طالبات من غزة عالقات في مصر: نحن في أمان وأهلنا لا

20 أكتوبر 2023
الصور الواردة من غزة تزيد من شعور الشابات الفلسطينيات في مصر بالقلق (مصطفى حسونة/الأناضول)
+ الخط -

منذ 13 يوماً، تلتصق سجى وغيداء وهيا بهواتفهنّ المحمولة للاطمئنان، كلّما كان ذلك ممكناً، على أهاليهنّ الموجودين في قطاع غزة الذي يبعد أقلّ من خمس ساعات عن القاهرة، غير أنّ لا سبيل للوصول اليه.

تحدثّت سجى سامي للمرّة الأخيرة مع أهلها، بعدما تركوا منزلهم ولجأوا إلى مجمّع الشفاء الطبي في مدينة غزة، على أمل الاحتماء من قصف الاحتلال الإسرائيلي الآتي من البحر والجوّ وعبر الحدود البرية.

تقول الشابة الفلسطينية البالغة من العمر 20 عاماً لوكالة فرانس برس: "لا أستطيع التركيز"، لكنّها مع ذلك تقدّمت لأداء امتحاناتها قبل بضعة أيام. وتقرّ سجى التي تتابع دراستها الطبّ في مصر: "شعرت بأنّني سوف أصاب بالجنون. لا أعرف ماذا أفعل وبم أفكّر. لا أعرف كيف أتصرّف... لا أعرف أين أهلي... هل هم بخير؟ هل هم أحياء؟".

وتتابع سجى أنّها في كلّ مرّة تتّصل بأهلها، يأتيها صوت والدتها التي تشدّد عليها لكي تنتبه إلى نفسها، وتقول لها "الله يعلم إن كنّا سنبقى على قيد الحياة". وتتساءل بيأس: "ماذا أفعل عندما أسمع هذا الكلام؟ ماذا أفعل وحدي؟".

وكما هي حال الطلاب الفلسطينيين الذين يتابعون دراستهم في مصر والبالغ عددهم ستّة آلاف، تتابع سجى لحظة بلحظة الأخبار الواردة من قطاع غزة حيث يعيش نحو 2.4 مليون شخص في ظلّ حصار إسرائيلي منذ نحو 16 عاماً، ووسط عدوان مستعرّ منذ 13 يوماً.

في كلّ مرة تسمع سجى بتعرّض مستشفى أو محيطه للقصف، تخشى الأسوأ لأشقائها وشقيقاتها، علماً أنّ البنت الأصغر لا تتجاوز السادسة من عمرها. فهؤلاء يفترشون الأرض في مجمّع الشفاء الطبي، خصوصاً بعد أن قالت لها والدتها إنّهم "سوف يموتون من الخوف إذا لم يقتلهم القصف".

من جهتها، تلقّت غيداء جابر الرسالة الأخيرة من والدتها قبل أسبوع. في تلك الرسالة، أعلمتها أنّها سوف تغادر بيتهم في شمال غزة لتتوجّه إلى الجنوب مع شقيقاتها الأربع وأشقائها الثلاثة. وتخبر الشابة الفلسطينية البالغة من العمر 21 عاماً وكالة فرانس برس: "منذ ذلك الحين، ليست لديّ أيّ أخبار عنهم".

وغيداء كانت قد شاهدت منزلها يهتزّ مرّات عدّة على وقع القصف الإسرائيلي، في خلال حروب متتالية على القطاع المحاصر، مذ كانت طفلة في السادسة من عمرها.

وتشكّل غيداء وكثيرون غيرها جزءاً من مجموعات على تطبيق واتساب تتداول أخبار غزة، وتتابع تدوينات على تطبيق إنستغرام لمعرفة "أين قصفوا أو أسماء العائلات التي استشهدت".

من خلال واحدة من قوائم أسماء شهداء نُشرت على "إنستغرام"، عرفت هيا شهاب أنّ أقارب لها قُتلوا. وتقول الطالبة الفلسطينية البالغة من العمر 21 عاماً والتي تتابع دراستها في إحدى الجامعات الخاصة في القاهرة، لوكالة فرانس برس: "في لحظة واحدة، اختفى 45 فرداً من عائلتنا".

من جهتها، علمت سجى بمقتل بيسان، إحدى زميلاتها السابقات في المدرسة، من خلال تسجيل فيديو. هي رأت صور جثّة زميلتها إلى جانب جثث أخرى. وتقول: "كانت بيسان لامعة وكان حلمها أن تصير جرّاحة"، مضيفة: "لكنّ لا أحلام في غزة".

وتروي سجى أنّ والدها كان يرفض باستمرار أن يتركوا منزلهم خلال الحروب السابقة على الرغم من القصف، مشدّداً: "ليس لدينا غير بيتنا". وفي عام 2014، تهدّم منزلهم في غارة إسرائيلية، وذهبت معه "كلّ ذكريات العائلة".

وتتذكّر سجى أنّها ألحّت على والدها، بعد ذلك، لينتقلوا إلى حيّ الرمال، أحد الأحياء الراقية التي يظنّ أهل غزة أنّه بمأمن من القصف، لكنّه رفض وأعاد بناء منزلهم. ولم يكن مخطئاً في ذلك، فقد تحوّل حيّ الرمال إلى ركام في الأيام الأخيرة.

وبخلاف المرّات السابقة، عقب بدء العدوان الأخير على غزة، قرّر والد سجى على الفور ترك المنزل وأغلق بابه جيّداً بالمفتاح. لكنّ المفتاح لم يعد ذا منفعة بعد أن دُمّر المنزل مرّة أخرى.

بالنسبة إلى غيداء، الحرب هذه المرّة مختلفة، وتقول إنّها "ليست حرباً بل إبادة جماعية".

أمّا هيا فتشير إلى أنّها كانت تظنّ أنّ منزل عائلتها في جنوب القطاع بعيد عن القصف، إذ إنّ "في خان يونس، القصف عادة يكون محدوداً. لكنّه لم يكن كذلك هذه المرّة". وتخبر أنّ عمّتها التي كانت "مثالاً للشجاعة والقوة"، صارت اليوم "تجلس في ركن في بيتها الذي أغلقته على نفسها ولا تتحرّك من شدّة الخوف".

بدورها، تحبس غيداء نفسها في الغرفة حيث تقيم في مصر. وتتساءل: "كيف نأكل وهم ليس لديهم ما يأكلونه؟ كيف ننام؟".

أمّا سجى فتقول: "أندم كثيراً على قراري (الدراسة في مصر)"، لافتة إلى أنّه "بشع الشعور بأنّني في أمان وهم لا". تضيف: "ليتني أستطيع أن أكون معهم وأموت معهم بدلاً من أظلّ هنا وأعيش بهذا الأحساس".

(فرانس برس)

المساهمون