يعيش المجتمع السويدي، بالتزامن مع أخبار الحشود العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا والأحاديث عن إمكان نشوب حرب تجر قوات الحلف الأطلسي (ناتو) إلى المشاركة فيها، حالة فريدة لم يختبرها أبناء البلد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بعنوان: "الخوف من وقوع حرب" ما أشعل نقاشات وسجالات حول تداعيات قرع طبول الحرب بين مئات الآلاف من مواطني السويد العشرة ملايين.
وفيما تحمل النقاشات الواسعة على وسائل التواصل عناوين بينها "حرب روسيا على السويد" و"الروس قادمون"، كان لافتاً مساهمة أطفال ويافعين في صنع محتوى يتعلق بهذه العناوين، ما يؤكد أن التأثر بالأجواء "الحربية" دفع إلى حالة مثيرة للانتباه سياسياً واجتماعياً. وقد تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي ومنصة "تيك توك" التي يستخدمها عدد كبير من المراهقين إلى ساحة تعج بالتكهنات وتعابير "الخوف من الحرب".
ومن يراقب تفاعل المجتمع السويدي مع هيمنة السياسة والأحداث على الوقائع حالياً يكتشف مقدار مساهمة الحديث الدائر عن الحرب في صنع حالته الوطنية والنفسية، بعدما اعتاد السويديون أن يعيشوا على الحياد ويمتنعوا عن الحروب طوال أكثر من 200 عام.
يخبر الباحث في مؤسسة لوند للأبحاث الاجتماعية بيورن إنغرسون "العربي الجديد" أن "السويديين يستعيدون منذ أيام تعليمات المنشورات والكتيبات التي نشرتها حكومتهم قبل بضع سنوات للتعامل مع التوتر الذي شهدته دول البلطيق بعدما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها عام 2014". ويتحدث عن أنّ "تخزين الناس احتياطات البقاء أحياء لمدة أسبوعين من دون أن تصدر المؤسسات الحكومية أي تعليمات في هذا الشأن، يحصل تحت عيون الصغار الذين يلاحظون توتر الأجواء. كما يتفاعل السويديون جميعهم مع ما يشبه حالة التأهب في الدفاع المدني عبر نشر السلطات الدوريات الراجلة والمدرعة للجيش في جزيرة غوتلاند (أقصى الشمال)".
إنذارات الهلع
ويعزز" الخوف من الحرب" بين سكان السويد متابعتهم حتى ما يبثه صناع محتوى صغار على "تيك توك" وباقي مواقع التواصل الاجتماعي. وحصل أحد الفيديوهات التي يتابعها الصغار عادة على أكثر من 400 ألف مشاهدة، بعدما عرض للسيناريوهات المختلفة لنسب تعرض مناطق معينة في السويد للحرب.
ويوضح الطبيب النفسي بيارنه غمستروب في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ "الأطفال والقصر يتأثرون نفسياً بالحديث الكثيف عن إمكان نشوب حرب. وانخراطهم في النقاشات الجارية يعكس ما يجري خلف جدران المنازل وداخل التجمعات السكنية. ولا نتخيّل كيف يفكر الصغار حين يسمعون تداول اسم منطقة في بلدهم مثل جزيرة غوتلاند كمضمار للحرب أو لهجوم روسي محتمل".
أطفال اللاجئين "أكثر خوفاً"
وفيما يدفع توسع النقاش عن الحرب بين الفئات العمرية الصغيرة مسؤولي الصحة النفسية والاجتماعية إلى قرع أجراس الإنذار، يشرح الناشط الاجتماعي عمر عبد الحليم، وهو مهاجر من فلسطين في الـ 40 من العمر يقيم في مدينة أوبسالا شمال استوكهولم، في حديثه لـ" العربي الجديد" أن "السجال لا يقتصر على السويديين، إذ يشمل أيضاً تجمعات السكان من أصول مهاجرة، خصوصاً أولئك الذين فروا أصلاً من حروب وأزمات طاحنة".
يقول عبد الحليم الذي ينشط في صفوف اليسار السويدي: "لم يعد نقاش صغار اللاجئين حول الحرب يقتصر على وسائل التواصل، فأولئك الذين يتذكرون رحلة لجوء أهاليهم يعبرون عن مخاوفهم في المدارس، ويسألون إذا كانوا سيرحلون مجدداً كلاجئين".
ومع توسع القلق، نقل تلفزيون "إس في تي" السويدي في نشرة أخبار "ليلا أكتويلت" (الأحداث مبسطة بالسويدية) المخصصة لليافعين أنّ "أطفالاً كُثراً باتوا يتصلون بخدمات هواتف الصغار، التابعة للمؤسسات الاجتماعية السويدية، للتعبير عن خوفهم. وهم يطرحون أسئلة قلقة مثل هل الروس قادمون، وكيف نطلب الحماية؟".
والأكيد أنّ الأجواء السياسية والعسكرية مشحونة جداً في السويد، إذ أعلن وزير الدفاع بيتر هولتكفيست في 10 يناير/ كانون الثاني الماضي أن "الهجوم الروسي محتمل"، في وقت يستمع السويديون يومياً إلى الأنباء عن تحليق طائرات بلا طيار (درون) مجنحة يزعم أنها روسية فوق مناطق حساسة، بينها مواقع نووية في الدنمارك. ويشير محللون إلى أنّ السويديين لا يملكون أيّ ذاكرة لحرب حديثة أو أزمات عسكرية خطيرة، بخلاف جيرانهم الدنماركيين والنروجيين الذين عايشوا الحرب العالمية الثانية والاحتلال النازي.
استنفار سياسي ضعيف
عموماً، يزداد التوتر عند الصغار الذين يشاهدون حالياً، بحسب صحف محلية، تخزين أهاليهم الطعام وضروريات أخرى تحسباً لـ"زعزعة الاستقرار في المجتمع"، رغم أن بعض هؤلاء الأهالي يعتبر أن الهجوم الروسي على بلدهم "أمر غير واقعي"، في حين لم تجلب الخطوات السياسية الاطمئنان المطلوب، وأهمها عقد رئيسة الحكومة ماغدالينا أندرسون اجتماعاً طارئاً الشهر الماضي ناقش مع جميع قادة الأحزاب الوضع الأمني، وأساليب تخصيص مزيد من الأموال للدفاع عن السويد. وأشارت الأخبار إلى أن لجنة الدفاع التي تضم ممثلين لكل الأحزاب في البرلمان تعتبر نفسها في حالة انعقاد دائم، علماً أنّ السويد تتحضر لانتخابات عامة مقررة في سبتمبر/ أيلول المقبل.
وكانت مكافحة العصابات مصدر القلق الأكبر للسياسيين السويديين، في وقت يتكرر في المجتمع السويدي خطاب يفيد بأن الضواحي التي يسكنها مهاجرون بدأت تخرج عن السيطرة، بفعل انتشار العنف اليومي الذي يشمل جرائم قتل دموية متكررة ضمن ما يطلق عليه "حرب العصابات" التي يذهب ضحيتها مدنيون كُثر، وحوّلت بعض ضواحي مدن البلد الإسكندنافي الذي كان يتفاخر دوماً بأنه دولة الرفاهية إلى ساحات صراع دموية.
وخلال السنوات الماضية، تعالت أصوات أفراد في الشرطة محذرة من انفلات الأوضاع الأمنية، في وقت يشعر بعض سكان الضواحي بخيبة أمل متزايدة من استمرار تدهور الأوضاع الأمنية، وتوسّع العصابات التي تمارس جرائم عدة، أبرزها تجارة المخدرات، في أحياء جديدة تتحكم بها، ما يفسّر خوف بعض الأسر اللاجئة من تجنيد العصابات لأبنائها.
"روسيا لن تجلب الحرب"
وفي محاولة لتخفيف درجات التوتر والشحن التي تؤثر على المجتمع، تحدثت وزيرة الخارجية آنا ليند، عن إمكان التوصل إلى حلول ديبلوماسية مع روسيا، لكنها أكدت أن عدم حصول ذلك "سيقود الجميع نحو الجحيم".
وكان لافتاً دخول السفارة الروسية في استوكهولم على خط القلق المجتمعي من خلال بيان نشرته على موقع "فيسبوك" في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، وأكدت فيه تلقيها مكالمات كثيرة من سويديين قلقين، وبينهم أطفال، لكنها اعتبرت أن "استوكهولم نفسها خلقت الخوف من روسيا، في تصرف لا يستند إلى أسس صحيحة"، واتهمت الولايات المتحدة الأميركية بنشر الذعر.
وخاطب البيان الروسي السويديين مباشرة بالقول: "نؤكد للمواطنين السويديين العقلاء أنّ روسيا لن تجلب الحرب إلى منازلكم أبداً. وكلّ التلميحات المعاكسة لذلك تهدف فقط إلى إقناع دافعي الضرائب العاديين باستثمار مزيد من الأموال في الجيش، والامتثال لتعليمات الجانب الآخر من المحيط الأطلسي (أميركا)".
وفي سياق السجال الدائر في المجتمع السويدي الذي لم تعرف أجياله الحروب منذ عام 1815، لوحظ تزايد الرغبة الشعبية بانضمام البلاد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وصولاً إلى نحو 50 في المائة في مقابل نحو الثلث في الأعوام السابقة، بحسب نتائج استطلاع أجرته شركة "إيبسوس" لمصلحة صحيفة "داغينز نيهتر" التي أكدت أيضاً تزايد تأييد الأحزاب البرلمانية لعضوية بلدهم في الحلف الغربي.
والسويد عضو في الاتحاد الأوروبي، لكنّها لم تنضم إلى حلف "الناتو" العسكري، وهو ما فعلته أيضاً جارتها فنلندا التي عرفت حروباً دموية مع الروس قبل أن تتحول إلى الحياد طوال فترة الحرب الباردة (1947-1992). وتجدر الإشارة إلى أنّ روسيا ليست لها حدود برية مع السويد، أما حدودهما البحرية في بحر البلطيق، فهي من خلال الكيان الفيدرالي الروسي كالينينغراد، غير المتصل بالأراضي الروسية، بل تحيط به بولندا وليتوانيا.