الشكوى من الأوضاع السيئة للإقامة الجامعية بحي باب الزوار في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، أثارت شجون كثيرين عاشوا، أو ما زالوا يعيشون تجربة الإقامة بالعديد من الأحياء الجامعية الجزائرية، وهي ظروف لم تتغير كثيراً بمرور السنين رغم زيادة الإنفاق الحكومي الموجه لقطاع الإيواء الجامعي. تقول الطالبة نبيلة حجاج (18 سنة)، إنّ المسافة بين المأمول والواقع شاسعة، وأحياناً تمثل صدمة حقيقية للطلاب. "كانت أحلامي كبيرة. ولوج كلية الاقتصاد، والتخصص في الإحصاء، ومتابعة الدراسات العليا بغية الحصول على وظيفة محترمة، لكنّي صُدِمت بعد أن انتقلت إلى الإقامة الجامعية للبنات بمنطقة بني مسوس بالعاصمة الجزائر، والتي كانت بعيدة عن كلّ التوقّعات والطموحات الجامعية".
تتابع: "في أول أيامي بالجامعة، حصلت على غرفة في الحي الجامعي رفقة ثلاث زميلات أخريات، وفي البداية، اعتقدت أن الحي يوفّر ضروريات الحياة الأساسية، وأهمها الماء والكهرباء، ومكان الراحة، ومراجعة الدروس، واعتقدت أنني إن أردت تغيير الجو فسأذهب إلى مكتبة الحي، أو قاعة المراجعة، لكن الواقع كان مختلفاً تماماً".
تواجه الطالبات في الإقامات الجامعية تحديات كثيرة تتعلّق بنوعية الحياة داخل منظومة اجتماعية مختلفة عن المنظومة الأسرية، كما تختلف عن المدرسة الثانوية، وهي تعكس علاقة الطالب الجامعي بمحيطه، ومدى تفاعله مع هذا المحيط. وفي غرفة الحي الجامعي، تفرض الظروف على الطالبات التفاهم مسبقا على كثير من التفاصيل، من بينها التعاون في تنظيف الغرفة، والهدوء الذي يسمح بمراجعة الدروس، وترتيبات فترات الامتحانات، ومواعيد النّوم، وغيرها الكثير، لكن ذلك لا يمكن الوصول إليه أحياناً بسبب اختلاف الأمزجة والبيئات التي جاءت منها الطالبات، وكثيراً ما تحدث مشاكل مرتبطة باختلاف التنشئة، أو المنطقة التي ينحدرن منها، فضلاً عن اختلاف التخصصات الدراسية ومتطلباتها.
تؤكد طالبة السنة الخامسة في العلوم الطبية، أسماء خنوف، لـ"العربي الجديد"، أن حياة الطالب الجامعي عموماً مليئة بالمتطلبات والضغوط التي تتراوح بين متطلّبات أكاديمية، وضغوط اجتماعية ونفسية، خاصة في غياب الأسرة. "أغلب القاطنات بالأحياء الجامعية ليس بإمكانهن زيارة الأسرة في نهاية كل أسبوع، ما يجعل غيابهن عن عائلاتهن يطول لمدة قد تصل إلى شهر أو شهرين، خاصة بالنسبة للقادمات من الجنوب، حيث تكاليف السفر باهظة".
تعمل سميرة آيت يعلى، المختصة في علم النفس بالإقامة الجامعية للبنات ببن عكنون، على توفير الدعم المعنوي للطالبات، خاصة الطالبات الجدد، وهي ترى أن "الحي الجامعي نموذج لمجتمع مصغّر يضم مختلف الأطياف المجتمعية ضمن ظروف ينبغي تقبلها، وأوضاع يتمّ التفاعل معها للمضي قدماً نحو تحقيق أهدافهن الحياتية بعد الجامعة، كما أنهن يعشن في المبيت الجامعي ضمن سياق الحرية غير المحدودة بعيداً عن الرقابة الأسرية، وهذا يفرض على الأسر أن تلعب دورها في متابعتهن، والبقاء على تواصل مستمر معهن".
وحول أوضاع الإيواء والطعام، ومدى مساعدة ظروف الإقامة للطالبات على التحصيل العلمي، تظهر بعض المشكلات التي ترتبط عادة باكتظاظ تلك الأحياء، ما ينتج طوابير الحصول على الوجبات، والتي تتباين نوعيتها، وتلجأ بعض الطالبات إلى الطبخ داخل الغرف، على أن ذلك يتسبب أحياناً في حوادث خطيرة.
تؤكد الطالبة حسيبة زناد، وهي تدرس العلوم القانونية بجامعة الجزائر، لـ"العربي الجديد"، أن "ظروف الأحياء الجامعية غالباً لا تساعد على التحصيل الدراسي، وهناك العديد من الأسباب، أهمها متعلق بانعدام المساندة الاجتماعية التي توفرها الأسرة، إضافة إلى ظروف العيش في غرفة واحدة مع ثلاث طالبات أخريات، وكل واحدة لها ذهنية وتنشئة مختلفة، كما أن الأحياء الجامعية أصبحت بالنسبة للطلبة عموماً عبارة عن مكان للنوم بعد يوم منهك في قاعات الدروس، يتخلله انتظار حافلة النقل الجامعي، والزحام المروري الذي يجعل الطالب يقضي وقتاً طويلاً في الشارع".
وتضيف: "فور دخول الطلبة إلى الأحياء الجامعية يبدأ التفكير في توفر المياه من عدمه، وفي الطعام الذي يأخذ بدوره جانبا من القلق اليومي، سواء ما يتعلق بانتظار طويل في طابور المطعم، أو نوعية الوجبات المقدمة التي لا يستحسنها البعض على مدار أيام الأسبوع، وهذه مثبطات لا تساعد كثيراً على الدراسة، ما يفرض على الطالبة الجامعية الانخراط في المكتبات العمومية التي توفّر إمكانيات تسمح لهن بإنجاز بحوثهن في جوّ هادئ، وتحضير الدروس، أو إتمام رسائل التخرّج".
ومع كل تلك المعوقات، تنجح بعض إدارات أحياء الطالبات في خلق مجال للنشاط الثقافي، مما يسهم في تخفيف الضغوط، وترى طالبة السنة الثالثة رياضيات بالمدرسة العليا للأساتذة، لامية بوشاقور، أن "الأحياء الجامعية ليست فضاء للإقامة فقط، بل هي أيضاً فضاء للتبادل الثقافي، حيث تنظم أنشطة متعددة تسهم في إعطاء بعد آخر لشخصية الطالب الجامعي"، وتقول لـ"العربي الجديد" إن "الحياة داخل الحي الجامعي مليئة بالأنشطة الرياضية والثقافية. هذا الفضاء المغلق فيه إيجابيات مثلما فيه من السلبيات، إذ تشرف مصلحة النشاطات الثقافية والرياضية على تنظيم فعاليات في نهاية كلّ أسبوع، وتشمل محاضرات ونشاطات وأمسيات شعرية وفنية تنظمها الاتحادات الطلابية، وهذه فرصة للطّالبات للتعرّف على مهارات جديدة، والقيام بأنشطة بعيدة عن المقررات الدراسية، واكتشاف نقاط القوة لديهن".
وبين فترة وأخرى يحتدم النقاش حول واقع الإقامات الجامعية، أو بيوت الطلبة القادمين من الولايات الداخلية، خصوصاً إن تعلق الأمر بحوادث في تلك الفضاءات. ويؤكد أستاذ علم الاجتماع الأسري، وليد عماري، لـ"العربي الجديد"، أن "الدّراسة الجامعية هي مرحلة نهاية المراهقة وبداية الرشد، وهي تتسم بزيادة التوقّعات الاجتماعية، ومطالب النمو، وما يصاحب ذلك من صراع نفسي يعيشه الطالب، واختلاف أساليب التّنشئة يجعل العلاقات بين الطلبة صعبة، وتتزايد حاجتهم إلى الإرشاد والدعم حتى تتوافق مع تحصيلهم الدراسي".