ضغوط تجبر الدنمارك على تغيير سياستها في ملف نساء وأطفال "داعش"

19 مايو 2021
اتهامات لها بأنها مارست "تخلّياً أخلاقياً عن معتقلات وأطفال في سورية" (Getty)
+ الخط -

بدأت حكومة يسار الوسط في كوبنهاغن، برئاسة ميتى فريدركسن، بتغيير سياستها في ما يخصّ عنادها ورفضها طيلة عامين لإحضار مواطنات وأطفالهن من مخيمات اعتقال مليشيات كردية في الشمال الشرقي السوري. 

ويدور الحديث عن 3 نساء و14 طفلا/ قاصرا. وظلت فريدركسن تعد طيلة الفترة الماضية أنها لن تغير رأيها، رغم الضغوط الكبيرة من أحزاب اليسار ومنظمات حقوقية محلية، واتهامات لها بأنها مارست "تخلّياً أخلاقيّاً عن معتقلات وأطفال في سورية". ووصفت الصحافة المحلية تغيّر السياسة الدنماركية بأن "فريدركسن اضطرت لابتلاع جمل كبير" (وهو مثل دنماركي يقابله تجرع الحنظل).  

وبحسب مؤتمر صحافي مساء أمس الثلاثاء، لوزراء في الحكومة، فإن "عملية الاسترجاع إلى الوطن بدأت للتو". وكانت فريدركسن تردد مع اليمين المتشدد أنه "لا عودة لمن أدار ظهره للدنمارك"، وهو ما ظل يعرضها لانتقادات محلية باعتباره تصرفا "غير أخلاقي"، وإلى ضغوط سياسية كبيرة وصلت إلى حد إسقاط الحكومة من قبل أحزاب اليسار ويسار الوسط في البرلمان. 

التغيير الذي انتظره كثيرون، اعتمد على توصيات وضغط جهاز الاستخبارات الدنماركي، بعد اجتماعات مكثفة

ويتبين أيضا أن التغيير الذي انتظره كثيرون، اعتمد على توصيات وضغط جهاز الاستخبارات الدنماركي، بعد اجتماعات مكثفة منذ مارس/آذار الماضي، حول "مخاطر جدية بجنوح الأطفال المتروكين نحو التطرف، وخصوصا أنهم يتقدمون بالعمر في ظروف اعتقال سيئة". 

 وأفادت تقارير مختلفة، بأنّ الأطفال الدنماركيين "يعانون في معسكرات الاعتقال الكردية في سورية من أعراض ما بعد الصدمات ومحبطون وخائفون".  

وكانت طفلة في الرابعة من العمر، أفاد مختصون اجتماعيون وأطباء نفسانيون بأنها تعاني من اضطرابات كبيرة، جيشت الرأي العام والصحافة باتهامات كبيرة وقاسية لفريدركسن ووزارة الطفل، بألقاب قاسية أقلها "لا قلب ولا أخلاق لفريدركسن ووزارة مكافحة الأطفال". ورفضت والدة الطفلة، في مخيم "الهول"، إجلاء طفلتها دون رفقتها هي وابنها القاصر، وهو قرار أيده مختصون اجتماعيون ونفسانيون.  

اليمين المتشدد لم يرق له هذا التغيير وأعاد منذ أمس حملته التي تتهم صراحة الأطفال بأنهم "إرهابيون"، كما يفعل حزب الشعب الدنماركي المتشدد منذ أشهر بحملة ملصقات ومنشورات لاقت انتقادات وغضبا في الشارع، باعتبار أن "الأطفال لا ذنب لهم إن اختار أهاليهم السفر إلى سورية". 

الأطفال لا ذنب لهم إن اختار أهاليهم السفر إلى سورية

 واعتبر معلقون دنماركيون أن فريدركسن "تنحدر أخلاقيا". وضغط الرأي العام باتجاه "انتهاج النموذجين النرويجي والفنلندي"، باستعادة نساء ومحاكمتهن لتبين ما إذا كن فعلا شاركن في تنظيم "داعش". 

ويرى مؤيدو استعادة مواطنات وأطفال الدنمارك، أن التراجع هو "تنازل قسري اضطرت إليه فريدركسن في اللعبة السياسية على استمرار حكومتها وليس لقناعتها بقضية أخلاقية". ويؤشر ذلك إلى أن اقتراب تنفيذ تهديد حجب الثقة عن حكومة يسار الوسط، خصوصا من "اللائحة الموحدة" و"الشعب الاشتراكي" (يسار) وراديكال (يسار وسط)، ومتسلحين بتوصيات التقرير الأمني، دفع بالحكومة إلى مؤتمر صحافي لإعلان التغيير. وهو ما لمح إليه وزير العدل، نيك هيكروب، بقوله إن القرار جاء نتيجة "تركيز الحكومة على قضايا الأمن. 

هيكروب، الذي يخضع جهاز الاستخبارات، لسلطة وزارته، أكد أيضا أن "ما قلناه سابقا بأننا نريد مساعدة هؤلاء الأطفال، وتبين أنه لا يمكننا القيام بذلك دون أمهاتهم، وفي هذا السياق جاء تقرير تقييم الاستخبارات". 

 ومن ناحيته اعتبر وزير الخارجية ييبا كوفود أن ما دفع حكومته لتغيير رأيها "هو وضع تلك المخيمات (معسكرات الاعتقال الكردية) وتدهور الوضع الأمني وتقييم أنه يمكن أن تنهار تلك المخيمات مستقبلا".  

وأشار الجهاز الأمني الدنماركي، وقبله الفنلندي، إلى استمرار محاولات الهروب والتهريب. وهو ما اعتبر رئيس الجهاز، فين بورك أندرسن، أنه من الممكن أن يشكل مخاطر أمنية "وخصوصا مع تقدم عمر القصر وإمكانية أن يصبحوا متطرفين وأن يتم تجنيدهم من قبل داعش ليعودوا إلى الدنمارك لارتكاب أعمال إرهابية". 

 وكُشف النقاب صباح اليوم الأربعاء عن أن "عملية التقييم الأمني ظلت محاطة بالسرية منذ بضعة شهور، مع تزايد ضغوط أحزاب يسار ويسار الوسط والليبراليين (يمين وسط يؤيد استرجاعهم) لإعادة مواطنات البلد وأطفالهن"، وفقا لما كشفت صحيفة "بوليتيكن". 

وتجدر الإشارة إلى أن ليونة الموقف وتغييره لن يشمل "المقاتلين الأجانب البالغين الذين انضموا إلى القتال ضد قيم الديمقراطية والحرية والمساواة، وهؤلاء غير مرغوب فيهم في الدنمارك"، بحسب ما ورد في اتفاق الحكومة على تمكين أطفال الآباء الدنماركيين من القدوم إلى البلد "في أقرب وقت ممكن"، رغم غضب اليمين المتطرف اليوم الأربعاء ودعوته لجلسات استجواب مستعجلة لرئيسة الوزراء في البرلمان. 

وإلى جانب إحضار الأمهات الثلاث و14 طفلا هناك ثلاث نساء أخريات وخمسة أطفال على صلة بالدنمارك، ويتم الآن تقييم ما إذا كانوا يعتبرون دنماركيين بناء على جنسية الأمهات، اللاتي جردن من الجنسية، بالإضافة إلى تجريد الآباء، الذين قتل بعضهم واختفى أثر آخرين منهم.

وزير الخارجية، كوفود، أكد أن البقية من الأطفال "لا تحمل أمهاتهم الجنسية الدنماركية، ويتطلب الإجلاء موافقة الأمهات، ونعرض أيضا إمكانية الإجلاء دون موافقة الأمهات". ووعدت السياسية الدنماركية عن حزب اليسار، اللائحة الموحدة، روزا لوند "بمواصلة النضال لأجل استعادة بقية الأطفال والنساء، رغم تجريد الحكومة للأمهات من جنسياتهن". 

وكافح لسنتين محامون وأجداد وأقارب هؤلاء الأطفال والنساء في الدنمارك لعودتهم إلى البلد. واستأنفت النساء اللائي جردن من الجنسية أمام المحاكم الدنماركية، وهو ما يفسح المجال لهن لاستعادة جنسياتهن، وخصوصا أن بينهن من هن من أصول إثنية دنماركية.  

وكانت أوسلو حكمت في وقت سابق من الشهر الحالي، على سيدة تبلغ 30 سنة بالسجن ثلاث سنوات ونصف السنة، رغم أنها لم تقاتل في صفوف داعش، واعتبرت المحكمة أنه بمجرد إدارتها لمنزل وتربية أطفالها لزوج ملتحق بداعش كاف "لاعتبارها جزءا من منظمة إرهابية". ويبدو أن المثل النرويجي هو ما ينتظر العائدات إلى كوبنهاغن أمام المحاكم الدنماركية. 

وانتهجت الدنمارك سياسة تجريد الجنسية مع ما يسمى "المقاتلون الأجانب في سورية". ورغم أنها ركزت أكثر على من اعتبرت أنهم انضموا إلى "تنظيمات إسلامية متطرفة"، إلا أنها مؤخرا بدأت بفتح ملفات تجريد الجنسية من دنماركيين من أصل كردي سافروا، بمن فيهم نساء، للانضمام والقتال في صفوف المليشيات الكردية، بمن فيهم من سافر قبل أكثر من 6 سنوات، وهو أمر لم يكن متبعا في السابق. 

المساهمون