طرابزون التركية... عروس البحر الأسود قبلة السياح العرب

12 سبتمبر 2024
إحدى ساحات طرابزون (Getty)
+ الخط -

استعادت ولاية طرابزون شمال شرقي تركيا مع ولايات أخرى في البحر الأسود مثل ريزة وأرتفين وكيراسون وسامون وأوردو صدارة السياحة، العربية على الأقل، بعدما عرفت مزاج السياح القادمين من المشرق، ونافست بورصا وسرقت الضوء منها على غرار إسطنبول.
استعادت طرابزون وأخواتها السياح العرب بعدما طاولت الحملات العنصرية التي تنامت في تركيا خلال الأعوام الأخيرة، السياح الخليجيين، وزادت بعدما تعرّض سائح كويتي لإساءة وضرب العام الماضي، ما شكل علامة فارقة سوداء بذلت سلطات الولاية جهداً كبيراً لاحتوائها بعدما تحوّلت الواقعة إلى قضية رأي عام، ثم تعدّت ردود فعل الشارع إلى البرلمان. 

يقول الباحث المتحدر من منطقة البحر الأسود، صدقي يلماظ، لـ"العربي الجديد": "بنى تجار مالطا طرابزون التي بقيت يونانية حتى احتلها الرومان عام 65 قبل الميلاد، ثم جاء العثمانيون. وقد تهدمت وبُنيت مجدداً مرات، ثم عُرفت بإمبراطورية طرابزون خلال الفترة البيزنطية قبل عام 258، وبقيت مدينة ساحلية وميناءً تجارياً يوصل البضائع إلى الفرس حتى تنفيذ الحملة الصليبية عام 1202. وتحكي كتب التاريخ عن ازدهار "طرابوزند" بعد نهب القسطنطينية على يد الصليبيين اللاتينيين، لكن البيزنطيين استعادوها عام 1261، ثم أعادت الحملة الصليبية الرابعة في القرن الثالث عشر والرابع عشر السيطرة على طرابزون في مناطق شمال شرقي الأناضول وجنوبي القرم التي كانت ضمن الإمبراطورية البيزنطية.
وفي عام 1461 حين انتهى تاريخ الإمبراطورية اللاتينية، وسقطت إمبراطورية طرابزون في يد السلطان العثماني محمد الفاتح، وكان فيها أعراق وقوميات عدة، مثل الأرمينية واللازيّة واليونانية. ومع نهاية القرن السابع عشر كانت نسبة كبيرة منهم قد تحوّلت إلى الإسلام، بحسب ما يفيد كتاب ضرائب الإمبراطورية العثمانية. 
ويشير يلماظ إلى أن ولاية طرابزون شهدت صراعاً على الحكم خلال الفتح العثماني، فبادر السلطان بيازيد، ابن محمد الفاتح، إلى تعيين ابنه سليم حاكماً لها، وابنه الثاني أحمد حاكماً لأماسيا، والثالث كركود حاكماً لولاية أخرى. وهكذا فرّق بيازيد أولاده وقطع الطريق أمام تنامي الخلاف بينهم. 
وكان سليم قد تولى على طرابزون حين كان في الـ11 من العمر، وبقي عليها نحو 30 سنة حتى عام 1510، وتزوج عائشة حفصة خاتون وأنجب ابنه سليمان.
أما الحدث الأبرز في العصر الحديث، وفق يلماظ، فكان قصف الروس طرابزون خلال الحرب العالمية الأولى حين قتلوا آلاف السكان، واستولوا عليها ثم انسحبوا منها مع بداية الثورة البلشفية عام 1917، فعادت طرابزون إلى تركيا. وخلال حرب الاستقلال عام 1920 لم يستجب سكان طرابزون لليونانيين، وبقيت الولاية تركية منذ عام 1023.

البحيرة الطويلة "أوزينغول" (هاكان بوراك ألتونوز/ الأناضول)
البحيرة الطويلة "أوزينغول" (هاكان بوراك ألتونوز/ الأناضول)

وقال المتخصص في الشأن السياحي، إبراهيم سيفجين، لـ"العربي الجديد"، إن مزارع الشاي ليست في طرابزون، بل تقع قربها في ولاية ريزا، والبندق ليس في طرابزون، بل قربها بولاية أوردو، علماً أن طرابزون ومناطق قربها تحتضن أفضل المواسم الزراعية وأجمل الأماكن السياحية على البحر الأسود، ما جعلها تلقب بـ"عروس الأسود" قبلة السياح العرب الأولى في تركيا بسبب جمال طبيعتها وسحرها وتاريخها الإسلامي. واشترى عرب بيوتاً وأراضي في طرابزون لدرجة أن اللغة العربية انتشرت فيها، ما أزال شعور السياح العرب بالغربة. وأوضح أن "طرابزون تجمع بين جمال الطبيعة الساحلية والزراعة المتفوقة عالمياً، والتجارة المزدهرة، وأصل سكانها من اليونان والقبائل التركية التي عملت في التجارة مع الفرس من الجنوب والقوقاز من الغرب". وأفاد سيفيجين بأن ما تملكه الولاية من أوابد وطبيعة محط أنظار السياح وهدف إقبالهم على زيارتها، لكنه يستدرك بأن "السياحة قليلة هذا الموسم بسبب شائعات عن العنصرية والغلاء، والخليجيون والسعوديون تحديداً أعادوا الانتعاش السياحي إلى ولايات البحر الأسود".
وأشار إلى أهم أوابد الولاية ومراكز الجذب فيها، "طرابزون مكان مولد أهم السلاطين، سليمان القانوني، وأحد أماكن إقامة مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك لسنوات، وقصره الذي يقع على تلة سوغ كسو، ويتضمن ثلاثة طوابق، من معالمها المهمة، بعدما تحوّل إلى متحف يحتوي على كثير من ممتلكات أتاتورك". وتحدّث عن الأديرة الكثيرة في الولاية، ويصنّف دير فازيلون بأنه الأقدم رغم أن تاريخه شبه مجهول فعلياً، لكن يُقال إن يوحنا المعمدان أقام في المنطقة، لذا يعتبر من الأماكن السياحية المهمة في طرابزون بسبب جماله وقدسيته بالنسبة إلى بعضهم. 

دير صوميلا (حسن تاشان/ الأناضول)
دير صوميلا (حسن تاشان/ الأناضول)

وفي طرابزون أيضاً دير صوميلا الذي تتعدد الروايات عنه. وهو حتى اليوم تحفة معمارية يقصدها السياح، كذلك يعتبر دير بيريستيرا المبنيّ على صخرة بارتفاع 250 متراً من المقاصد المهمة في الولاية إلى جانب دير البنات أو كما يسمى دير العذراء (theoskepastos).
وتبقى قلعة طرابزون التي تقع على أعلى تلال المدينة، خشية حصول هجوم من البحر، من أهم معالم الولاية إلى جانب متحف آيا صوفيا والسوق المغطى وميدان مركز، من دون أن ننسى الشاطئ والبحيرات العجيبة، مثل البحيرة الطويلة "أوزينغول" التي كانت بحراً وباتت بحيرة محاطة بغابات مع التغيّرات الجيولوجية.
وفي شأن المساجد الموجودة منذ زمن بيازيد الأول، يقول سيفجين: "تتضمن طرابزون مساجد مهمة مصنّفة ضمن الأكبر في تركيا، منها مسجد جلبهار الذي بُنيَ في عهد سليم الجبار، ومسجد إسكندر باشا، ومسجد النقيب، ومسجد الفاتح الذي كان كنيسة للكاثوليك حتى عام 1461.
وبالانتقال إلى ما تشتهر به طرابزون من أطعمة، تحدّث يلماظ عن البانجر، وهو أوراق ملفوف أسود محشوّة بالأرز واللحم يسكب عليها اللبن الطرابزوني، والغوليا غير البعيدة عن البانجر، وهي ملفوف أسود وجزر وفاصولياء وذرة، والصارامبولا، أرز وذرة. 

ورغم طغيان الأطعمة النباتية في الولاية، لأنها زراعية بامتياز، تنتشر أطعمة البروتين الحيواني في طرابزون، مثل كفتة أكتشابات وأنواع كثيرة من وجبات السمك، مثل كفال إكشيليسي الذي يُطبخ بالفرن مع ليمون وخضار، ومحشي سمك بالاموت الذي يُحشى بجوز وزبيب وصنوبر، وسمك الهمسي الصغير، إضافة إلى أصناف من معجنات التي تشتهر بها الولاية، مثل فطيرة الجبنة الطرابزونية.
وللحلويات مساحة على أطباق مطاعم الولاية، مثل كوكوجا القرع والذرة المهروسة التي تمد في صينية ويوضع فوقها سكر وحليب، وتزيّن بالجوز وجوز الهند وحلويات بورك اللاز، وهي رقائق كما البقلاوة يُصبّ القطر فوقها. ومن الحلويات أيضاً تورتة الكاكا ومربى الكاكا الطرابزونية التي تزرع في الولاية.
وتبعد طرابزون 1069 كيلومتراً عن إسطنبول، ويبلغ عدد سكانها نحو 757 ألف نسمة تقريباً. وتعتبر السياحة عصب اقتصادها، إذ تستقبل آلاف السياح العرب سنوياً. وهي تمتاز بمناخ دافئ في الصيف، ورطب وبارد في الشتاء، ويكثر في العادة هطول الأمطار والثلوج في المنطقة.
وتبلغ مساحة طرابزون نحو أربعة آلاف و685 كيلومتراً مربعاً، وتشكل الهضاب نسبة 22.4% منها، والتلال نسبة 77.6% من المساحة الكلية.

المساهمون