشابات التركمانيات في آخر جمعة قبل حلول رمضان بشكل جماعي مساجد حاراتهنّ. بالإضافة إلى ذلك، تحيك أسر عدّة سجادات صلاة يدوية من اللبّاد تُعرف بـ"نماز ليق" لإهدائها إلى المساجد.
ولدى التركمان الإيرانيين تقليد قديم ظلّوا متمسكين به على الرغم من تراجعه بسبب تطوّرات الحياة الحضرية الجديدة، فيأتون به قبل حلول رمضان بأيام. خلاله، يقوم مخاتير الحارات الذين يسمّون "ياش أولي" بتوجيه الدعوة إلى أشخاص يقاطعون آخرين لنزاعات وخلافات ومشاكل في ما بينهم، من دون معرفتهم، بدعوة الطرف الآخر لتناول الشاي بغية إجراء مصالحة بينهم.
ومن التقاليد الاجتماعية الأخرى التي تستقبل بها مناطق في إيران شهر رمضان منذ القدم، وظلّت تحافظ عليها بشكل أو آخر، خصوصاً مدينة شيراز، تقليد "كلوخ اندازان" (رمي الطين الجاف)، الذي يمارسه إيرانيون في آخر يوم من شهر شعبان، فيخرجون إلى الطبيعة معاً لتحضير أنفسهم نفسياً وجسدياً لاستقبال الشهر ويحملون معهم أطعمة متنوّعة. كذلك، يكسرون الطين في سلوك يرمز إلى قتل الميول النفسية السيّئة. وورد في الكتب التاريخية أنّ الإيرانيين القدامى كانوا يقفون باتجاه القبلة عند غروب الشمس في آخر يوم من شعبان، مردّدين "يا إلهي قد كسرنا الذنوب والأعمال السيّئة وجهّزنا أنفسنا للعبادة والصوم في شهر رمضان"، ثم كانوا يضربون الطين بالأرض ليتكسّر.